عدِّ عنْ منْ لجَّ في قالٍ وقيلِ … أنا لا أصغي إلى قول العذول
وأعِدْ لي ذكر مَن صَحَّ الهوى … منه بالطَّرق وبالجسم العليل
فقدْ الصّبر مع الوجد فما … لاذ بالصبر عن الوجه الجميل
من قدودٍ طعنتْ طعن القنا … ولحاظٍ فتكتَ فتك النصول
دنفٌ لولا تباريحُ الجوى … ما قضى الوجد عليه بالنحول
كلّما شام سنا بارقه … جَدّ جدّ الوجد بالدمع الهمول
إنَّ ما أضرمَ في أحشائه … لا أرى المحنة كالحبّ ولا
وإذا هبَّت به ريحُ صبا … راح يستسفي عليلٌ بعليل
كبدٌ حرّى ودمعٌ واكفٌ … فهو ما بين حريق وسيول
لو تراه إذ نأتْ أحبابه … تَطَأ الأرض بوخد وذميل
لا تسل عن ما جرى كيف جرى … سائل الدمع على الخدّ الأسيل
أيّ يومٍ يوم سارت عيسُهم … ودعا داعي نواهم بالرحيل
وتراني بعدهم أشكو الأسى … يفلق الهام بريَّاً من فلول
وبرسم الدار من أطلالهم … ما بجسمي من سقام ونحول
بخلوا بالوصل لما أعرضوا … ومن البلوى نوال من بخيل
ليت شعري ولكَمَ أشكو إلى … باردِ الرِّيقة من حر الغليل
لا أرى المحبة كالحبّولا … كالهوى للصبّ من داء قتول
بأبي من أخَذَت أحداقه … مهجة الوامق بالأخذ الوبيل
وشفائي قُربُ من أسْقَمَني … بسقام الطرف والخصر النحيل
هل علمتم أنّ أحداق المهَا … خلقت حينئذٍ سحرَ العقول
يا دياراً لأحباءٍ نأت … ألناءٍ عنك يوماً من وصول؟
كان روض العيش فيها يانعاً … قبل أن آذن عودتي بالذيول
بمدامٍ أشرقَتْ أقداحها … بزغت كالشمس في ثوب الأصيل
وشَدَت وَرقاء في أفنانها … أوتيت علماً بموسقى الهديل
حبذا اللّهو وأيام الصّبا … وشمال وكؤوس من شمول
وندامى نظمتهم ساعة ٌ … وقعتْ منا بأحضان القبول
علِّلاني بعدها من عودها … بمرام غير مرجو الحصول
إذ مضت وهي قصيرات المدى … فلها طال بكائي وعويلي
جهل اللائم ما بي ورأى … أنْ يفيد العلم نصحاً من جهول
لا ينال الحمد في مدحي له … من يعد الفضل من نوع الفضول
وأراني والحجى من أربي … في عريض الجاه ذي الباع الطويل
كلّما أنظمها قافية … تنظم الإحسان في قول مقول
وعلى خِفَّتها في وزنها … تطأ الحساد بالقول الثقيل
بالغ في كلّ يوم مرَّ بي … من أبي عيسى نوالاً من منَيل
لا يريني العيش إلاّ رغداً … في نعيم من جميل ابن الجميل
ينظر النجم إلى عليائه … نظر المعجب بالطرف الكليل
يرتقيها درجات في العلى … فترى الحاسد منها في نزول
قصرت عن شأوه حساده … وانثنى عنهم بباع مستطيل
نُسِبَ الجود إلى راحته … نسبة السحر إلى الطرف الكحيل
وروى نائله عن سيبه … ما روى الريَّ عن الغيث الهطول
كاد أنْ تمزجه رقّته … بنسيم من صَبا نجدٍ بليلِ
أيُّها الآخذ عن آبائه … سنن المعروف بالفعل الجميل
… عَجَزَتْ عنها فحول من فحول
هذه الناس التي في عصرنا … ما رأينا لك فيهم من مثيل
شرفٌ أوضَحُ من شمس الضحى … ليس يحتاج سناها لدليل
أسأل الله لك العزَّ الذي … كان من أشرف آمالي وسولي
دائِمَ النعمة منهلَّ الحيا … مورد الظامي بعذب سلسبيل
فلنعمائِك عندي أثرٌ … أثرَ الوابل في الروض المحيل
لو شكرت الدهر ما خَوَّلتني … لا أفي حقَّ كثير من قليل
إنَّما أنتم غيوثٌ في الندى … وإذا كانت وغى ً آساد غيل
نجباءٌ من كرام نجُبٍ … وكسوني كلَّ فضفاض الذيول
وأرَوني العزَّ خفضاً عيشه … والردى أهونُ من عيش الذليل
زيِّنوا شعري بذكرى مجدهم … في أعاريضِ فعيل وفعول
إنَّهم فضلٌ وبأسٌ وندى … زينة الافرند للسيف الصقيل
وزكَتْ أعراقُهُم منذ نَمَت … بفروع زاكيات وأصول
في سبيل الله ما قد أنْفَقوا … لليتامى ولأبناء السبيل
أنفقوا أموالهم وادَّخروا … حسنات الذكر في المجد الأثيل
تخلق الدهر وتكسو جدّة … وتعيد الذكر جيلاً بعد جيل
يا نجوماً أشرقتْ في أفقنا … لا رماك الله يوماً بالأفول
أنتمُ الكنز الذي أدخره … للملمّات من الخطب الجليل
وإليكم ينتهي لي أمَلٌ … كاد أنْ يطمعني بالمستحيل
كم وكم لي فيكم من مِدَحٍ … رفعت ذكري بكم بعد الخمول
فمتى أغدو إلى إحسانكم … إنّما أغدوا إلى ظلٍّ ظليل
لم أزل أحظى لديكم بالغنى … والعطاء الجمِّ والمال الجزيل