طرقَتْ مُنَقَّبَة ً تَرُوعُ تحجُّبا … هيهات يأبى البدرُ أن ينتقبا
و الصبحُ في حلكِ الدُّجى متنقبٌ … و حلى الدراري موشكٌ أن يُبهبا
و الفجرُ يكتبُ في صحيفة ِ أفقهِ … ألِفاً مَحَتْ نورَ الهِلالِ المُذهَبا
بيضاءُ يخفى البدرُ من إشراقها : … قصرى النجوم مع الضحى أن تغربا
وَدَّعتُها فجنيتُ من مُرّ النّوَى … حُلْوَ الوَداعِ مُنعَّماً ومُعذَّبا
شملٌ تجمعَ حينَ حانَ شتاتهُ … ويزيدُ إشراقُ السّرَاجِ إذا خَبا
ذكرى تحركني على يأسٍ كما … طربَ الكبيرُ لذكرِ أيامِ الصبا
يُسْتَثْقَلُ الخبرُ المعادُ وقَدْ أرَى … خبرَ الحبيبِ على الإعادة ِ طيبا
يحلو على تردادهِ فكأنهُ … سجعُ الحَمامِ إذا تردَّد أطْرَبا
كالأوحدِ ابن الجدّ كُرِّرَ ذكرُهُ … فأتى عَلى تكرَارِهِ مُسْتَعْذَبا
شَيْحانُ تحجُبُهُ المهابَة ُ سافِراً … أبداً ويدنيهِ السنا متحجبا
في وجههِ وبنانهِ … ما في الكواكبِ والسحائبِ والرُّبى
أعطى فَما أكدى وهبَّ فَما ونى … وجرَى فلم يُلْحَقْ وَهُزَّ فَما نبا
عقدتْ خناصرها الرجالُ لذكرهِ … و بدا فحلُّوا من مهابتهِ الحبا
تلقاهُ محبوباً على سطواتهِ … وَعَلى نَداه وبِشرِهِ مُتَهَيَّبا
كالرُّمْحِ ذا نَصْلينِ أيْنَ حنيتَه … ألْفَيْتَهُ مِنْ حومتيهِ مُذَرَّبا
كالمشرفيّ خلابة ً وذلاقة ً … أو كالزمانِ تسهُّلاً وَتَصَعُّبا
حِلمٌ حَكى رَضْوَى ولكنْ تحتَهُ … بأسٌ، ذُرَى رَضْوَى يهدُّ وكبكبا
يكتنُّ منهُ البطشُ تحتَ سكينة ٍ … كالزَّنْدِ يوجَدُ خامِداً مُتلَهِّبا
تأتي التجاربُ تستشيرُ ذكاءهُ … مهما استشار الأذكياءُ مجربا
كلرمتْ أرومتهُ وأينعَ فرعهُ … فَحَوى الجلالَة َ مَنْسباً أو مَنْصباً
كالروضِ رَاقكَ مَنْظراً وخبرتَهُ … فَوَجَدْتَ عُنصُرَهُ الغَمامَ الصَّيّبا
هشُّ الندى جزلُ الوقارِ كأنهُ … بحرٌ وَطَوْدٌ إن حَبا وإن احْتبى
رمتِ المعالي لحظاً أدعجاً … وافترَّ عَنْهُ الزهرُ ثَغْراً أشنَبا
إيهٍ أبا عمرٍو وَوَصفُكَ قَدْ غَدا … عِزّاً تَسَمّى كافِياً لكَ مَحْسبا
حَلّيْتَ حِمصاً بالبقِيعِ مدائحاً … وحَمَيتَ مِنْها بالعرِينِ مؤشَّبا
حَسُنَتْ فَعادَ اللّيْلُ صبحاً نيّراً … فيها وصار الصلدُ روضاً معشبا
أفهقتَ : حتى البحرُ يدعى جدولاً … وأضأتَ: حتى الشمسُ تُدعى كوكبا
و شقيّ قومٍ لا كما زعمَ اسمهُ … بارَى علاكَ فما جرى حتى كبا
فرَأى حُسامَكَ فِيه برقاً ساطِعاً … و رأى مناهُ فيكَ برقاً خلبا
ألبستهُ طوقَ المنية ِ أحمراً … فكسوتنا التأمينَ أخضر مخصبا
ما كان إلاّ أن جعلتَ عتابهُ … بكلامِ ألسنة ِ الغُمُودِ مُعتّبا
إنَّ الغليظَ من الرقابِ إذا عتا … لم ينههُ إلاّ الرقاقُ منَ الظبى
دَمّثْتَ طاغينا، جبرتَ مهيضنا … أرشدتَ جاهلَنا الطريقَ الأصْوَبا
كالنجمِ أحرقَ مارداً، وسقى الثرى … من نَوْئهِ ريّاً، ونَوَّرَ غَيْهَبا
وكأنَّ بابكَ كعبة ٌ يمحو بِها … زلاتهِ منْ قد أتاها مذنبا
تَلْقَى الجماهرَ حولَهُ فكأنّهُمْ … من كثرة ٍ وتضاؤلٍ رِجْلُ الدَّبا
كالصائمين عشيّة َ الإفطارِ قَدْ … مَدُّوا العيونَ إلى الهلال ترقُّبا
أوليتَ ما لَوْ كانَ نُطقي مُعجباً … عن شكره لرأيتَ حالي مُعْربا
و كفى بمدحكَ نيلَ سؤلٍ إنني … نزهتُ فيكَ الشعرَ عن أن يكذبا
فإليكَ من مدحي أغرَّ مذهباً … أتحفتُ منك بهِ أغرَّ مهذبا
لولا بديعٌ من فعالكَ مغربٌ … ما حاكَ مادحُكَ البديعَ المُغْرِبا
ما عذرُ أرضٍ تربها من عنبرٍ … أن لا يطيبَ بها الشمالُ ولا الصبا
غَنِيَتْ عن التشريفِ ذاتُكَ مثلما … تَغْنى عن الأسلاكِ أجيادُ الظبا
فاطلَعْ بأُفقِ الفخرِ شمسَ رياسة ٍ … و الشرقُ يحسدُ في سناكَ المغربا