صَمَتَ العواذلُ في أَساكِ وسلَّموا … لمّا رأَوْا أنَّ العزاءَ محرَّمُ
لاموا وكم من فائهٍ بملامة ٍ … هو عند نقّادِ الملامة ِ ألومُ
ما أغفلَ العذّالَ عمّا فى الحشا … من لاذعاتٍ جمرُها يتضرَّمُ
لو أنصفوا اعتذروا وقد عاصيتهمْ … وأبَيْتُ نصحَهمُ بأنِّيَ مُغرَمُ
كم بيننا تتنعّمون وأبتلى … أوْ تسلمون من الكُلومِ وأُكْلَمُ؟
فى القلب من حرّ المصيبة لوعة ٌ … لا تعلمون بها وقلبى أعلمُ
لا يَستوي بكُمُ ـ وما من ثَلمة ٍ … بصفاتكمْ شعثُ الصّفاة ِ مثلّم
ذاوى القضيب له بنانة ُ آسفٍ … يجرى لطولِ عضاضها منها الدّمُ
يا للرّجالِ لهاجمٍ بيد الرّدى … أعيا فقيلَ هو القضاءُ المبرمُ
ومصيبة ٍ ليلي ـ وقد ساوَرْتُها ـ … ليلُ اللّديغِ بها ويومى أيومُ
ركبتْ من الأثباج مالا يرتقى … وتهضَّمتْ في القومِ ما لا يُهضَمُ
شوطرتُ نصفى واقتسمتُ وأنتمُ … أشطاركمْ موفورة ٌ لا تقسمُ
فمتَى عَطَسْتُ فإنَّ أنفيَ أجدعٌ … وإذا بَطَشْتُ فساعِدٌ ليَ أجذَمُ
وإذا نظرتُ فليس لى من بعد منْ … خُولستُهُ إلاّ السّوادُ المظلِمُ
وهو الزّمانُ فوافدٌ ومودّعٌ … ومؤخَّرٌ فاتَ الرَّدى ومقدَّمُ
ومبلّغٌ آمالهُ ومخيّبٌ … ومُجرِّرٌ ذيلَ الثّراءِ ومُعْدِمُ
لا تَعجبوا لمُرَزِّءٍ ومُكَلَّمٍ … إنّ العجيبَ مصحّحٌ ومسلّمُ
قلْ للذي يبني البناءَ كأنَّهُ … لم يدرِ أنَّ بناءَه مُتَهدِّمُ:
مهلاً فما الدّنيا وإنْ طالتْ لنا … إلاّ كظلّ غمامة ٍ يتصرّمُ
هلْ حظّنا منها وإن عظمتْ بها النّعماءُ إلاّ مشربٌ أو مطعمُ ؟ … ـنَعماءُ إلاّ مَشْربٌ أو مَطعمُ؟
أرنى بها صفواً بغيرِ تكدّرٍ … وحلاوة ً ما سيطَ فيها العلقمُ
أو لذَّة ً نِيلتْ وليس يحفُّها … أبدَ الزَّمانِ تكلُّفٌ وتجشُّمُ
عُجْ بالمطيِّ على الدِّيارِ فنادِها … أين الألى برباكِ دهراً خيّموا ؟
من كلِّ مرهوبِ الشّذاة ِ كأنَّهُ … ليثٌ إذا ضغطَ الفريسة َ يَرزُمُ
يقظانُ ينتهزُ الفخارَ إذا خَلَتْ … سبلْ الفخار ونام عنها النّوّمُ
ومُحجَّبون من القِذاعِ كأنَّهُمْ … بسوَى جميلِ الذّكرِ لمّا يعلموا
ومهذَّبون، وكم يفوتُ مَعاشراً … شتّى الشّعوبِ مهذّبٌ ومقوّمُ
وتراهمُ متهجّمين على الرّدى … وإذا رأوا سُبُلَ العَضِيهة ِ أَحجموا
الشّاهدينَ اليومَ وهْوَ عَصَبْصَبٌ … والهازمين الجيشَ وهو عرمرمُ
والفالقين الهامَ فى يوم الوغى … فمتوّجٌ يهوى ردًى ومعمّمُ
أخنى على إثرائهمْ فأبادهُ … جودٌ لهمْ لا ينثنى وتكرّمُ
وأبى لهمْ كرمُ العروق إذا جنوا … يوماً على أموالهمْ أن يندموا
ويصون عرضهمُ الذى شحّوا به … دينارهمْ فى بذلهِ والدّرهمُ
وإذا همُ سلموا وبات وليّهمْ … مُستهلكاً فكأنَّهُمْ لم يَسْلموا
كم فيهمُ قرمٌ إلى بذل القرى … صبٌّ بأسبابِ العلاءِ متيّمُ
متقدِّمٌ واليومُ مسوَدُّ الدُّجَى … إذ قَلَّ مِن نحوَ الرَّدى يتقدَّمُ
فى موقفٍ فيه الحسامُ مثلّمٌ … والرّمحُ فى طعنِ الكلى متحطُِّ
والطّعن يفتق كلَّ نجلاءٍ لها … قَعْرٌ كما فَغَرَ البعيرُ الأعْلمُ
والخيلُ تُخضَبُ بالنَّجيعِ فشُهْبُها … محمرّة ٌ والوردُ منها أدهمُ
كانوا البدورَ وبعد أن عصفَ الرَّدَى … بهمُ همُ رِمَمُ الثَّرى والأَعْظُمُ
سكنوا العراءَ وطالما امتلأتْ وقد … جعلتْ لهمْ تلك الأسرّة ُ منهمُ
يا ربّة َ البيتِ المحرّمِ تربهُ … عن أنْ يلمّ به فعالٌ يحرمُ
قطن العفافُ به وعرّس عنده … كرمٌ كعمرِ الدَّهرِ لا يتثلَّمُ
ما إنْ بهِ صُبحاً وكلَّ عشيَّة ٍ … خشناءَ إلاّ صوّمٌ أو قوّمُ
ومستهدون كأنّما حسناتهمْ … فى ليلهمْ ذاك البهيمِ الأنجمُ
مالي أراكِ وكنتِ جِدَّ حَفِيَّة ٍ … لا نلتقي أبداً ولا نتكلَّمُ؟
بينى وبينكِ شاسعٌ متباعدٌ … أو حالكٌ شَحِبُ الجوانبِ مُظلمُ
آبَ الرِّجالُ الرّاحلون، ودونَنا … سفرٌ طويلٌ ليس منه مقدّمُ
ما كانَ عندي والبلايا جَمَّة ٌ … أنّى أصابُ بكمْ وأعرى منكمُ
وأُذادُ حينَ أُذادُ عن أمواهِكُمْ … وأصدّ عن باب اللّقاءِ وأحرمُ
وكان ابتهالكِ جنّة ً فإذا رمى … جِهَتي العِدا تَزْوَرُّ عنِّي الأسهُمُ
ودُعاؤكِ المرفوعُ مصلحُ دائماً … ما أفسدوا أو ناقضٌ ما أبرموا
فالآنَ لي من بعدِ فقدِك جانبٌ … عارٍ وظُفرٌ في العدِّ مُقَلَّمُ
لم يمضِ ماضٍ بانَ وهْوَ محمّدٌ … ونأى أشدَّ النّأى وهو مذمّمُ
لكِ جنّة ٌ مأهولة ٌ فاستبشرى … بدخولها فالآخرين جهنّمُ
وإذا وصلتِ إلى النَّعيمِ فهيِّنٌ … من قبله ذاك البلاءُ الأعظمُ
صّلى الإلهُ على ضَريحك والتقتْ … فيه عليكِ كما يشاءُ الأنعُمُ
وجرى النّسيمُ عليه كلَّ عشيّة ٍ … واعتادَهُ نَوْءُ السِّماكِ المُرْزِمُ
فالغيثُ فيه ناشجٌ مستعبرٌ … والبرقُ منه ضاحكٌ متبسّمُ
وتروّضتْ جنباتهُ فكأنّه … بردٌ تنشّرَ بالفلاة ِ مسهّمُ
وإذا المطى ُّ بنا بلغن مكانه … فمكلّمٌ منّا له ومسلّمُ
ومنَ الشَّجا أنَّا نكلِّم في الثَّرى … من لا يصيخُ لنا ولا يتكلّمُ