ذوى شبابيَ لم يَنْعَم بسرّاءِ … كما ذوى الغصنُ ممنوعاً عن الماءِ
سَدَّتْ عليَّ مجاري العيشِ صافيةً … كفُّ الليالي وأجرتها بأقذاء
فمِنْ عناءِ بَلَّياتٍ نُهكتُ بها … إلى عناء . ومن داءٍ إلى داء
ستٌ وعشرونَ ما كانت خُلاصتُها … وهي الشبابُ طريّاً – غيرَ غمَّاء
وما الحياةُ سوى حسناءَ فارِكةٍ … مخطوبةٍ من أحبَّاء وأعداء
قد تمنعُ النفسَ أكفاءً ذوي شغفٍ … ورّبما وهبتها غيرَ أكفاء
ولا يزالُ على الحالينِ صاحبُها … معذَّبَ النفسِ فيها بيِّنَ الداء
فإنْ عجِبتَ لشكوى شاعرٍ طرِبٍ … طولَ الليالي يُرى في زِيِّ بّكاء
فلستُ أجهلُ ما في العيش من نِعمٍ … انا الخبيرُ بأشياءٍ وأشياء
ولا أحبُّ ظلامَ القبر يغمُرني … أنا الخبيرُ بأشياءٍ وأشياء
وإنَّما أنا والدُّنيا ومحنتُها … كطالبِ الماء لمَّا غَصَّ بالماء
أُريدُها لمسرّاتٍ ، فتعكِسُها … وللهناءِ ، فَتثنيهِ لايذاء
وقد تتبَّعتُ أسلافي فما وقعتْ … عيني على غير مشغوفِ بدُنياء
فانْ أتتكَ أحاديثٌ مُزخرَفةٌ … عن الذينَ رَوَوْها أو عن الللائي
يُشوِّهونَ بها إبداعَ غانيةٍ … فتَّانهٍ لم تكنْ يوماً بشوهاء
طوراً تُصوّرُ حِرباء وآونةً … كالأفعوان . وأُخرى كالرُّتَيْلاء
فلا تصدّقْ فما في العيشِ منقصةٌ … لولا أضاليلُ غوغاءٍ … ودهماء
ذَمَّ الحياةَ أُناسٌ لم تُواتِهُمُ … ولا دَروا غيرَ دَرَّ الإبْل والشاء
وقلَّدَتْهُمْ على العمياء جَمهرةٌ … تمشي على غير قصدٍ خبطَ عشواء
ولو بدَتْ لهمُ الدُّنيا بزيِنتها … لقابلوها بتبجيلٍ وإطراء
لم تكفِني نكباتٌ قد أُخذتُ بها … حَتى نُكبتُ بأفكاري وآرائي
لي في الحياة أمانٍ لو جَهَرتُ بها … قُوبلتُ من سَفْسطيَّاتٍ بضوضاء
ولو أتاني بِبُرهانٍ يجادلُني … لقلتُ : أهلاً على العينين ِ مولائي
شِيدتْ قصورٌ على الأجراف جاهزةٌ … بكلِّ ما تشتهيهِ أعينُ الرائي
فيهنَّ من شهواتِ النفس أفظعُها … فيها غرائبُ أخبارٍ وأنباء
فيها اللَّذاذاتُ والأفراحُ عاصفةٌ … بنفسِ ذاكَ المُرائي عَصفَ نكباء
حتى إذا قلتَ قولاً تستبينُ به … لُطفَ الحياةِ بتصريحٍ وإيماء
هاجوا عليكَ بإقذاعٍ ومفحشةٍ … وآذنوكَ بحربٍ جِدِّ شعواء
حُرِّيةُ الفكر ما زالتْ مهدَّدةً … في ” الرَّافدين ” بهمَّازٍ ومشَّاء
وبالنواميسِ ما كانتْ مُفسَّرةً … إلا لِصالحِ هيئاتٍ وأسماء