سقانيها معتَّقَة ً عقاراً … وقد ألْقَتْ يد الفجر الإزارا
ودار بها مشعشعة علينا … فدار الأنسُ فينا حيث دارا
إذا ما زفَّها الساقي بَليْلٍ … أعاد الليل حينئذ نهارا
تشق حشاشة الظلماء كأسٌ … كما أوقدتَ في الظلماء نارا
جلاها في الكؤوس لنا عروساً … وقد جعل الجمان لها نثارا
يتوّجها الحباب بتاج كسرى … إذا مزجت ويلبسها سوارا
فقبل المزج تحسبها عقيقاً … وبعد المزج تحسبها نضارا
جلاها فانجلت عنّا هموم … وفرت كلّما جُلِبَتْ فرارا
فأدركت الندامى بالحمّيا … من الهمّ الذي في القلب ثارا
وكم من لذة ٍ بكميتِ راح … أغرناها فأبعدنا المفارا
ويعذرني الشباب على التصابي … بصبوة مغرم خلع العذارا
وما أهنا المدام بكف ساق … كمثل البدر أشرق وکستنارا
بروحي ذلك الرشأ المفدّى … وإنْ ألفَ التجنّب والنفارا
وأين الضبي من لفتات أحوى … يضاهيه التفاتاً واحورارا
رنا فأصابَ بالألحاظ منا … فؤاداً بالصبابة مستطارا
مليحٌ ما تصبّر في هواه … محبٌّ لم يجد عنه اصطبارا
وما أنسى غداة الشَّرب أمست … بناظره وريقته سكارى
أَلا يا ممرضي بسقام طرف … أصاب من الحشا جرحاً جبارا
فؤادى مثل طرفك بانكسارٍ … فكلٌّ يشتكي منك کنكسارا
غرامي في هواك بلا کختياري … وما كان الهوى إلاّ اضطرارا
مضى وتصرَّمَتْ تلك التّصابي … فإنّ عاد الصبا عاد ادّكارا
فوا لهفي على أوقات لهو … قضيناها وإنْ كانت قصارا
تركت الشعر لما ألبستني … من الأكدار أيامي شعارا
ولولا مدح مولانا عليّ … لما جُدْتُ النظام ولا النثارا
أجلّ السادة الأشراف قدراً … وأرفعهم وأطيبهم نجارا
وأرأفهم على الملهوف قلباً … وأسرعهم إلى الحسنى بدارا
جواد في الأكارم لا يبارى … وبحر في المكارم لا يجارى
إذا نظر الكبار إلى علاه … رأت في المجد أنفسها صغارا
وقد سَبق الأعالي في المعالي … فما لحقت له فيها غبارا
وساجله السحاب فكان أندى … يداً منها وأعظمها قطارا
وكم عام منعنا القطر فيه … فأمطرنا لجيناً أو نضارا
وكم شاهدت في الأيام عسراً … ولذت به فشاهدت اليسارا
لنا في فضله غرس الأماني … جَنَيْناها بدولته ثمارا
وكم أكرومة ٍ عذراءَ بكرٍ … يجيىء ُ بها إلى الناس ابتكارا
يُهينُ أَعزَّ ما ملكت يداه … بوافر نيله ويعزّ جارا
أَلَسْتُم في الحقيقة آل بيت … عَلَوْا جُوداً وفضلاً واقتدارا
عليكم تنزل الآيات قدماً … فحسبكمُ بذالكمُ افتخارا
أقمتم ركن هذا الدين فيها … وأوضحتم لطالبه المنارا
جزيتم عن جميع الناس حيراً … وما زلتم من الناس الخيارا
بنفسي منك قرماً هاشمياً … يجير من الخطوب من کستجارا
تَقُدّ حوادث الأيام قَدّاً … فأنت السيف بل أمضى شفارا
بسرّ نداك قام الشعر فينا … فأثنينا عليك به جهارا
نقلّدُ من مناقبك القوافي … بأحسن ما تَقَلَّدَتِ العذارى
لبست من الثناء عليك حلياً … لعمرك لن يباع ولن يعارا
يضوع شميمه في كل نادٍ … كما نشرت صبا نجدٍ عرارا
فلا زالت لك الأيام عيداً … ولا شاهدت في الدنيا بوارا