رَمَتْ بِخُيُوطِ النُّورِ كَهْرَبَة ُ الْفَجْرِ … ونمَّت بأسرار النَّدى شفة ُ الزهرِ
وسارت بأنفاسِ الخمائلِ نسمَة ٌ … بليلة ُ مهوى الذيلِ ،عاطرة ُ النشرِ
فقم نغتنِم صفوَ البكورِ، فإنَّها … غداة ُ زهرُها باسِمُ الثغرِ
تَرَى بَيْنَ سَطْحِ الأَرْضِ والْجَوِّ نِسْبَة ً … تُشَاكِلُ مَا بَيْنَ السَّحائِب والْغُدْر
ففى الجوِّ هتَّان يسيلُ ، وفى الثرى … سيولٌ ترامى بينَ أودية ٍ غزرِ
غَمَامَانِ فَيَّاضَانِ: هَذَا بِأُفْقِهِ … يَسِيرُ، وهَذَا فِي طِبَاقِ الثَّرَى يَسْرِي
وقد ماجتِ الأغصانُ بينَ يدِ الصبا … كَمَا رَفْرَفَتْ طَيْرٌ بِأَجْنِحَة ٍ خُضْرِ
كَأَنَّ النَّدَى فَوْقَ الشَّقِيقِ مَدَامِعٌ … تَجولُ بخدٍّ ، أو جُمانٌ على تبر
إذا غازَلتها لمعَة ٌ ذهبيَّة ٌ … مِنَ الشَّمْسِ رَفَّتْ كالشَّرارِ عَلى الْجَمْرِ
ففى كلِّ مَرعى لحظة ٍ وَشى ُ ديمَة ٍ … وفى كلِّ مرمى خطوة ٍ أجرعٌ مثرى
مروجٌ جلاها الزهرُ ، حتَّى كأنَّها … سماءٌ تروقُ العينَ بالأنجمِ الزهرِ
كأنَّ صِحافَ النورِ والطلُّ جامدٌ … مَبَاسِمُ أَصْدَافٍ تَبَسَّمْنَ عَنْ دُرِّ
وقَد شاقنى والصُبحُ فى خدرِ أمِّهِ … حَنِينُ حَمَامَاتٍ تَجَاوَبْنَ فِي وَكْرِ
هَتَفْنَ فَأَطرَبْنَ الْقُلُوبَ، كَأَنَّمَا … تعلَّمنَ ألحانَ الصَّبابة ِ من شعرى
وقامَ على الجدرانِ أَعرفُ لم يزَل … يبدِّدُ أحلامَ النِّيامِ ولا يدرى
تخايلَ فى موشيَّة ٍ عبقريَّة ٍ … مُهدَّلة ِ الأردانِ سابِغة ِ الأُزرِ
لَهُ كِبْرَة ٌ تَبْدُو عَلَيْهِ، كَأَنَّهُ … مليكٌ عليهِ التَّاجُ ينظرُ عن شزر
فَسَارِعْ إِلى دَاعِي الصَّبُوحِ مَعَ النَّدَى … لنجمِ بأيدى الَّلهوِ باكورة َ العمرِ
فقد نسَمَت ريحُ الشَّمالِ ، فنبَّهت … عيونَ القمارى وهى فى سنة ِ الفجرِ
وَنَادَى الْمُنَادِي للصَّلاة ِ بِسُحْرَة ٍ … فَأَحْيَا الْوَرَى مِنْ بَعْدِ طَيٍّ إلى نَشْرِ
فبادِر لميقاتِ الصَّلاة ِ ، ومِل بنا … إلى القصفِ ما بينَ الجزيرة ِ والنَّهرِ
إذا ما قضينا واجِبَ الدِّين حقَّهُ … فَلَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْخَلاَعَة ِ مِنْ وِزْرِ
ألا ربَّ يومٍ كانَ تاريخَ صبوة ٍ … مضى غيرَ إثرٍ فى المخيلة ِ أو ذكرِ
عَصَيْتُ بِهِ سُلْطَانَ حِلْمِي، وَقَادَنِي … إِلى اللَّهْوِ شَيْطَانُ الْخَلاعَة ِ والسُّكْرِ
لَدَى رَوْضَة ٍ رَيَّا الْغُصُون، تَرَنَّحَتْ … مَعَاطِفُهَا رَقْصاً عَلى نَغْمَة ِ الْقُمْري
تَدُورُ عَلَيْنَا بِالْمُدَامَة ِ بَيْنَها … تماثيلُ ، إلاَّ أنَّها بيننا تجرى
تَرَى كُلَّ مَيْلاءِ الْخِمارِ مِنَ الصِّبَا … هَضِيمَة ِ مَجْرَى الْبَنْدِ، نَاهِدَة ِ الصَّدْرِ
إِذَا انْفَتَلَتْ فِي حَاجَة ٍ خِلْتَ جُؤْذُراً … أحسَّ بصيَّادٍ فأتلعَ من ذعرِ
لَوَى قَدَّهَا سُكْرُ الْخَلاَعَة ِ والصِّبَا … فمالت بشطرٍ ، واستقامت على شطرِ
وعلَّمها وحى ُ الدلالِ كهانة ً … فإن نطقَت جاءت بشئٍ منَ السحرِ
أحسَّت بما فى نفسِها من ملاحة ٍ … فَتَاهَتْ عَلَيْنَا، وَالْمَلاَحَة ُ قَدْ تُغْرِي
وَأَعْجَبَها وَجْدِي بِها، فَتَكَبَّرَتْ … عَليَّ دَلالاً، وَهْيَ تَصْدُرُ عَنْ أَمْرِي
فَتَاة ٌ يَجُولُ السِّحْرُ فِي لَحَظَاتِهَا … مَجَالَ الْمَنَايَا فِي الْمُهَنَّدَة ِ الْبُتْرِ
إذا نظَرَت ، أو أقبَلت ، أو تهلَّلت … فويلُ مهاة ِ الرملِ ، والغُصن ، والبَدرِ
فَمَا زِلْنَ يُغْرِينَ الطِّلاَ بِعُقُولِنا … إلى أن سقطنا لليدينِ وللنَّحرِ
فَمِنْ واقِعٍ يَهْذِي، وآخَرَ ذاهِلٍ … لَهُ جَسَدٌ ما فِيهِ رُوحٌ سِوَى الْخَمْر
صَرِيعٌ يَظُنُّ الشُّهْبَ مِنْهُ قَرِيبَة ً … فيَسْدُو بِكَفَّيْهِ إِلى مَطْلَعِ النَّسْر
إذا ما دعوتَ المرءَ دارَ بلحظهِ … إِلَيْكَ، وَغَشَّاهُ الذُّهُولُ عَنِ الْجَهْرِ
بعيدُ عنِ الداعِى وإن كانَ حاضِراً … كَأَنَّ بِهِ بَعْضَ الْهَنَاتِ مِنَ الْوَقْرِ
تحكَّمتِ الصهباءِ فيهِم ، فغيَّرت … شمائلَ ما يأتى بهِ الجدُّ بالهذرِ
فَيَا سَامَحَ اللَّهُ الشَّبَابَ وَإِنْ جَنَى … على َّ ، وحيَّا عهدَهُ سَبلُ القطرِ
ملَكتُ بهِ أمرى ، وجاريتُ صبوتى … وَأَصْبَحْتُ مَرْهُوبَ الْحَمِيَّة ِ وَالْكِبْرِ
إِذَا أَبْصَرُونِي فِي النَّدِيِّ تَحَاجَزُوا … عنِ القولِ ، واستغنوا عنِ العرفِ بالنكر
وقالوا فتى ً مالَت بهِ نشوة ُ الصبا … وليسَ على الفتيانِ فى الَّلهوِ من حجرِ
يخافونَ منِّى أن تثورَ حميَّتى … فيبغونَ عطفى بالخديعة ِ والمكرِ
أَلا لَيْتَ هَاتِيكَ اللَّيَالِي وَقَدْ مَضَتْ … تعودُ ، وذاكَ العيشُ يأتى على قدرِ
مواسِمُ لذَّاتٍ تقضَّت ، ولم يَزَل … لها أثرٌ يطوى الفؤادَ على أثرِ
إذا اعتورتها ذُكرة ُ النَّفسِ أبصَرَت … لها صُورة ً تختالُ فى صفحة ِ الفكرِ
فذلِكَ عصرٌ قد مَضى لسبيلهِ … وخلفنى أرعى الكواكِبَ فى عصرِ
لَعَمْرُكَ مَا في الدَّهْرِ أَطْيَبُ لَذَّة ً … مِنَ اللَّهْوِ فِي ظِلِّ الشَّبِيبَة ِ والْيُسْرِ