رآها قدْ أضرَّ بها الكلال … وقد ساءت لها ياسعد حال
فذكّرها شميمَ عَرارِ نَجْدٍ … ولا سيما إذا هبَّتْ شمال
فحرّكها وأَيْنَ لها بنجد … لهيبُ الشوق والدمع المذالُ
وقد كانت كأنَّ بها عقالاً … فأَطْلَقها وليس بها عقالُ
ولولا النّازلون هضاب نجدٍ … تحاماها الضّنى والاختلال
تخال الدَّمع سابقها عَلَيْهم … فكيفَ تسابق المزنَ الرؤال
يحملها الهوى عِبئاً ثقيلاً … وللأشجان أعباءٌ ثقال
ويقذفها النّوى في كلّ فجٍّ … لها فيه انسياب وانثيال
تمدُّ به فيقصرُ في خطاها … من البَيْداء أبواعٌ طوال
تشيم البرق يومئذٍ سناه … كعَضْب القين أرْهَقَه الصقال
وما أدري أهاج النّوق منه … غرام حين أومضَ أمْ خيال
شديدُ وجدها والوصلُ دانٍ … فكيف بها وقد منعَ الوصال
ذكرنا عَهْدَ رَبعك يا سُلَيْمى … وعقد الدمع يوهيه کنحلال
منازل للهوى ما لي أَراها … كطرفي لا يلمّ بها خيال
مباديها المسَرَّة والتهاني … وغايتها التغابن والوبال
وكانتْ بهجة َ الأبصار حتى … أحالتها من الحدثان حال
سألتك أين عيشك بالأوالي … وما يغني التفحّص والسؤال
غداة الشِّيحُ نبتُك والخزامى … حمتها البيض والأسل الطوال
وتسنحُ في عِراصِك قبلَ هذا … من السّربِ الغزالة والغزال
وتطلع ُ من خيامك مشرقات … بدورٌ من أسِرَّتها الكمالُ
وكلُّ مهفهفٍ تُثني عليه … معاطفه ويَثْنيه دلال
رماة من حواجبها قِسِيٌّ … تراشُ لها من الحدق النبال
ومن لي أنْ تَرى عيني سناها … فتنعم أعينُ ويُراح بال
تنافرتِ المها فوجدتُ قلبي … يجدُّ به للحيّ ارتحال
وهاتيك الركايب أرقلتها … ظباءٌ قدْ أقلتها الجمال
وكم صانت أكلَّتها وجوهاً … عَليها مهجتي أبداً تذال
فمالوا بالأباعر لا إلَينا … ومال بنا الهوى من حيث مالوا
أعيذك من حشاً تذكو لظاها … وهمٍّ داؤه الداء العضال
أحبتك الذذين شقيتَ فيهم … أسالوا من دموعك ما أسالوا
لنيران الجوى يا ناقُ عندي … على البعد اتقادٌ واشتعال
أُعَلِلّ بالأماني، والأماني … أمورٌ من زخارفها المحال
سرابٌ لا يُبَلُّ به غليل … ولا فيه لوارده بلال
وحَسْبُك إنْ وَرَدْتَّ أبا جميل … جميلٌ ما يروقك أو جمال
ردي من سَيْبه عَذباً زلالاً … فثمَّ الموردُ العذب الزلال
تناخ ببابه الامال طرّاً … وتُمْلأ من مواهبه الرحال
تعظّمه الخطوبُ ويزدريها … وليس له بمعظمها کحتفال
وينهض من أُبْوَّته بعبء … قليل ما تنوءُ به الرجال
من الشمِّ الشوامخ في المعالي … بطولُ الراسيات ولا يطال
ويوقره إذا طاشتْ رجال … حلومُ لا تضاهيها الجبال
صقيلُ مضارب العزمات ماضٍ … فلا فُلّت مضاربُه الصقال
قوام الدينْ والدنيا جميعاً … شفاؤهما إذا كان کعتلال
أَظَلَّتْنا غَمامَتُه بظلٍّ … إذا لفح الهجير به ظلال
ويومٍ مشمس فيه مضيءٍ … فشمسٌ ما لمطلعها زوالُ
وليلٍ فيه أقمرٌ مستنيراً … على وجنات هذا الدهر خال
ينفّس كلَّ كاربة بكرٍّ … لدى يومٍ يضيق به المجال
سماءٌ من سماوات المعالي … كواكبها المناقب والخصال
فعال تسبق الأقوال منه … وأقوال تقدّمها الفعال
يريك مداده في يوم جود … لأَحداق النوال به اكتحال
ومن كلماته ما قيل فيها … هي السلسال والسِّحر الحلال
لساني في مدائحه صدوق … بصدّق فيه منّي ما يقال
إذا أسدى إليَّ المال أَمْسَتْ … تمالُ لي القلوب وتستمال
فلي من ماله شرف وجاه … ولي من جاهِه عِزٌّ ومال
قريبُ النِّيل ممتنع المعالي … ومدني النيل ما بعد المنال
تحطّك رأفة ٌ شملَتْ ورقّتْ … وترفعك الأبوَّة والجلال
عزيز النفس عزَّ على البرايا … نظيرك في الأماجد والمثال
كأنَّك بين أقامٍ سراة ٍ … هدى ً ما بعده إلاّ الضلال
وإنّي قد رأيت علاك منهم … مرامٌ قد يرامُ ولا ينال
وليس لهم وإنْ دفعوا … مناقبك الشريفة والخلال
خليقتك المروءة ُ حيث كانت … وشيمتك السماحة والنوال
وهل أخشى من الحظّ انفصالاً … ولي من قرب حضرتك اتّصال
تلذُّ لك المكارم والعطايا … وتطربك الشجاعة والنزال
ولست من الكرام كبعض قوم … يجود بماله حتى يقالُ
فيا جبلاً أَطَلَّ من المعالي … علينا لا تزول ولا تزال
هباتٌ منك للعافين تترى … ولا وعدٌ لَدَيْكَ ولا مطال