يا ” ذكرياتُ ” تَحَشَّدي فِرقا … تسَعُ الخيالَ وتملأُ الأُفُقا
وتأهَّبي زُمراً تجهزني … محضَ الأسى ، والذُّعرَ ، والقلقا
هُزِّي الرِّتاجَ عليَّ أُحكِمُه … وتقحَّمي البابَ الذي انغلقا
الليلُ صُبِّي في قرارتهِ … من وحشةٍ ما يفزَعُ الغَسَقا
والريحُ خلِّيها اذا صفِرَت … في البيت تُوسِعُ من به فَرقَا
خَلِّي الصغار من الأسى فَزَعاً … يتساءلون : من الذي طَرَقا
ودَعي الكِبار يرَوْنَ مدخنَةً … فيه ولا يجدون محترِقا
والنَوم من فَزَعِ ” الرؤى ” يبساً … رُدِّيه ، او بدمائها غَرِقا
ليعودَ مما ” تنفُثين ” به … مِسخاً فلا نَوماً ولا أرَقا
والصبحُ رُدِّيه لَمبْسِمه … شَرِقاً وبالعبرات مُختنِقاً
ثم اطلِعي من كلِّ زاوية … ذاك الجبينَ ووجهَه الطَلِقا
حتى إذا انتصف الأصيل به … فتكوّري في صُلبه شَفَقا
ثم اسكُبي نَضْحَ الدماء به … ثم ابعَثي من نَشْرها عَبِقا
وتمزّقي قِطَعاً مضرّجةً … تمتصُّ من نَضَحاتِه عَلَقا
فكأن فيها الصُلْبَ منغلقاً … بجراحه ، والصدرَ منخرقا
يا ذكريات تجسَّدي بَدَناً … غضَّ الصِّبَا ، وتعطَّري خُلُقا
عُريانَ : لا خَتَلا ، ولا وَغَراً … ضَحْيانَ : لا صَلَفاً ، ولا مَلَقا
لم تتركي من كلِّ شاردةٍ … نَمَطاً ، ولا من نأمةٍ نَسَقا
ثم ابدَهيني كلَّ آونةٍ … منها بما يستامُني رَهَقا
يا ذكرياتٌ كلُّها حُرقٌ … تَطَأ الفُؤادَ ، وتلهبُ الحَدَقا
من لي بشِعرٍ خالقٍ شجناً … للناس يُعجزهم بما خَلَقا
هي صُورة حمراءُ من شَجني … تُدمي اليَراع وتُرعب الوَرَقا
ليَرىَ الذين تجاهَلوا برَمَاً … أسيانَ : كيفُ يُكابد الحُرَقا
من لي باطيافٍ تُراوحني … بالهمِّ مُصطبَحاً ومُغتبَقا
متسلسلات كلما وَجَدَتْ … فيها فراغاً ، أفَرغَتْ حَلقا
مستجمعات كلَّ خاطرةٍ … ما جدَّ من عهدٍ وما خَلِقا
ما كان مثلَ القبر مُختفياً … تُبديه مثلَ النجم مُنبثِقا
فَرِحاً ومكتئباً ومختلِطاً … بهما ، ومُتَّحداً ، ومفترِقا
من لي بها وكأنَّها بشرٌ … عن نفسه يَروي اذا نطَقا
من لي باشباحٍ أنوءُ بها … رَسْفَ السجين بقيَدِه عَلِقا
حتى اذا انصَرَمَت بدا شَبَحٌ … حُلوٌ يكادُ يُطيرني نَزَقا
طوراً نَروح معاً على ظَمَاً … منها ، وطوراً نستَقي غَدَقا
يوماً بقَعر البيت يُوغرنا … حَنَقاً ، قضاءٌ مُوغِر حَنِقا
وهُنيهة نرتاد مُرتفِعاً … من هَضْب ” لبنانٍ ” ومُنْزَلِقا
من لي بها تَعتادُ قارئها … فَرَقاً ، كما تَعتادني فَرَقا
وتردُّ – مثلي – عيشَه رَنِقاً … وتَسُدُّ – مثلي – حَولَه الطُرقا
من لي بشِعرٍ خالقٍ حُرَقاً … تطأ الفؤادَ وتُلهِبُ الحَدَقا
ليريُهم القلبينِ قد لَصِقا … صِنويَن ، كيف اذا هُما افتَرَقا
واذا هما – والموت بينهما … مدّا من الجْيدينِ فاعتَنَقا
وتساءَلا : ما ضرَّ لو سلكا … كَفَناً معاً ، وبحبله عَلِقا
حتى اذا استبقى احرُّهما … رَمَقاً ، واسلَمَ خِدنُهُ رَمَقا
وحثا التُرابَ بوجهه قَدَرٌ … عبّا لكل مُفارق طَبَقا
وانداحَتِ الدنيا بناظرِه … حتى لظَنَّ رحابَها نَفَقا
ومضى حسابُّهما برُمَّته … ما انفكَّ من دَين وما انغَلَقا
صَفَقَ اليدين كأنَّ مرتجِعاً … يرجُو لصاحِبه بما صَفَقا
وكأنما يُعطي الشقيقَ دماً … ان الشقيقَ بدمعه شَرِقا
وكأنما انشقَّ الضريحُ له … بـ ” رعى السحابُ ضريحَه وسَقَى “