دعا ما دعى من غره النهي والأمر … فما الملك إلا ما حباك به القهر
ومن ثنت الدنيا إليه عنانها … تصرف فيما شاء عن إذنه الدهر
ومن راهن الأقدار في صهوة العلى … فلن تدرك الشعرى مداه ولا الشعر
إذا الجد أمسى دون غايته المنى … فماذا عسى أن يبلغ النظم والنثر
ولم لا يلي أسني الممالك مالك … زعيم بجيش من طلائعه النصر
ليهن دمشقا أن كرسي ملكها … حبي منك صدرا ضاق عن همه الصدر
وأنك نور الدين مذ زرت أرضها … سمت بك حتى انحط عن نسرها النسر
خطبت فلم يحجبك عنها وليها … وخطب العلى بالسيف ما دونه ستر
جلاها لك الإقبال حورية السنا … عليها من الفردوس أردية خضر
خلوب أكنت من هواك محبة … نمت فانتمت جهرا وسر الهوى جهر
فسقت إليها الأمن والعدل نحلة … فأمست ولا أسر تخاف ولا إصر
فإن صافحت يمناك منبعد هجرها … فأحلى التلاقي ما تقدمه هجر
وهل هي إلا كالحصان تمنعت … دلالا وإن عز الحيا وغلا المهر
ولكن إذا ما قستها بصداقها … فليس له قدر وليس لها قدر
هي الثغر أمسى بالكراديس عابسا … وأصبح عن باب الفراديس يفتر
على أنها لو لم تجبك إنابة … لأرهقها من بأسك الخوف والذعر
فإما وقفت الخيل ناقعة الصدى … على بردى من فوقها الورق النضر
فمن بعد ما أوردتها حومة الوغى … وأصدرتها والبيض من علق حمر
وجللتها نقعا أضاع شياتها … فلا شهبها شهب ولا شقرها شفر
علا النهر لما كاثر القصب القنا … مكاثرة في كل نحر لها نحر
وقد شرقت أجرافه بدم العدى … إلى أن جرى العاصي وضحضاحه غمر
صدعتهم صدع الزجاجة لا يد … لجابرها ما كل كسر له جبر
فلا ينتحل من بعدها الفخر دائل … فمن بارز الإبرنز كان له الفخر
ومن بز أنطاكية من مليكها … أطاعته ألحاظ المؤللة الخزر
أخو الليث لولا غدرة نزعت به … إلى الذئب إن الذئب شيمته الغدر
أتى رأسه ركضا وغودر شلوه … وليس سوى عافي النسور له قبر
وقد كان في استبقائه لك منة … هي الفتك لو لم تغضب البيض والسمر
كما أهدت الأقدار للقمص أسره … وأسعد قرن من حواه لك الأسر
طغى وبغى عدوا على غلوائه … فأوبقه الكفران عداوة والكفر
وألقت بأيديها إليك حصونه … ولو لم تجب طوعا لجاء بها القسر
وأمست عزاز كاسمها بك عزة … تشق على النسرين لو أنها الوكر
فسر واملأ الدنيا ضياء وبهجة … فبالأفق الداجي إلى ذا السنافقر
كأني بهذا العزم لا فل حده … وأقصاه بالأقصى وقد قضي الأمر
وقد أصبح البيت المقدس طاهرا … وليس سوى جاري الدماء له طهر
وقد أدت البيض الحداد قروضها … فلا عهدة في عنق سيف ولا نذر
وصلت بمعراج النبي صوارم … مساجدها شفع وساجدها وتر
وإن يتيمم ساحل البحر مالكا … فلا عجب أن يملك الساحل البحر
سللت سيوفا أثكلت كل بلدة … بصاحبها حتى تخوفك البدر
إذا سار نور الدين في عزماته … فقولا لليل الإفك قد طلع الفجر
همام متى هزت مواضي سيوفه … لها ذكرا زفت له قلعة بكر
ولو لم يسر في عسكر من جنوده … لكان له من نفسه عسكر مجر
مليك سمت شم المنابر باسمه … كما زهيت تيها به الأنجم الزهر
فيا كعبة ما زال في عرصاتها … مواسم حج لا يروعها النفر
خلعت على الأيام من حلل العلى … ملابس من أعلامها الحمد والشكر
وتوجت ثغر الشام منك جلالة … تمنت لها بغداد لو أنها ثغر
فلا تفتخر مصر علينا بنيلها … فيمناك نيل كل مصر بها مصر
رددت الجهاد الصعب سهلا سبيله … ويا طالما أمسى ومسلكه وعر
وأطمعت في الإفرنج من كان بأسه … تخوف أن يعتاده منهم فكر
وأقحمت جرد الخيل أعلى حصونها … ولولاك لم يهجم على كافر كفر
ومن يدعي فيقتلك الشرك شركة … إذا لم يكن عند القوافي له ذكر
هي القانتات الحافظات فروجها … فشاهدها عدل ورائقها سحر
ولو لم يكن في فضلها وكمالها … سوى أنها من بعد عمر الفتى عمر