خذوا من جفونى ماءها فهى ذرّفُ … فما لكُمُ إلاّ الجَوَى والتَّلَهُّفُ
وإنْ أنتما استوقفتما عن مسيلها … غروبَ مآقينا فما هنّ وقّفُ
كأنَّ عيوناً كُنَّ زَوْراً عنِ البكا … غصونٌ مَطيراتٌ الذُّرا فهْيَ وُكَّفُ
دعا العذلَ والتّعنيفَ فى الحزنوالأسى … فما هجر الحزانَ إلاّ المعنّفُ
تقولون لي: صبراً جميلاً، وليس لي … على الصَّبرِ إلاّ حسرة ٌ وتَلَهُّفُ
وكيفَ أُطيقُ الصَّبرَ والحزنُ كلّما … عنفتُ به يقوى على َّ وأضعفُ
ذكرتُ بيومِ الطّفِّ أوتاد أرضهِ … تهُبُّ بهمْ للموت نكباءُ حَرْجَفُ
كرامٌ سقوا ماءَ الخديعة ِ وارتووا … وسِيقوا إلى الموتِ الزُّؤام فأَوْجَفوا
فكم مرهفٍ فيهمْ ألمَّ بحدّه … هنالك مسنونُ الغِرارين مُرْهَفُ
ومُعتدلٍ مثلِ القناة ِ مُثقَّفٍ … لواه إلى الموتِ الطويلُ المثقّفُ
قَضَوْا بعدَ أن قضُّوا مُنى ً من عدوِّهمْ … ولم ينكلوا يومَ الطِّعانِ ويَضْعُفوا
وراحوا كما شاءتْ لهمْ أريحيّة ٌ … ودوحة ُ عزٍّ فرعها متعطّفُ
فإنْ ترهمْ فى القاع نثراً فشملهمْ … بجنّاتِ عدنٍ جامعٌ متألّفُ
إذا ما ثنوا تلك الوسائد ميّلاً … أديرتْ عليهمْ فى الزّجاجة ِ قرقفُ
وأحواضهم مورودة ٌ فعدّوهم … يُحَلاَّ وأصحابُ الولاية ِ تَرْشُفُ
فلو أنّنى شاهدتهمْ أو شهدتهمْ … هناك وأنيابُ المنيّة ِ تصرفُ
لدافعتُ عنهمْ واهباً دونَهمْ دمي … ومن وهب النّفسَ الكريمة َ منصفُ
ولم يكُ يخلو من ضرابى وطعنتى … حُسامٌ ثليمٌ أو سِنانٌ مُقَصَّفُ
فيا حاسِديهمْ فضلَهمْ وهْو باهرٌ … وكم حسدَ الأقوامَ فضلاً وأسرفوا
دعوا حلباتِ السّبقِ تمرح خيلها … وتَغْدوا على مضمارها تَتَغَطْرَفُ
ولا تزحفوا زَحْفَ الكسير إلى العُلا … فلن تلحقوا وللصِّلالِ التَّزَحُّفُ
وخلّوا التكاليفَ التي لا تُفيدُكمْ … فما يستوي طَبعٌ نَبا وتَكلُّفُ
فقد دام إلطاطٌ بهمْ فى حقوقهمْ … وأعْوَزَ إنصافٌ وطالَ تحيُّفُ
تناسيتُمُ ما قالَ فيهمْ نبيُّكُمْ … كأنَّ مقالاً قالَ فيهمْ مُحَرَّفُ
فكم لرسول اللهِ فى الطّفِّ من دمٍ … يراق ومن نفسٍ تماتُ وتتلفُ
ومن ولدٍ كالعينِ منه كرامة ً … يُقادُ بأيدي النّاكثينَ ويُعْسَفُ
عزيزٌ عليه أنْ تُباعَ نساؤُهُ … كما بيع قطعٌ فى عكاظَ وقرطفُ
يذدنَ عن الماءِ الرّواءِ وترتوى … من الماءِ أجمالٌ لهمْ لا تكفكفُ
فيا لعيونٍ جائراتٍ عنِ الهدى … ويالقلوبٍ ضغنها متضعّفُ
لكمْ أم لهمْ بيتٌ بناهُ على التُّقى … وبيتٌ له ذاك السّتارُ المُسَجَّفُ
به كلَّ يومٍ من قرشٍ وغيرها … جهيرٌ مُلَبٍّ أو سَريعٌ مُطوِّفُ
إذا زارَهُ يوماً دَلوحٌ بذنبِهِ … مضَى وهو عُريانُ الفِرا متكشِّفُ
وزَمْزَمُ والرَّكبُ الذي يمسحونَهُ … وأيمانهمْ من رحمة الله تنطفُ
ووادي مِنى ً تُهدَى إليهِ نحائرٌ … تكبُّ على الأذقانِ قسراً فتحتفُ
وجمعٌ وما جمعٌ لمن ساف تربهُ … ومن قبلهِ يومُ الوقوفِ المعرّفُ
وأنتمْ نصرتمْ أم همُ يومَ خبيرٍ … نبيّكمُ حيث الأسنّة ُ ترعفُ ؟
فررْتُمْ وما فرُّوا وحِدْتُمْ عنِ الرَّدى … وما عنهُ منهم حائدٌ مُتَحَرِّفُ
فحصنٌ مَشيدٌ بالسُّيوفِ مهدَّمٌ … وبابٌ منيعٌ بالأنامل يقذفُ
توقَّفتُمُ خوفَ الرَّدى عن مواقفٍ … وما فيهمُ من خيفة ٍ يتوقّفُ
لهم دونكمْ فى يوم بدرٍ وبعدها … بيوم حُنَيْنٍ كلّما لا يُزَحْلَفُ
فقل لبنى حربِ وإنْ كان بيننا … من النَّسَبِ الدّاني مَرائِرُ تُحْصَفُ
أفى الحقّ أنّا مخرجوكم إلى الهدى … وأنتمْ بلا نَهجٍ إِلى الحقِّ يُعْرَفُ
وأنّا شَبَبْنا في عِراصِ ديارِكُمْ … ضياءً وليلُ الكفر فيهنَّ مُسْدَفُ
وأنّا رفعناكمْ فأشرفَ منكُمُ … بنا فوقَ هاماتِ الأعزَّة ِ مُشرِفُ
وها أنتمُ ترموننا بجنادلٍ … لها سحبٌ ظلماؤها لا تكشّفُ
لنا منكُمُ في كلِّ يومٍ وليلة ٍ … قتيلٌ صريعٌ أو شريدٌ مخوَّفُ
فخرتُمْ بما مُلِّكتُمُوه وإِنَّكمْ … سمانٌ من الأموال إذْ نحن شسّفُ
وما الفخر يا منْ يجهل الفخر للفتى … قميصٌ مُوَشَّى أو رداءٌ مُفَوَّفُ
وما فخرنا إلاّ الذى هبطتْ به الـ … ـملائكُ أو ما قد حَوى منه مُصْحَفُ
يقرُّ به من لا يطيق دفاعه … ويعرفُه في القوم مَن لا يَتَعرَّفُ
ولمّا ركبنا ما رَكبنا منَ الذُّرا … وليس لكمْ فى موضع الرّدفِ مردفُ
تيقّنتمُ أنّ بما قد حويتمُ … أحقُّ وأولى فى الأنامِ وأعرفُ
ولكنّ أمراً حاد عنه محصّلٌ … وأهوى إليه خابطٌ متعسّفُ
وكم من عتيقٍ قد نبا بيمينهِ … حُسامٌ وكم قطَّ الضَّريبة َ مُقرَفُ
فلا تركبوا أعوادَنا؛ فركوبُهَا … لمن يركبُ اليومَ العبوسَ فيوجفُ
ولا تسكنوا أوطاننا فعراصنا … تميلُ بكمْ شَوقاً إلينا وترجِفُ
ولا تكشفوا ما بيننا من حقائدٍ … طواها الرجال الحازمون ولفقواو
وكونوا لنا إمّا عدوّاً مجاملاً … وإمّا صديقاً دهره يتلطّفُ
فللخيرِ إنْ آثرتمُ الخيرَ موضعٌ … وللشّرِّ إنْ أحببتمُ الشّرَّ موقفُ
عكفنا على ما تعلمون من التّقى … وأنتمْ على ما يعلمْ اللّهُ عُكَّفُ
لكمْ كلُّ موقوذٍ بِكظَّة ِ بَطنِهِ … وليس لنا إلاّ الهضيمُ المخفَّفُ
إلى كمْ أداري مَن أُداري منَ العِدا … وأهدُن قوماً بالجميل وألطُفُ
تلاعبُ بى أيدى الرّجالِ وليس لى … منَ الجورِ مُنجٍ لا ولا الظّلمِ مُنصفُ
وحشْوُ ضلوعي كلُّ نَجلاءَ ثَرَّة ٍ … متى ألّفوها أقسمتْ لا تألّفُ
فظاهرها بادى السّريرة ِ فاغرٌ … وباطنها خاوى الدّخيلة ِ أجوفُ
إذا قلتُ يوماً: قد تلاءمَ جُرحُها … تحكّكُ بالأيدى على َّ وتقرفُ
فكم ذا ألاقى منهمُ كلَّ رابحٍ … وما أنا إلاّ أعزلُ الكفِّ أكشفُ
وكم أنا فيهمْ خاضعٌ ذو استكانة ٍ … كأنِّيَ مابين الأصحَّاءِ مُدْنَفُ
أقادُ كأنّى بالزّمامِ مجلّبٌ … بطيءُ الخُطا عاري الأضالعِ أعجفُ
وأَرسُفُ في قيدٍ منَ الحزمِ عُنوة ً … ومَن ذِيدَ عن بسطِ الخُطا فهو يَرسُفُ
ويلصقُ بى من ليس يدرى كلالة ً … وأُحْسَبُ مضعوفاً وغيري المضعَّفُ
وعُدنا بما مِنّا عيونٌ كثيرة ٌ … شُخوصٌ إلى إدراكه ليس تَطرِفُ
وقيل لنا: حان المَدى فتوكَّفوا … فيا حُججاً للَّهِ طال التَّوَكُّفُ
فَحاشا لنا من رِيبة ٍ بمقالكمْ … وحاشا لكمْ من أن تقولوا فتخلفوا
ولم أخشَ إلاّ من معالجة ِ الرّدى … فأُصرَفُ عن ذاك الزَّمان وأُصدَفُ