حَيَاكِ الربيعُ من فِصاحٍ أعاجِمِ … بأخضَرَ مَيّادٍ من البانِ ناعمِ
وَطِرْتُنَّ فِي خَضْرَاءَ مُونِقَة ِ الثَّرَى … قَرِيبَة ِ عَهْدٍ بِالْعِهَادِ الرَّوَازِمِ
لقدْ هاجَ لي تَغريدُكُنَّ عشيّة ً … لَواعِجَ شوقٍ من هَوى ً مُتقادِمِ
وتَذْكارَ أيامٍ قِصارٍ تَصرَّمَتْ … كما اكْتحلَتْ بالطَّيفِ أجفانُ حالمِ
نَعَمْ وَکكْتَسَى مَغْنَاكِ يَا دَارَة َ الْحِمَى … ملابِنَ من وَشيِ الرِّياضِ النَّواجِمِ
إذَا أَسْبَلَتْ فِيهَا الْغَوَادِي دُمُوعَهَا … حَكَتْ ثَغْرَ مُفْتَرٍّ عَنِ النَّوْرِ بَاسِمِ
وفي عَقِداتِ الرمْلِ ظَبيٌ كِناسُهُ … صدورُ العوالي شُرّعاً والصوارِمِ
وَأَهْيَفُ مَهْزُوزُ الْقَوَامِ إذَا کنْثَنَى … وَهَبْتُ لِعُذْرِي فِيهِ ذَنْبَ اللَّوَائِمِ
بِثَغْرٍ كَمَا يَبْدُو لَكَ الصُّبْحُ بَاسِمٍ … وفَرعٌ كما يَدجو لكَ الليلُ فاحِمِ
مَليحُ الرِّضا والسُّخطِ يَلقاكَ عاتِباً … بألفاظِ مطلومٍ وألحاظِ ظالمِ
وَفِي الْجِيرَة ِ الْغَادِينَ كُلُّ خَرِيدَة ٍ … تَنُوءُ عَلَى ضُعْفٍ بِحِمْلِ الْمَآثِمِ
إذَا جَمَشَتْ أَعْطَافَهُنَّ يَدُ الصَّبَا … تأَوَّدْنَ أَمثالَ الغصونِ النَّواعِمِ
وقابَلْنَ سُقمي بالخصورِ التي وهَتْ … مَعَاقِدُهَا وَأَدْمُعِي بِالْمَبَاسِمِ
ومما شَجاني أنّني يومَ بَينِهمْ … شَكَوْتُ الَّذِي أَلْقَى إلَى غَيْرِ رَاحِمِ
وحمَّلتُ أثقالَ الجَوى غيرَ حاملٍ … وأَودَعتُ أسرارَ الهوى غيرَ كاتِمِ
وأبرَحُ ما قاسَيتُهُ أنَّ مُسقِمي … بِمَا حَلَّ بِي مِنْ حُبِّهِ غَيْرُ حَالِمِ
وَلَوْ كُنْتُ مُذْ بَانُوا سَهِرْتُ لِسَاهِرٍ … لَهَانَ وَلكِنِّي سَهِرْتُ لِنَائِمِ
عذيري من قلب يجاذبني الهوى … إليكَ ومن لاحٍ عليكَ ولائِمِ
يُعيِّرُني مَن لم يذُقْ حرَقَ الأسى … عليكَ ولا فَيضَ الدموعِ السَّواجمِ
ولا باتَ يَرعى شارِدَ النجمِ طَرفُهُ … ولا ظَلَّ يَستَقري رسومَ المَعالِمِ
فَأَخْجِلْ بِأَجْفَانِي وَجُهْدِ مُحَمَّدٍ … إذَا مَا کسْتَهَلاَّ مُثْقَلاَتِ الْغَمَائِمِ
أبي الفرَجِ الفَرّاجِ كلَّ مُلِمّة ٍ … وَخَوَّاضِ مَوْجَ الْمَأْزِقِ الْمُتَلاَطِمِ
إلى بأسِهِ تُعزى الصوارِمُ والقَنا … وَعَنْ جُودِهِ يُرْوَى حَدِيثُ الأَكَارِمِ
لهُ وسجايا الناسِ لُؤمٌ ولكنّهُ … فَصاحة ُ قُسٍّ في سَماحة ِ حاتمِ
عجِبتُ له يَحمي الثغورَ ومالُهُ … تَنَاهَبَهُ السُّوَّالُ نَهْبَ الْغَنَائِمِ
ويَسلَمُ من رَيبِ الحوادثِ جارُهُ … وما في يديهِ بالنَّدى غيرُ سالِمِ
وَمَا زَالَ عَدْلاً فِي الْقَضِيَّة ِ مُنْصِفاً … ولكنّهُ في المالِ أجْوَرُ حاكمِ
تُضيءُ لهُ آراؤُهُ وسيوفُهُ … لدى كلِّ يومٍ مُظلِمِ الجوِّ قاتِمِ
فيَجمعُ بينَ الطَّيرِ والوحشِ في الوغى … وقد فرَقَتْ بينَ الطُّلى والجَماجِمِ
وَكَمْ غَارَة ٍ شَعْوَاءَ ضَرَّمَ نَارَهَا … بِكُلِّ أَشَمِّ الْمَنْكِبَيْنِ ضُبَارِمِ
فَوارِسُ أمثالُ الأُسودِ فوارِساً … على ضُمَّرٍ مثلِ السِّهاءِ سَواهِمِ
لَقَدْ سِيسَ مِنْهُ الْمُلْكُ وَهْوَ مُضَيَّعٌ … برأيِ بصيرٍ بالعواقبِ حازِمِ
وَأَضْحَتْ بِهِ الدُّنْيَا وَقَدْ رُدَّ أَمْرُهَا … إلى مُحصَدِ الآراءِ ثَبْتِ العزائمِ
رآهُ أميرُ المؤمنينَ لِدَائِها … وَقَدْ أَعْضَلَتْ أَدْوَاؤُهَا خَيْرَ حَاسِمِ
تَخَيَّرَهُ مِنْ نَبْعَة ٍ كِسْرَوِيَّة ٍ … أَبَى عُودُهَا أَنْ يَسْتَلِينَ لِعَاجِمِ
وَصَالَ عَلَى الأَعْدَاءِ مِنْ حَدِّ بَأْسِهِ … بِأَبْيَضَ مَضَّاءِ الْغِرَارَيْنِ صَارِمِ
وَأَلْقَى مَقَالِيدَ الأُمُورِ مُفَوِّضاً … إلَيْهِ فَلَمْ يَقْرَعْ لَهَا سِنَّ نَادِمِ
وَحَمَّلَ أَعْبَاءَ الْوِزَارَة ِ كَاهِلاً … حَمُولاً لاَِعْبَاءِ الأُمُورِ الْعَظَائِمِ
وَزِيراً يَحِنُّ الدَّسْتُ شَوْقاً وَصَبْوَة ً … إليهِ حَنينَ المُطْفِلاتِ الرَّوائمِ
رأى الناسُ بحرَ الجُودِ ملآنَ فانْثَنوا … إليهِ بآمالٍ عِطاشٍ حَوائمِ
فأضحَوْا على الإطلاقِ في أَسرِ جُودشهِ … ببِيضِ الأيادي لا بسُودِ الأَداهِمِ
أَقائدَها قُبَّ البطونِ إذا سمَتْ … إلَى طَلَبٍ طَارَتْ بِغَيْرِ قَوَادِمِ
تُدافِعُ الأبطالَ في كلِّ مأزِقٍ … تَدافُعَ سَيلِ العارضِ المُتَراكِمِ
إذا أصبحَتْ أرضَ العدوِّ لغارة ٍ … أَقَامَتْ مَعَ الإمْسَاءِ سُوقَ الْمَآتِمِ
تُدَمِّي خدودَ الغانياتِ كأنّما … رَكَضْتَ بِهِنَّ فِي وُجُوهِ اللَّوَاطِمِ
بِعَدْلِكَ أَمْسَى الدِّينُ بَعْدَ کعْوِجَاجِهِ … قَوِيماً وأضحى المُلكُ عالي الدَّعائمِ
وَمَا كُنْتَ إلاَّ الْعَارِضَ الْجَوْنَ جَلْجَلَتْ … رَواعِدُهُ حتى ارْتوى كلُّ حائِمِ
تَمَنَّى الأَعَادِي أَنْ يُصِيبَكَ كَيْدُهُمْ … وَمِنْ دُونِ مَا رَامُوهُ حَزُّ الْغَلاَصِمِ
وَدَسُّوا لَكُمْ تَحْتَ التُّرَابِ مَكَائِداً … فَلَمْ يَظْفَرُوا إلاَّ بِعَضِّ الأَبَاهِمِ
أَرَيْتَهُمُ حُمرَ المنايا سَوافِراً … تُطَالِعُهُمْ مِنْ بَيْنِ زُرْقِ اللَّهَاذِمِ
وَكُنْتَ لَهُمْ لَمَّا رَمَوكَ بِمَكْرِهِمْ … قَذًى فِي الْعُيُونِ بَلْ شَجًى فِي الْحَلاَقِمِ
حرَمْتضهُمُ طِيبَ الحياة ِ فلمْ تدَعْ … لَهُمْ عِيشَة ً فِيهَا تَلَذُّ لِطَاعِمِ
فماتوا بها موتَ الكلابِ أذِلّة ً … وَعَاشُوا بِهَا فِي الْجَهْلِ عَيْشَ الْبَهَائِمِ
فَيَا عَضُدَ الدِّينِ کسْتَمِعْهَا غَرَائِباً … مِنَ الْمَدْحِ تَسْتَغْنِي عَلَى كُلِّ نَاظِمِ
إذا سُمْتَها تَقريظَ مَدحِكَ أصبحَتْ … مَصاعبُها تَنقادُ طَوعَ الخَزائمِ
تَزُورُكَ أَيَّامَ التَّهَانِي فَتَجْلِبُ الـ … ـثَّنَاءَ إلَى أَسْوَاقِكُمْ فِي الْمَوَاسِمِ
وعِشْ في نعيمٍ لا يَحُولُ جديدُهُ … وَمَجْدٍ يَجُولُ فِي ظُهُورِ النَّعَائِمِ