جلا في الكأس جالية الهموم … وقامَ يميسُ بالقدِّ القويمِ
يحضُّ على مسرات الندامى … ويأمرُ في مصافاة النديم
وقد فرش الربيعُ لنا بساطاً … من الأزهار مختلف الرقوم
بحيث الأُفق مغبرّ الحواشي … ووجه الأرض مخضر الأديم
هنالك تطلع الأقمار فيها … شموس الراح في الليل البهيم
كأنَّ حبابها نظمت نجوماً … رَجَمْتُ بها شياطين الهموم
وأرشفني لماه العذب ألمى … مراشفه شفاء للسقيم
وأعذب ما أرى فيه عذابي … فما أشكو الظلامة من ظلوم
وأحبابٌ كما أهوى كرامٌ … تنادمني على بنت الكروم
ويسعدنا على اللذات عُودٌ … يكرِّرُ نغمة الصوت الرخيم
يخصّ بما يعمّ أخا التصابي … فيشجي بالخصوص وبالعموم
فيالك لوعة في الحبّ باحت … بما في مضمر القلب الكتوم
وما أهرقت من دمع كريم … جرى من لوعة الوجد اللئيم
ألام على هواك وليت شعري … فما للاّئمين من الملوم
وما سالت دموعُ العين إلاّ … لما في القلب من حرّ السموم
وهل ينجو من الزفرات صبٌّ … رَمَتْه بالغرام لحاظُ ريم
وقد حان الوداع وحان فيه … رَحيلُ الصَّبْر عن وجدٍ مقيم
إلا لله من زَمَنٍ قَضَيْنا … به اللذات في العصر القديم
وقد كانت تدارُ عليَّ راحٌ … تُعيدُ الرُّوح في الجَسَدِ الرَّميم
أخَذْتُ بكأسها وطربت فيها … فَسَلْني كيف شئت عن النعيم
بحيث الشمس طالعة ، مدامي … وبَدْرُ التَّمِّ يومئذٍ نديمي
تصرمتِ لاصّبابة والتصابي … وصارمني الهوى ظبيُ الصريم
ومفرية الفدافد والفيافي … لها في البيد إجفالُ الظليم
سريت بها أقدُّ السَّير قدّاً … بضرب الوخد منها والرسيم
إذا مرَّتْ على أرض فَرَتْها … مرور العاصفات على هشيم
وقفتُ على رسوم دارسات … وما يغني الوقوف على الرسوم
أكفكفُ عبرة الملهوف فيها … وتحت أضالعي نار الجحيم
أطَوِّفُ في البلاد وأنتحيها … وإنْ شطت إلى حرٍّ كريم
لئن سَعِدَت به الكوماء يوماً … خسمت نحوس أيام حسوم
انيخت في رحاب بني عليٍّ … نياقي لا بمنعرج الغميم
وأغناني عن الدنيا جميعاً … ندى سلمان ذي القلب السليم
وما زالت مطايانا سراعاً … إلى نادي الكريم ابن الكريم
رعيت به الندى غضّاً نضيراً … فما أدنو إلى المرعى الوخيم
أقبلُ منه راحة أريحيٍّ … تصوبُ بصيب الغيثِ العميم
وإنّي والهموم إذا کعترتني … وجدت به النجاة من الغموم
ويحمي المنتمي إلى علاه … محاماة الغيور عن الحريم
إذا ذُكرت مناقبُه بنادٍ … تضوَّعَ عن شذا مسكٍ شميم
يروق نضارة ً ويروقُ ظرفاً … أرقَّ إذا نظرتَ من النّسيم
وما يُبديه من شَرَفٍ ومجدٍ … بدلّ به على شرف الأروم
وما برحت مكارمه ترينا … وُجُوه السَّعد بالزمن المشوم
وتطلع من معاليه فتزهو … مناقبُ أشبهت زهرَ النجوم
ولِمَ لا يرتقي دَرَج المعالي … بما يعطاه من شيمٍ وخيم
بوار فينا وإنْ رغمت أنواف … يدا موسى بن عمران الكليم
أنوءُ بشكرها وأفُوزُ منها … بما يوفي الثراءَ إلى العديم
وذو الحظ العظيم فتى ً بَرَتْه … يدُ الباري على خلق عظيم
وفيه منعة لا زال فيها … کمتناع الحادثات من الهجوم
ويدرك فكره من كلّ معنى … يدق على المكالم والفهوم
هو القرم الذي افتخرت وباهت … به الأشرافُ أشراف القروم
تحوم على مناهله العطاشى … وثمَّة َ منهلٌ عذبٌ لهيم
وتصدرُ عن موارد راحتيه … وقد بلغ المرام من المروم
لعبد القادر الجيلي يُنمى … وقطب الغوث والنبأ العظيم
إلى من تفرج الكربات فيه … وينجي المستغيث من الهموم
إلى بيت النبوة منتماهم … رفيع دعائم الحسب الصميم
هذاة ُ العالمين ومقتداهم … إلى نهج الصراط المستقيم
رياض محاسن وحياض فضل … تَدفَّقُ بالمكارم والعلوم
وما أدري إذا طاشت رجال … رجالٌ أمْ جبالم حلوم؟
نظمتُ بمدحهم غُرَر القوافي … فما امتازت عن الدر النظيم