جاءتك خاضعة أعناقها الأمم … مستسلمين لما تمضي وتحتكم
واسترهنتك ملوك الأرض أنفسها … ما استنفد البأس أو ما استدرك الكرم
فليهن سيفك أن الكفر منقصم … بهبتيه وأن الدين منتظم
فهل ترى للعدى في الأرض باقية … إلا حشاشة من يبكي ويلتدم
هذي قواصي ملوك الشرك مذعنة … تنبا وتعلم أن الشرك يصطلم
وراسيات جبال الكفر يخبرنا … هويها أن ذاك الطود منهدم
فل لسيفك في أقصى بلادهم … بك استعاذوا ومن كراتك انهزموا
فشلهم طارد الذعر المطيف بهم … حتى أجارهم في ظلك الحرم
معتسفين سهوب الأرض قد جهلوا … من كل آنسة الأقطار ما علموا
معاهد قدت فيها الخيل فانقلبت … مثل الربوع محا آثارها القدم
عفت معالمها من بعدهم سحب … صوب الصوارم منها والقنا ديم
لا يسألون لها رسما بقاطنه … إلا أجابتهم الأشلاء والرمم
ولا تخب مطاياهم على بلد … إلا استثيرت بأدنى وخدها اللمم
غادرتها موحشات بعد آنسها … والأرض خاوية منهم بما ظلموا
لئن تناهى بهم أفق فشط بهم … لشد ما حملتهم نحوك الهمم
حتى رموا بعصا التسيار فامتسكوا … حبلا من الملك المنصور واعتصموا
ألقوا إليك بأيدي الذل فاعتقدوا … عهدا من الأمن محفوظا له الذمم
وجاهدوا عفوه عن أنفس علمت … أن الحياة لها من بعض ما غنموا
يمشون في ظلل الرايات تذكرهم … أيام تغشاهم العقبان والرخم
من كل أغلب محذور بوادره … يساور الريح أحيانا ويلتهم
وكل فتخاء ماض حد منسرها … كأنه نحو أكباد العدى قرم
وأرقم يتلوى نحو أرؤسهم … حتى يكاد لها في الجو يلتقم
والأسد تزأر والرايات خافقة … كأنها مثبتات في قلوبهم
والخيل منظومة بالخيل لا كتب … منها لغاية ذي سعي ولا أمم
والأرض من رهبة الأبطال مائدة … والجو من رهج الفرسان مزدحم
والسمر في هبوات النقع ثاقبة … والبيض في قرب الأغماد تضطرم
كأنما ملأت رحب الفضاء لهم … غلب الضراغم والغابات والأجم
وأولياء الهدى والدين قد ستروا … من أوجه بسناها الخطب يبتسم
تعمموا بإياة الشمس واشتملوا … رقراق نهي سراب البيد والتثموا
كأنما تتلالا في رؤوسهم … وقد توافوا أياد منك أو شيم
وشيعة الكفر في مثنى حبائلهم … تصدق العيش أحيانا وتتهم
حتى تراءاك من أقصى السماط وقد … شيم الحمام وسيف العفو محتكم
ممثل في هواديهم وأرؤسهم … ما عودت منهم المصقولة الخذم
لما انتضيت سناها في مفارقهم … خرت سجودا لك الأعناق والقمم
وأوجه عفروها الترب خاضعة … كأن كل جبين منهم قدم
فإن يفض بحرك المحيي لهم فلقد … جازوا الصفوف وموج الذعر يلتطم
أو عاينوا البدر في أعلى منازله … فقد أحاطت بهم من دونه ظلم
فإن عفوت ففي الرحمن مؤتلف … وإن سطوت ففي الرحمن منتقم
واسلم ولا برحت فيهم لنا نقم … تترى بهم ولك الآلاء والنعم