تُذَكِّرُني وَحَقِّكَ ما نَسيتُ … وَهَل أَنسى شُجونَكَ ما حَييتُ
أُحِسُّكَ في الحَرارَةِ مِن حَنيني … كَأَنَّكَ في غَليلِ دَمي تَبيتُ
وَأَسمَعُ مِنكَ ما أَسمَعتَ قَلبي … وَقَد غَدَرَ الحَبيبُ المُستَميتُ
يُغَرِّقُ مِن عُيونكَ في عُيوني … هَوً ساهٍ وَوِجدانٌ شَتيتُ
تَقولُ أَرى عَلى وَقبَيكَ خَمراً … إِذا وُصِفَت تَنَكَّرَتِ النعوتُ
أَخافُ عَلَيكَ مِن دَمِها فَإِنّي … بَذَلتُ لَها الحَياةَ وَما رَويتُ
هَواكَ هَوايَ قَلبُكَ مِثلُ قَلبي … كَما تَهوى عَلى مَضمَضٍ هَويتُ
سَلَكنا مُعضِلَ الدُنيا وَلكِن … شُفيتَ مِنَ الشَقاءِ وَما شُفيتُ
تُرابُ القَبرِ أَسلَمُ مِن فِراشٍ … عَلى جَنبَيهِ ثُعبانٌ وَحوتُ
رَأَيتُكَ تَملَأُ الدُنيا ضِياءً … وَفي عَينَيكَ تَحتَرِقُ الزُيوتُ
وَتَفنى في المَحَبَّةِ وَهيَ بِكرٌ … وَيَسمَنُ حَولَكَ البُغضُ المَقيتُ
وقَلبُ الحُرِّ آفَتُهُ هَواهُ … وَآفَةُ وَحيِهِ الأَدَبُ النَحيتُ
فَفيهِ يُحَقَّرُ الخَزُّ المُوَشّى … وَيُكرَمُ في سِواهُ العَنكَبوتُ
تَكَلَّم يا فِليكسُ فَنَحنُ صَرعى … وَفي أَعماقِنا حُلُمٌ يَموتُ
وَعَلِّم كَيفَ تُكتَسَبُ المَراقي … وَكَيفَ تُشادُ لِلأُمَمِ البُيوتُ
وَكَيفَ صَواعِقُ الأَفكارِ تَهوي … وَكَيفَ يُجَلجِلُ الشَعبُ الصَموتُ
أُفَتِّشُ في سُكوتِكَ عَن بَياني … فَيُخرِسُهُ بِرَوعَتِهِ السُكوتُ
وَأَبحَثُ عَن شُعاعِكَ في سِراجي … وَلي مِن زَيتِكَ العُلوِيِّ قوتُ
سَمِعتُ المِنبَرَ المَحزونَ يَشكو … فَتَتَّضِعُ الأَرائِكُ وَالتُخوتُ
يَقولُ رُزِقتُهُ أَشهى طَعامي … وَلَمّا اِشتَدَّ ساعِدُهُ قَويتُ
أَبَرُّ الوُلدِ بِالآباءِ خُلقاً … وَأَقرَبُهُم إِلَيَّ إِذا زُهيتُ
عَلى عُريي نَما أَمَلاً وَلَمّا … أَظَلَّتني ذِراعاهُ كُسيتُ
يَلُفُّ وَتينُهُ خَشَبي فَيَحيا … وَيَنبُضُ لي بِهِ شَرَفٌ وَصيتُ
وَكُنتُ أَوَدُّ لَو ذَوّيتَ نَوطاً … لَهُ وَإِلى سَريرَتِهِ رَقيتُ
وَنَوطُ البَعضِ تُحرَمُهُ الأَعالي … وَيُمنَحَهُ الزِبانِيَةُ التَحوتُ
سَمِعتُ عَروسَ شِعرِكَ في خَيالي … تَقولُ عَشِقتُهُ حَتّى اِشتَهَيتُ
فَفي عَينَيهِ ذَوبُ السِحرِ يُرغي … وَفي أَهدابِهِ المِسكُ الفَتيتُ
بَذَلتُ لَهُ الخَطايا مِن عُروقي … وَحينَ لَمَستُ مِرشَفَهُ نَقيتُ
وَأَطلَقتُ الرَوِيَّ لَهُ جَواري … قيانٌ في مَزاهِرِها رَبيتُ
سَمِعتُ بِلادَكَ الثَكلى تُنادي … ليَ الغِطريفُ وَالرجُلُ الثَبيتُ
ليَ الأَنوارُ في عَنَتِ اللَيالي … إِذا ما راغَتِ الدُنيا العَنوتُ
ليَ الفُصحى عَلى أَدَبٍ بَليغٍ … وَمِن أَليانِ ثَديَيها سُقيتُ
وَلَيسَ ليَ الضَواري في خُدوري … تَسَرَّتني وَكَالسِلَعِ اِقتُنيتُ
يُقَعقِعُ في مَشافِرِها سَميجٌ … وَأَدرَدُ أَشنَعُ الدَعوى هَريتُ
عَذيري مِن مَماليكٍ مَوالٍ … لَهُم خُطَطٌ وَلَيسَ لَهُم سُموتُ
سَمِعتُ القَبرَ يَنفُثُ مِن دُجاهُ … حَديثاً فيهِ أَشجاني الخُفوتُ
يَقولُ إِلَيَّ يَأتي كُلُّ حَيٍّ … وَيَبقى في تُرابي ما بَقيتُ
يُقيمُ اِثنانِ في دُنيا سُكوني … فَتىً يَفنى وَآخَرُ لا يَموتُ