تَذَكَّرَ في ربوع الضّال عَهْدا … فزاد به وجودُ الذكر وَجْدا
وأضناه الهوى بغرام نجد … فأَصبحَ بالضّنى عظماً وجلدا
وشامت منه أعينه فأورى … وميض البرق في الأحشاء زندا
فمن لجوانح مُلِئَت غراماً … كما ملئت عيون الصَّبّ سهدا
وفي تلك المنازل كا قلبي … فمذ فقد الأحبة راح فقدا
سقى أطلال رامة في غوادٍ … تخدد ثم وجه الأرض خدا
وحيّاها حَياً يحكي دموعي … بها يسقي ها علماً ووهدا
وكيف سلوّ أهل الخفيف ودّي … ولم أسلُ لهم في البين ودّا
تصدّى ظبيُ لعل في تلافي … وأسلبني التصبّر حين صدّا
وظلم منه حرّم رشفِ ظلمٍ … سواه لا يريني الوجد بردا
أعينا مغرم العينين صبّاً … تَعدّته السّهام وما تعدّى
لعمرك ما الهوى إلاّ هوانٌ … ومَن رام الملاح وما تردّى ؟
وكم مولى ً تعرّض للتصابي … فصيّره الهوى بالرغم عبدا
خليليَّ اسلكا فينا حديثاً … لنجفو عنده سلمى وسعدى
وهاتا لي بمحمود مديحاً … وقولاً فيه مدحاً ما تودّا
به الرحمن أودع كلَّ فضلٍ … وفي برد الفضائل قد تردّى
إذا عدّوا أكابر كلّ قومٍ … ولم يعطف على دَنِفٍ كئيب
لقد زرع الجميل بكل قلب … فكلٌّ فاه في علياه حمدا
وحلّ له على الإسلام شكراً … فصار عليهم فرضاً يؤدّى
وَعَمَّ ثناؤه شرقاً وغرباً … وسَيَّر ذكره غوراً ونجدا
ويبسط راحة ً تنهلّ جوداً … أحبّ مكارم الكرماء وفدا
ونوردُ من يديه إذا ظمئنا … فيسقينا بذاك الكفّ شهدا
وندفع في عنايته خطوباً … إذا أضحت لنا خصماً ألدا
متى يممته تجدو نداه … أفادك من كلا البحرين رفدا
فهذا أعلم العلماء طراً … وأكرمُ من أفاد ندى ً وأجدى
وكم من حاسدٍ لعلاه يوماً … فمات بغيظه حسداً وحقدا
وأمَّل مجده فغدا كليلاً … ورام بلوغ همّته فأكدى
أردنا أنْ نعدّ له صفاتٍ … فما اسطعنا لذاك الفضل عدا
وحاولنا نروم له نظيراً … فان بعصرنا في الناس فردا
تقلّد منه هذا الدين شيفاً … وزيّن فيه هذا العصر عقدا
وقلنا كالحسام العضب عزماً … نفاق غراره قطعاً وحدا
وقسنا كفّه بالمزن جوداً … فكان يمينه من ذاك أندى
ويمزج لطفه آنا وقاراً … يذوب فكاهة ويشد وجدا
وصال بمحكم الآيات يوماً … وهدّ عقيدة الأغيار هدا
أبان لأهل إيران بياناً … فحيَّرهم بما أخفى وأبدى
دلائل ما استطاعوا ينكروها … وكيف الحقُ ينكر إذ تبدّى
وبحر ما له جزر ولكن … يكون له مدى الأيام مدا
يجرّد من سيوف الله بيضاً … ويركب من خيول العزم جردا
كفى أهل العراق به افتخاراً … فقد نالوا به عزاً ومجدا
فما ضلّت لعمر أبيك قوم … تروم بعلمه للحق رشدا
… وما أرضى بها إلاّك يفدى
طلبت العلم لا طلباً لمال … فنلت بذاك توفيقاً وسعدا
ولو يعطي الرجال على حجاها … إليك من القليل الأرض تهدى
ولم لا منك تغتاظ الأعادي … وهم جيفٌ وشمّوا منك ندا
فظنوا قاربوك بكلّ شيءٍ … وهيهات التقارب صار بعدا
عليك أبا الثناء يبثّ عبد … مدى أيامه شكراً وحمدا
نعيد باسمك السامي قصيداً … ولا نبغي سوى المرضاة قصدا