رِدي يا خيولَ اللهِ مَنْهَلَكِ العَذْبا … ويا شرقُ عُدْ للغربِ فاقتَحمِ الغَرْبا
ويا شرقُ هَلْ سَرَّ الطواغيتَ أنَّها … فويقَكَ أشلاءٌ مبعثرةٌ إربا
يدٌ جَذَّ يومُ القيروانِ عُروقَها … وظهرٌ على القفقاسِ مستعلِياً جُبَّا
ويا طارقَ الجيلِ الجديدِ تلفُتاً … إلى جبلٍ إجتازه طارقٌ دَرْبا
أثرتَ لنا في غَمرةِ النصرِ خَطْرَةً … من الذكرِ فيها ما نحبُّ وما نأبى
هزَزْنا بها ذِكرى ، وتِهنا بزهوها … بُدوءاً ، ونُحنا من تصوَّرها عُقْبى
لمثلِ الذي تَبْغي من الحقِّ قادَها … إلى الموتِ ، لم تسألْ به السَّهْلَ الصَّعبْا
حَدا من جيوشِ الوحي والنصر ما حدا … وعَبَّا من الإيمانِ بالنصر ما عَبَّا
كنارِ ” ابن عمرانَ ” التي جاءَ قابساً … سناها حريقٌ في سفائنهِ شبَّا
وألواحُها ” الألواحُ ” لولا ” رسالةٌ ” … على ” قُرَشيٍّ ” لم تُرِدْ عينُه الربَّا
تخطَّتْ إلى مَحْميَّةِ الغربِ أُمَّةٌ … حمتْ فأجادت قبلَها عن حِمّى ذَبَّا
تحدَّتْ عُبابَ البحرِ تُزعجُ حُوتَهُ … ومن قبلهِ في البرّ أزعجتِ الضَّبَّا
أولاءِ ” البُداةُ ” الغامطُ النّاسِ حقَّهم … وتلكَ التي منها العربَ العَرْبا
لَتِلكَ قلوبٌ نَنشُدُ اليومَ مِثْلَها … أبى دينُها أنْ تجمعَ اللهَ والرُّعبا
سرَتْ كشُعاعِ النورِ في فَحمةِ الدُّجى … ومثلَ النسيم الرَّخْو في يَبَسٍ هبَّا
وفي ذلَّةٍ عزّا ، وفي ضَلَّةٍ هُدىً … وفي جَنَفٍ عدلاً ، وفي جَدَبٍ خصبْا
وفي عصبيَّاتٍ غِلاظٍ تسامُحاً … وفي مُلْتوٍ مِنْ نهجها منهجاً لحَبا
أطلت على ” مدريدَ ” تُسمِعُ دعوةً … وسارتْ إلى ” باريسَ ” تَسمعُ من لَبَّى
ودبَّتْ مَدَبَّ الروحِ في الكونِ رحمةً … وشدَّتْ لجسمٍ خائرٍ مُتْعَبٍ صُلبا
ومدَّتْ برفقٍ كفَّها فتلَمَّسَت … جراحَ بني الدُّنيا فآستْ لهم نُدْبا
وآوتْ من الأديانِ شتَّى وأطْلَعَتْ … مِن الخطراتِ النيّراتِ بها شُهْبا
وحامَتْ يَراعاً جالَ في جَنَباتِها … وصانَتْ – عليها أو لها – مِقولاً ذَرْبا
وما سَمَلَتْ عيناً ، وما قَطَعَتْ يداً … ولا حجزتْ رأيا ، ولا أحْرَقَتْ كتبا
نظرتُ إلى ما كانَ منها . وما جرى … عليها ، وما يأتي الشقاقُ إذا دَبَّا
وكيفَ أفاءَتْ ما أرادتْ ظِلالَها … وكيفَ اغتدَتْ مستثقلاً ظِلّها ، نُهْى
فقلتُ : وبعضُ القولِ عُتْبى وبعضُه … عتابٌ ، وشرُّ القولِ عتبٌ بلا عُتَبى
أساءَت صنيعاً أُمَّةٌٌ مستكينةٌ … صبورٌ على البلوى إلى أُمَّةٍ غَضْبى
سقى ” تونساً ” ما يدفعُ الخَطْبَ ، إنَّها … بخُضْرَتِها تُكْفَى الذي يدفعُ الجَدْبا
وحَيَّاً القِبابَ البيضَ رَوْحٌ كأهلها … رقيقُ الحواشي يَمسحُ الماءَ والعُشْبا
ورافقَها نورٌ من الوعيِ مُسْفِرٌ … كأنوارِ أسحارٍ ترقرقها سكبا
نَحنُّ لِذكراها ، ونشكو افتقادَها … كما شَكَتِ العينُ التَّي افتقدَتْ هُدْبا
ويا” مونتكُمري ” لو سقى القولُ فاتحاً … سقَتْكَ القوافي صفَوها السلسلَ العذْبا
ولو كانَ ذَوْبُ العاطفاتِ نِثارةً … نَثْرنا لكَ الإعجابَ والشكرَ والحُبَّا
نضتْكَ لدَرْءِ الشرِّ عَضْباً ” صياقلٌ ” … أعَدَّتْ لِلُقْيا كلِّ مستكبرٍ عَضْبا
حلَلْتَ على ” روميلَ ” كَرْباً ، وقبلَها … أحلَّ بأدهى منه ” ولنِكْتِنٌ ” كربا
وأنتَ انتزعتَ النصرَ من يدِ قادرٍ … عليهِ ، ولم ترحَمْ معنّىً به صَبَّا
ودحرجتَهُ عن ” مِصْرَ ” وهوَ مُعرِّسٌ … بأحلامهِ ، يُحصي الخراجَ الذي يُجْبى
وغرَّتْهُ من ريحِ الصحاري قَبُولُها … فكيفَ رآها وهي مُعرِضةٌ نَكْبا
دَحَا أرضَها ، وانصَبَّ كالموتِ فوقَها … ولُحْتَ له مَوتاً على الموتِ مُنصَباً
تركتَ الَّذي رامَ السَّما يلمِسُ الثَّرى … ومنْ كانَ يشكُو بِطنَةً يشتكي السَّغْبا
وبَصَّرْتَهُ لَّما تَصَعَّرَ خدُّهُ … بأنَّكَ أعلْى من أخادِعِهِ كَعْبا
قصَصْتَ جناحَيْه فقَرَّتْ شَذاتُهُ … وعادتْ ” نوازي ” شَرِّه أفرخاً زُغبا
كشفتَ لهُ ضَعْفاً وغطَّيْتَ قُوَّةً … فكنتَ ، ولولا خُدعةٌ لم تكن ، خِبَّا
أرادَ الَّتي من دونِها أنت ، والوغى … وعدلُ القَضا ، تَبّاً لِما رامهُ تَبَّا
سددتَ عليه الرأيَ حتى تركتَه … يَرى من سَدادِ الرأيِ ما عدَّه سبَّا
وحتى رأى ذُلَّ الفِرارِ غنيمةً … وحتى رأى الداءَ الذي يشتكي طِبَّا
وضاقتْ عليه الأرضُ فهوَ مهوِّمٌ … عليها نهَتْهُ أنْ يُريحَ بها جَنْبا
تمنَّى عليهِ ” رَبُّهُ ” مِصْرَ مَنْحةً … وكادَ على ” القطَّارِ ” أنْ يُرضيَ الربَّا
وكادَ على ” القَطَّارِ ” يُرْسِلُ حاصباً … على ” الشرقِ ” لولا أنْ قذفتَ به حَصْبا
تراءى له نَهْباً ، ولمَّا صَدَمْتَهُ … تراءتْ له الأحلامُ صيْحَ بها نَهْبا
ومدَّتْ لهُ الأطماعُ في نَزواتهِ … إلى أنْ غَدَتْ كَلاً على نَفْسْهِ حَرْبا
وداعَبَتِ ” الاسكندريَّةُ ” عينَهُ … وخادَعَ منه ” النيلُ ” في طميْهِ اللُبَّا
ولاحَ له ” الاسكندرُ ” الصِّدْقُ فانثنتْ … تُزَيَّفُ منه النفسُ إسكندراً كذِِبْا
ومَنَّى بيَنْبوعِ الفراتِ حصانَهُ … وعلَّل ” بالزّابَيْنِ ” عسكرَهُ اللّجبْا
فيا لَكَ زَوراً ذادَ عن عينهٍ الكَرى … وشَرَّدَ عنْ أجفانهِ حُلُماً رَطْبا
فلمْ يَرَ إلاَّ مَغرِزَ الرَّجْلِ يَقْظَةً … وكانَ يناغي حالِماً عالَماً رَحْبا
من ” العَلَمَيْن ” استَقْتَهُ محكَمَ القُوى … وفي ” تونسٍ ” أدركتَهُ رازحاً لَغْبا
نثرتَ لهُ شُمَّ المتالعِ والقُرى … كما نَثَرَ الصيَّادُ للطَّائرِ الحَبَّا
وأغريتَهُ بالقرب حتَّى إذا دَنَا … إليكَ رأى منكَ الَّذي بَغَّضَ القُرْبا
عنودٌ ، تأبَّى الوَثْبَ في نكَساتهِ … من الكِبْرِ ، لولا أنْ تُطاردَهُ وَثَبْا
ولو غيرُ ” رُوَميلٍ ” لقُلْنا كغيرِها … سُقاةُ الرَّدى عاطَتْ بأكؤسُها شَرْبا
ولكنَّه نَدْمانُ موتٍ إذا سَقى … ألحَّ وعاطى مَنْ ينادمُهُ عَبَّا
وقد خَبَّأ السَمَّ الزُّعافَ فَبزَّهُ … خبيرٌ بما أبدى ، بصيرٌ بما خَبَّا
ولمَّا التقى الجمعانِ غُلْبٌ أشاوسٌ … دَهَتْ مثلَها شُوْساً مُدَجَّجةً غُلْبا
وحُم الحديدُ الضخمُ ، والصبرُ ، والحجى … كِلا المعدِنين استَنجدا معدِناً صُلبْا
مشى الحقُّ في الصفَّينِ يدمَغُ باطلاً … ويغمُرُ بالريحان أوفاهما كَسْبا
تَفادى بـ ” أرنيمٍ ” وفَرَّ بنفسه … وأبقى لك الأهلَ الأعزَّةَ والصَّحبا
وأهداكَهم أسرى وقتلى كأنه … بهم يستميحُ العفوَ ممَّا جنى ذَنْبا
تَلَظَّى بهمْ بالنارِ بَرٌّ ، وقاءهُمْ … خِضمٌّ ، وراحَ الجوُّ يُمطرهم عَطْبا
كأنَّكَ إذ تُحصي رُكاماً حُطامَهُ … تُصَحِّحُ أغلاطاً فتوسِعُها شَطْبا
فمن يَرَ في الصحراءِ نَثْراً قبورَهُمْ … يخَلْها من الأجداثِ مجنونةً رُعْبا
ومن يُبصرِ الأسرى يُقادونَ هُطَّعاً … يَجِدْ حادياً يحدو إلى سَقَرٍ رَكْبا
وخَلَّى لكَ ” الطليانَ ” يحتَكُّ بعضُها … ببعضٍ كما تحتَكُّ منَجَربٍ جَرْبا
أتى بهمُ إلْباً عليكَ سَفاهةً … فكانوا عليهِ في تَغَنُّجِهِمْ إلبا
أرادَ لخوْضِ الموتِ أغراسَ نِعمةٍ … غذاها وليُّ الأمرِ فاكهةً أبَّا
حَسِبْنَ لاِزعاجِ ابنِ آوى بنادقِاً … وخلْنَ لمِضمار الهَوى شُزَّباً قُبَّا
وضاعَفْنَ نسجاً من حريرٍ ولأمةً … وجرْنَ بيضَ الهندِ والوشيَ والعَصْبا
ورُحْنَ كأسراب القطا نُعَّمَ الخُطَى … وقىَ اللهُ من شَرٍّ يرادُ به السِّرْبا
وجازى بشَرٍّ من أرادَ بجَورْهِ … وجُوهَ الحسان الغيدِ أن تْلمِس الترْبا
وأن تهبِطَ الوديانَ ليلاً لريبةٍ … وأن ترتقي صُبحاً على عَجَلٍ هُضْبا
وأن تَشْهَدَ الأشلاء تنقضُّ حولَها … وفي دَمِها الفرسانُ مخضوبةً خَضْبا
ولم ترتِكبْ إثماً سوى أنَّها دُمًى … ولم تأتِ – إلَّا أنَّها عورة – ذَنْبا
فلو كنتَ يومَ النَّقْعِ شاهِدَ أمرِها … وقد خَبَّأتْ تِرْبٌ بأثوابها تِرْبا
وسدَّتْ ثقوبَ الأرضِ مُحجرةً بها … فما غادرَتْ مأوىً لضبٍ ولا ثقبا
دعوتَ على مَنْ شَقَّ عنها حجابَها … وأقحَمَها ما ليسَ من شأنِها غْصبا
إذن لسألتَ اللهَ فَّلاً لغَربِه … جزاءً على ما فلَّ من سترِها غَرْبا
فرِفْقاً باشباهِ القواريرِ صُدِّعَتْ … وما اسْطعتمُ فاسَتدركوا صدعها رأبا
فيالكِ بُشرى ما أرقَّ وما أصفَى … أغاثَتْ نفوساً ما أحنَّ وما أصبي
ويا حُلفاءَ اليومِ والأمسِ إنَّنا … لكُمْ – ما اردتُم – في مودَتِنا قُرْبى
أريدوا بنا خيراً نَعِدْكُمْ بمثِلهِ … وكونوا لنا حِزْباً ، نَكُنْ لكُمُ حِزبا
وظَنُّوا بنا خَيراً فَفينا كَوامِنٌ … من الخير إنْ تُبعث تَزدْكمْ بنا عُجْبا
ولا تذكروا عَتْباً فانَّ مُوطّداً … من الودِ زِدْنا فيه ما يرفعُ العتبا
وإلا فكيلوه عتاباً بمثله … لنا . وكلانا مُعْتِبٌ بَعْدُ من أرْبى
ولا تَخْلِطوا شَغباً عليكم مُبغَّضا … إلينا وحقاً لا نريدُ به شغْبا
وآخوا بنا شعباً وهانَتْ أُخوَّةٌ … إذا كنتَ تَلقى عندها الفردَ لا الشَعبا