تولَّى الصِّبا عَنِّى ، فكيفَ أعيدهُ … وقَدْ سارَ فى وادى الفَناءِ بريدهُ ؟
أُحاولُ منهُ رجعة ً بعدَ ما مضى … وذَلِكَ رَأْيٌ غَابَ عَنِّي سَدِيدُهُ
فَمَا كُلُّ جَفْرٍ غاضَ يَرْتَدُّ نَبْعُهُ … ولا كلُّ ساقٍ جفَّ يخضَرُّ عودهُ
فإن أكُ فارقتُ الشَّبابَ فقبلهُ … بكيتُ رضاعاً بانَ عنِّى حميدهُ
وأى ُّ شبابٍ لا يزولُ نعيمهُ ؟ … وسِربالِ عيشٍ ليسَ يبلى جديدهُ ؟
فلا غروَ إن شابت منَ الحزنِ لِمَّتى … فإنِّى فى دهرٍ يشيبُ وليدهُ
يهدِّمُ من أجسادنا ما يشيدهُ … وَيَنْقُصُ مِنْ أَنْفَاسِنَا مَا يَزِيدُهُ
أَرَى كُلَّ شَيْءٍ لا يَدُومُ، فَمَا الَّذِي … ينالُ امرؤٌ من حبِّ ما لا يفيدهُ ؟
وَلَكِنَّ نَفْساً رُبَّمَا اهْتَاجَ شَوْقُهَا … فَحَنَّتْ، وقَلْباً رُبَّمَا اعْتَادَ عِيدُهُ
فَوَا حَسْرَتَا كَمْ زَفْرَة ٍ إِثْرَ لَوْعَة ٍ … إِذَا عَصَفَتْ بِالقَلْبِ كادَتْ تُبِيدُهُ
أَحِنُّ إِلَى وادِي النَّقَا، ويَسُرُّنِي … عَلَى بُعْدِهِ أَنْ تَسْتَهِلَّ سُعُودُهُ
وأصدقُهُ وِدَّى ، وإن كنتُ عالماً … بأنَّ النقا لم يَدنُ منِّى بعيدهُ
معانُ هوى ً تجرى بدمعى وِهادهُ … وتُشرقُ من نيرانِ قلبى نُجودُهُ
تَضِنُّ بِإِهْداءِ السَّلامِ ظِباؤُهُ … وتُكْرِمُ مَثْوَى الطَّارِقِينَ أُسُودُهُ
تساهمَ فيهِ البأسُ والحسنُ ، فاستوتْ … ضراغمهُ عندِ اللِّقاءِ وغِيدهُ
تلاقَت بهِ أسيافهُ ولِحاظه … ومالت بهِ أَرماحهُ وقُدودهُ
فَكَمْ مِنْ صَرِيعٍ لا تُدَاوَى جِرَاحُهُ … وكم مِن أسيرٍ لاتحلُّ قيودهُ
وفى الحى ِّ ظبى ٌ إن ترنَّمتُ باسمهِ … تَنَمَّرَ وَاشِيهِ، وهَاجَ حَسُودُهُ
تَهيمُ بهِ أستارهُ وخدورهُ … وتَعْشَقُهُ أَقْرَاطُهُ وعُقُودُهُ
تَأَنَّقَ فِيه الحُسْنُ فامْتَدَّ فَرْعُهُ … إِلَى قَدَمَيْهِ واسْتَدارَتْ نُهُودُهُ
فَلِلْمِسْكِ رَيَّاهُ، ولِلْبَانِ قَدُّهُ … ولِلْوَرْدِ خَدَّاهُ، وللظَّبْيِ جِيدُهُ
فَإِيَّاكَ أَنْ تَغْتَرَّ يَا صَاحِ بِالْهَوَى … فإنَّ الرَّدى حِلفُ الهوى وعَقيدهُ
ومَا أَنَا مِمَّنْ يَرْهَبُ الْمَوْتَ إِنْ سَطَا … إذا لم تكُن نُجلَ العيونِ شهودُهُ
أفُلُّ أنابيبَ القنا ، ويفلنى … قَوَامٌ تَنَدَّتْ بالْعَبِيرِ بُرُودُهُ
فإن أنا سالَمتُ الهوى َ فلَطالما … شهِدتُ الوغى َ والطَّعنُ يَذكو وَقودهُ
وتَحْتَ جَنَاحِ الدِّرْعِ مِنِّي ابْنُ فَتْكَة ٍ … مُعَودة ٌ ألاَّ تُحَطَّ لُبودهُ
إذا حرَّكتهُ هِمَّة ٌ نحوَ غاية ٍ … تَسَامَى إِلَيْهَا في رَعِيلٍ يَقُودُهُ
ومُعْتَرَكٍ لِلْخَيْلِ في جَنَبَاتِهِ … صَهِيْلٌ يَهُدُّ الرَّاسِيَاتِ وَئِيدُهُ
بعيدِ سماءِ النَّقعِ ، ينقضُّ نسرهُ … على جُثَثِ القتلى ، وينغلُّ سيده
تَرفُّ على هامِ الكماة ِ سُيوفهُ … وتَخفقُ بينَ الجحفَلينِ بنودهُ
إِذَا اشْتَجَرَتْ فِيهِ الرِّماحُ تَراجَعَتْ … سَوَافِرَ عَنْ نَصْرٍ يُضِيءُ عَمُودُهُ
تَقَحَّمْتُهُ والرُّمْحُ صَدْيَانُ يَنْتَحِي … نِطافَ الكُلى ، والموتُ يمضِى وَعيدهُ
فَمَا كُنْتُ إِلاَّ الْغَيْثَ طَارَتْ بُروقُهُ … وما كُنْتُ إِلاَّ الرَّعْدَ دَوَّى هَدِيدُهُ
أَنَا الرَّجُلُ الْمَشْفُوعُ بِالفِعْلِ قَوْلُهُ … إِذا ما عَقِيدُ الْقَوْمِ رَثَّتْ عُقُودُهُ
تعوَّدتُ صِدقَ القولِ حتَّى لو أنَّنى … تَكَلَّفْتُ قَوْلاً غَيْرَهُ لا أُجِيدُهُ
أُضاحِكُ وَجْهَ الْمَرْءِ يَغْشَاهُ بشْرُهُ … وأَعْلَمُ أَنَّ الْقَلْبَ تَغْلِي حُقُودُهُ
ومَنْ لمْ يدارِ النَّاسَ عاداهُ صحبهُ … وأَنْكرهُ منْ قومهِ مَنْ يسودُهُ
فَمَنْ لِي بِخِلٍّ أَسْتَعِينُ بِقُرْبِهِ … على أملٍ لم يبقَ إلاَّ شريدهُ
أُحاولُ وِدّاً لا يُشان بِغدرة ٍ … ودُونَ الَّذِي أَرْجُوهُ مَا لاَ أُرِيدُهُ
سَمِعْتُ قَدِيماً بِالْوَفَاءِ فَلَيْتَنِي … عَلِمْتُ عَلَى الأَيَّامِ أَيْنَ وُجُودُهُ
فإن أنا لمْ أملِكْ صَديقاً فإنَّنى … لِنفسى صديقٌ لا تخيسُ عهودهُ
وَحَسْبُ الْفَتَى مِنْ رَأْيِهِ خَيْرُ صَاحِبٍ … يُوازِرُهُ في كُلِّ خَطْبٍ يَئُودُهُ
إذا لمْ يكُن للمرءِ مِنْ بدَهاتهِ … نَصيرٌ، فأخلَق أَنْ تَخيبَ جدودهُ
وإنِّى وإن أصبَحتُ فرداً فإنَّنى … بنَفسى ِ عشيرٌ ليسَ ينجو طريدهُ
وَلِي مِن بَدِيعِ الشِّعْرِ ما لَوْ تَلَوْتُهُ … على جبلٍ لانهالَ فى الدَوِّ رِيدهُ
إِذَا اشْتَدَّ أَوْرَى زَنْدَة َ الْحَرْبِ لَفْظُهُ … وَإِنْ رَقَّ أَزْرَى بِالْعُقُودِ فَرِيدُهُ
يقطِّعُ أنفاسَ الرِّياحِ إذا سرى … ويسبقُ شأوَ النَّيِّرينِ قَصيدهُ
إِذَا ما تَلاهُ مُنْشِدٌ في مَقَامَة ٍ … كَفَى الْقَوْمَ تَرْجِيعَ الْغِناءِ نَشِيدُهُ
سيبقى بهِ ذكرى علَى الدَّهرِ خالداً … وذِكْرُ الفَتَى بَعْدَ الْمَمَاتِ خُلُودُهُ