تَلاهَيْتُ إِلاَّ ما يُجِنُّ ضَمِيرُ … وَدَارَيْتُ إِلاَّ مَا يَنِمُّ زَفِيرُ
وَهَلْ يَسْتَطِيعُ الْمَرْءُ كِتْمَانَ أَمْرِهِ … وفى الصَّدرِ مِنهُ بارِحٌ وسَعيرُ ؟
فيا قاتلَ اللهُ الهوى ، ما أشدَّهُ … عَلى الْمَرْءِ إِذْ يَخْلُو بهِ فَيُغِيرُ
تَلينُ إليهِ النَّفسُ وَهى َ أبيَّة ٌ … وَيَجْزَعُ مِنْهُ الْقَلْب وَهْوَ صَبُورُ
نَبَذْتُ لَهُ رُمْحي، وَأَغْمَدْتُ صَارِمِي … وَنَهْنَهْتُ مُهْرِي، والْمُرادُ غَزِيرُ
وَأَصْبَحْتُ مَفْلُولَ الْمَخَالِبِ بَعْدَمَا … سَطوتُ وَلى فى الخافِقينِ زَئيرُ
فَيا لَسراة ِ القومِ دَعوة ُ عائذٍ … أَمَا مِنْ سَمِيعٍ فِيكُمُ فَيُجِيرُ؟
لَطَالَ عَليَّ اللَّيْلُ حَتَى مَلِلْتُهُ … وعَهدِى بهِ فيما عَلِمتُ قصيرُ
أَلا، فَرَعَى اللَّهُ الصِّبَا، مَا أَبَرَّهُ … وحيَّا شَباباً مَرَّ وَهوَ نَضيرُ
إِذِ الْعَيْشُ أَفْوَافٌ، تَرِفُّ ظِلالُهُ … عَلينا ، وسَلسالُ الوَفاءِ نَميرُ
وَإِذْ نَحْنُ فيما بَيْنَ إِخْوَانِ لَذَّة ٍ … عَلى شِيَمٍ مَا إِنْ بِهِنَّ نَكِيرُ
تَدُورُ عَلَيْنَا الْكَأْسُ بَيْنَ مَلاعِبٍ … بِها اللَّهْوُ خِدْنٌ، وَالشَّبَابُ سَمِيرُ
فَأَلْحَاظُنَا بَيْنَ النُّفُوسِ رَسَائلٌ … وريحانُنا بينَ الكئوسِ سَفيرُ
عَقدنا جناحَى ليلِنا بنهارِنا … وطِرنا معَ اللذَّات حيثُ تَطيرُ
وقُلنا لِساقينا أدِرها، فإنَّما … بَقاءُ الفتى بَعدَ الشَبابِ يَسيرُ
فَطافَ بِها شَمسيَّة ً لَهبيَّة ً … لَهَا عِنْدَ أَلْبَابِ الرِّجالِ ثُئُورُ
إذا ما شَرِبناها أقمنا مَكاننا … وَظَلَّتْ بِنَا الأَرْضُ الْفَضَاءُ تَدُورُ
وَكَمْ لَيْلَة ٍ أَفْنَيْتُ عُمْرَ ظَلاَمِها … إِلى أَنْ بَدَا للِصُّبْحِ فيهِ قَتِيرُ
شَغَلْتُ بِها قَلْبِي، وَمَتَّعْتُ نَاظِرِي … ونَعَّمتُ سَمعى والبَنانُ طَهورُ
صَنَعتُ بِها صُنعَ الكَريمِ بِأهلهِ … وجِيرتهِ ، والغادِرونَ كثيرُ
فَمَا رَاعَنَا إِلاَّ حَفِيفُ حَمَائِمٍ … لَها بينَ أطرافِ الغُصونِ هَديرُ
تُجَاوِبُ أَتْرَاباً لَهَا فِي خَمَائِلٍ … لَهُنَّ بِها بَعدَ الحَنينِ صَفيرُ
نَوَاعِمُ لا يَعْرِفْنَ بُؤْسَ مَعِيشَة ٍ … ولا دائراتِ الدَهرِ كَيفَ تَدورُ
تَوَسَّدُ هَامَاتٌ لَهُنَّ وَسَائِداً … مِنَ الرِّيشِ فِيهِ طَائِلٌ وَشَكِيرُ
كَأنَّ على أعطافِها مِن حَبيكِها … تَمائمَ لَم تُعقَد لَهُنَّ سُيورُ
خَوَارِجُ مِنْ أَيْكٍ، دَواخِلُ غَيْرِهِ … زَهاهنَّ ظِلٌّ سَابِغٌ وغَديرُ
إذا غازَلَتها الشَمسُ رفَّت ، كأنَّما … على صَفحتيها سُندسٌ وَحريرُ
فلمَّا رَأيتُ الصُبحَ قَد رفَّ جِيدهُ … وَلَمْ يَبْقَ مِنْ نَسْجِ الظَلامِ سُتُورُ
خَرَجْتُ أَجُرُّ الذَّيْلَ تِيهاً، وَإِنَّمَا … يَتِيهُ الْفَتَى إِنْ عَفَّ وَهْوَ قَدِيرُ
وَلِي شِيمَة ٌ تَأْبَى الدَّنَايَا، وَعَزْمَة ٌ … تَرُدُّ لُهامَ الجيشِ وَهوَ يَمورُ
إِذَا سِرْتُ فَالأَرْضُ الَّتِي نَحْنُ فَوْقَهَا … مَرادٌ لِمُهرِى ، والمَعاقِلُ دُورُ
فَلا عَجبٌ إن لَم يَصُرنى مَنزِلٌ … فَليسَ لِعِقبانِ الهَواءِ وُكورُ
هَمامَة ُ نَفسٍ ليسَ يَنقى رِكابَها … رَواحٌ عَلى طُولِ المَدى وبُكورُ
مُعَوَّدة ٌ ألاَّ تَكفَّ عِنانَها … عَنِ الجِدِّ إلاَّ أن تَتِمَّ أُمورُ
لَها منْ وَراءِ الغَيبِ أُذنٌ سَميعَة ٌ … وعَينٌ تَرى ما لا يراهُ بَصيرُ
وَفيتُ بِما ظَنَّ الكِرامُ فِراسة ً … بِأَمْرِي، وَمِثْلِي بِالْوَفَاءِ جَدِيرُ
وَأَصْبَحْتُ مَحْسُودَ الْجَلالِ، كَأَنَّنِي … عَلى كُلِّ نَفسٍ فى الزَمانِ أَميرُ
إذا صُلتُ كَفَّ الدَهرُ مِن غُلَوَائهِ … وإِن قُلتُ غَصَّت بِالقلوبِ صُدورُ
مَلَكْتُ مَقَالِيدَ الْكَلاَمِ، وَحِكْمَة ً … لَهَا كَوْكَبٌ فَخْمُ الضِّيَاءِ مُنِيرُ
فَلَوْ كُنْتُ فِي عَصْرِ الْكَلامِ الَّذِي انْقَضَى … لَبَاءَ بِفَضْلِي «جَرْوَلٌ» و«جَرِيرُ»
وَلَو كُنتُ أَدرَكتُ ” النُواسِى َّ ” لم يَقُل … أَجَارَة َ بَيْتَيْنَا أَبُوكِ غَيُورُ
وَمَا ضَرَّنِي أَنِّي تَأَخَّرْتُ عَنْهُمُ … وفَضلِى َ بينَ العالمينَ شَهيرُ
فَيَا رُبَّما أَخْلَى مِنَ السَّبقِ أَوَّلٌ … وبَذ الجيادَ السَابِقاتِ أَخيرُ