تاجَ البلادِ، تحية ٌ وسلامُ … رَدّتك مصرُ، وصحَّت الأَحلامُ
العلمُ والملك الرفيعُ، كلاهما … لك يافؤادُ جلالة ٌ ومقام
فكأَنك المأْمونُ في سُلطانه: … في ظلِّك الأَعلامُ، والأَقلامُ
أَهدَى إليك الغربُ من أَلقابه … في العلمِ ما تسمو له الأَعلام
من كلِّ مملكة ٍ، وكلِّ جماعة ٍ … يسعى لك التقديرُ والإعظام
ما هذه الغرفُ الزواهرُ كالضحى … الشامخاتُ كأَنها الأَعلامُ؟
من كلِّ مرفوعِ العمودِ منَوِّرٍ … كالصبحِ مُنْصَدِعٌ به الإظلام
تتحطَّم الأُمِّيَّة ُ الكبرى على … عَرَصاتِه، وتمزَّقُ الأَوهام
هذا البناءُ الفاطِميُّ مَنارة ٌ … وقواعدٌ لحضارة ٍ ودعام
مهدٌ تهيَّأَ للوليدِ، وأيكة ٌ … سيرنُّ فيها بلبلٌ وحمام
شرفاته نورُ السبيلِ، وركنه … للعبقرية ِ منزلٌّ ومقام
وملاعبٌ تجري الحظوظ مع الصِّبا … في ظلهنَّ، وتوهبُ الأقسام
يمشي بها الفتيانُ، هذا ما له … نفس تسوِّدهُ، وذاك عصامُ
ألقى أواسيهُ، وطال بركنهِ … نَفْسٌ من الصِّيدِ الملوكِ كُرام
من آلِ إسماعيلَ، ولا العمَّاتُ قد … قصَّرن عن كرم، ولا الأعمام
لم يُعْطَ هِمَّتَهم، ولا إحسانَهم … بان على وادي الملوك هُمام
وبنى فؤادٌ حائطَيْه، يُعِينُه … شعبٌ عن الغاياتِ ليس يَنام
أنظر أبا الفاروقِ غرسكَ، هل دنتْ … ثمراتهُ، وبدت له أعلامُ؟
وهلى انثنى الوادي وفي فمه الجَنَى … وأتى العراقُ مشاطراً والشام؟
في كلِّ عاصمة ٍ وكلِّ مدينة ٍ … شبانُ مصرَ على المناهل حاموا
كم نستعيرُ الآخرِين وَنَجْتَدِي … هيهات ما للعارِيات دَوام
اليومَ يَرْعَى في خمائلِ أَرضِهم … نشأٌ إلى داعي الرحيلِ قيام
حبٌّ غرستَ براحتيكَ، ولم يزلْ … يَسقيه من كِلتا يديك غَمام
حتى أنافَ على قوائمِ سوقهِ … ثمراً تنوءُ وراءه الأكمام
فقريبه للحاضرين وليمة ٌ … وبعيده للغابرين طعام
عِظة ٌ لفاروقٍ وصالحِ جِيلهِ … فيما ينيلُ الصبرُ والإقدام
ونموذجٌ تحذو عليه، ولم يزلْ … بسراتهمْ يتشبَّهُ الأقوام
شيَّدت صرحاً للذخائرِ عالياً … يأوي الجمالُ إليه والإلهام
رَفٌّ عُيونُ الكُتْبِ فيه طوائفٌ … وجلائلُ الأسفارِ فيه ركام
إسكندرية ٌ، عاد كنزكِ سالماً … حتى كأنْ لم يلتهمه ضرامُ
لمَّتهُ من لهبِ الحريق أنامٌ … بَرْدٌ على ما لامَسَتْ، وسَلام
وأَسَتْ جِراحَتَك القديمة راحة ٌ … جُرْحُ الزمانِ بعُرْفِها يَلتام
تَهَبُ الطريفَ من الفَخارِ، وربّما … بَعَثَتْ تَليدَ المجدِ وهْوَ رِمام
أرأيتَ ركنَ العلم كيف يقامُ؟ … أرأيتَ الاستقلالَ كيف يرام؟
العلمُ في سبلِ الحضارة ِ والعلا … حادٍ لكلِّ جماعة ٍ، وزمام
باني الممالكِ حينَ تنشدُ بانياً … ومثابة ُ الأوطانِ حينَ تضام
قامت رُبوعُ العلم في الوادي، فهل … للعبقرية ِ والنبوغِ قيام؟
فهما الحياة ُ، وكلُّ دورِ ثقافة ٍ … أَو دُورِ تعليمٍ هي الأَجسام
ما العلمُ ما لم يَصْنعاه حقيقة ٌ … للطالبين، ولا البيانُ كلام
يا مهرجانَ العلمِ، حولك فرحة ٌ … وعليك من آمالِ مصرَ زحام
ما أَشبهتْكَ مواسمُ الوادي، ولا … أعياده في الدهر، وهي عظام
إلا نهاراً في بشاشة صُبحِه … قعد البناة ، وقامت الأهرام
وأَطال خوفو من مواكبِ عِزِّه … فاهتزَّت الرَّبَواتُ، والآكام
يومي بتاجٍ في الحضارة معرقٍ … تعْنُو الجِباهُ لعِزِّه، والهام
تاجٌ تنقَّلَ في العصورِ معظَّماً … وتأَلفتْ دُوَلٌ عليه جِسام
لما اضطلعتَ به مَشَى فيه الهدى … ومراشدُ الدستورِ، والإسلام
سبقتْ مواكبك الربيعَ وحسنه … فالنيلُ زهوٌ، والضفافُ وسام
الجيزة ُ الفيحاءُ هزَّت منكباً … سبغ النوالُ عليه والإنعام
لبست زخارفها، ومسَّتْ طيبها … وتردّدتْ في أَيْكها الأَنغامُ
قد زدتها هرماً يحجُّ فناؤه … ويُشدُّ للدنيا إليه حِزام
تقفُ القرونُ غداً على درجاتِه … تُمْلِي الثناءَ، وتكتبُ الأَيام
أَعوامُ جهدٍ في الشبابِ، وراءَها … من جهد خيرِ كهولة ٍ أعوام
بلغَ البناءُ على يديك تمامهُ … ولكل ما تبني يداك تمام