بَدَتْ عَقِداتُ الرَّمْلِ وَالجَرَعُ العُفَرُ … فمسنا كما يعتنُّ في المرحِ المهرُ
وَدُسْنا بِأَخفافِ المَطِيَّ بِها ثَرى ً … يَنُمُّ على مَسْرى الغَواني بِهِ العِطْرُ
كأَنَّ ديارَ الحيِّ في جنباتها … صَحائفُ ، وَالرَّكْبَ الوُقوفَ بِها سَطْرُ
تَزيدُ عَلى الإقْواءِ حُسْناً كَأَنَّهُمْ … حُلولٌ بِها ، والدَّارُ مِنْ أَهْلِها قَفْرُ
مَحا آيَها صَرْفُ اللَّيالي وَقَلَّما … يُرَجَّى لَما تَطْويهِ أَيدي البِلى نَشْرُ
بما قد ترى مخضرَّة ً عرصاتها … يُجِيب صَهيلَ الأَعْوَجِي بِها الهَدْرُ
ويأوي إليها من لؤيِّ بن غالبٍ … إذا شبَّتِ الهيجاءُ ذو لجبٍ مجرُ
وَكُلُّ فَتًى يَرْدِي بِهِ الطَّرْفُ في الوَغى … مشيحاً كما أوفى على المرقبِ الصَّقرُ
وَأَرْوَعُ وافي اللُّبِّ والسِّلْمِ جامِعٌ … وَفي الحَرْبِ إِنْ حَكَّتْ بِهِ بَرْكَها غَمْرُ
وكم في هوادي سر بهم من مهفهفٍ … إذا خطرَ استعدى على الكفلِ الخصرُ
يَمِيسُ اهْتِزازَ الخُوطِ غازَلَهُ الصَّبا … وينظرُ عن نجلاءَ أضعفها الفترُ
وَمِنْ رَشَأٍ يَثْني عَلَيَّ وِشاحَهُ … بِما حَدَّثَتْهُ عَنْهُ مِنْ عِفَّتي أُزْرُ
لَهُ ريقَة ٌ ماذُقْتُها غَيرَأَنَّني … أظنُّ، وظنِّي صادقٌ أنّها خمرُ
وَوَجْهٌ يَرُدُّ اللَّيلَ صُبْحاً بِهِ السَّنا … وفرعٌ يريكَ الصُّبحَ ليلاً به الشَّعرُ
وجيدٌ كما يعطو إلى البانِ شادنٌ … تفيءُ عليه الظِّلَّ أفنانهُ الخضرُ
وَعَينٌ كَما تَرْنو المَهاة ُ إِلى طَلاً … إذا غابَ عنها اغتالَ خطوتهُ الذُّعرُ
أقولُ لهُ واللَّيلُ واهٍ عقودهُ … كأنَّ توالي شهبهِ اللُّؤلؤُ النَّثرُ:
أتَهْجُرُ مَن غادَرْتَ بَيْنَ ضُلوعِهِ … جوى ً يتلظّى مثلما يقدُ الجمرُ
وَتُلْزِمُهُ أَنْ يَكْتُمَ السِّرَّ بَعْدَما … أطيعَ له الواشي، فسرُّ الهوى جهرُ
وتزعمُ أنّ الهجرَ لا يعقبُ الرَّدى … وَهَل حادِثٌ يَخْشى إِذا أُمِنَ الهَجْرُ
وَقَفْنا بِمُسْتَنِّ الوَداعِ وَراعَنا … بحزوى غرابُ البينِ، لا ضمَّهُ وكرُ
وألَّفَ ما بينَ التَّبسُّمِ والبُكا … سلوٌّ ووجدٌ عيلَ بينهما الصَّبرُ
فواللهِ ما أدري أثغركِ أدمعي … غداة َ تفرَّقنا أمِ الأدمعُ الثَّغرُ
تَبَرَّمَتِ الأجْفانُ بَعْدَكِ بِالكَرى … فَلا تَلْتَقي أوْ نَلْتَقي ، وَلَها العُذْرُ
تغيبُ فلا يحلى بعينيَ منظرٌ … وَيَكْثُرُ مِنِّي نَحْوَهُ النَّظَرُ الشَّزْرُ
ويلفظُ سمعي منطقاً لم تفه بهِ … على أنَّهُ كالسِّحرِ، لا بل هو السِّحرُ
فَفيه وما كُلُّ الكَلامِ بِمُشْتَهى … سوى مَدْحِ فَخْرِ الدِّينِ عَنْ مِثْلِهِ وَقْرُ
خطا فوقَ أعناق الأعادي إلى علاً … لها بينَ أطرافِ القنا مسلكٌ وعرُ
بِماضي الشَّبا، رَطْبِ الغِرارَيْنِ لَمْ يَزَل … يُراعُ بِهِ صِيدُ الكُماة ِ أَوِ الجزْرُ
ومرتعدِ الأنبوبِ يروي سنانهُ … دمٌ مائرٌ، والدُّهمُ من نضحهِ شقرُ
لهُ طعناتٌ إن سبرنَ تخاوصتْ … إلى من يداويهنَّ أعينها الخزرُ
إذا ما دعا لبَّاهُ كلُّ سميدعٍ … تُعَلُّ بِكَفَّيْهِ الرُّدَيْنِيَّة ُ السُّمْرُ
يظلُّ وفي ظهرِ الحصانِ مقيلهُ … ويمسي وبطنُ المضرحي لهُ قبرُ
مِنَ المَزْيَدِيّينَ الذّينَ نَداهُمُ … لمستمطريهِ لا بكيٌّ ولا نزرُ
أَكُفٌ سِباطٌ تُمْتَرى نَفَحاتُها … إذا لم يكن في درِّ جاذبة ٍ غزرُ
وخيرٌ من المالِ الثَّناءُ لماجدٍ … يراقبُ أعقابَ الأحاديثِ، والذِّكرُ
وَلِلجارِ فيهُمْ ذِمَّة ٌ لَم يُهِبْ بِها … وقد أطفأَ المثرونَ نارَ القرى غدرُ
يحلُّ يفاعاً يخزرُ النَّجمُ دونهُ … وَيَعْتَنِقُ الجَوْزاءَ في ظِلِّهِ الغَفْرُ
أَذَلُّوا بِسَيفِ الدَّولَة ِ ابنِ بَهائها … رِقاباً فَأَرْخَى مِنْ عَلابِيِّها القَسْرُ
أغرُّ إذا ما النِّكسُ أرتجَ بابهُ … فما دونَ ناديهِ حجابٌ ولا سترٌ
وإن شامَ من ألوى به المحلُ برقه … تيقَّنَ أنَّ العسرَ يتبعهُ اليسرُ
تُبيدُ يَداهُ ما يُفيدُ بِبَأْسِهِ … فَلَيسَ سِوى الذِّكْرِ الجَميلِ لَهُ ذُخْرُ
عليه رداءُ لم يشن صنفاتهِ … أثامٌ وَلَمْ يَعْلَقْ بأَذْيالِهِ وِزْرُ
إذا القُبَّة ُ الوَقْصاءُ مالَ عَمودُهَا … وَقَصَّرَ مِنْ أطْنابِها نُوَبٌ تَعْرو
ولم يسرِ مرقوعُ الأظلِّ على الوجى … رَذِيّ مَطايا حَطَّ أكْوارَها السَّفْرُ
رجا البدوُ منهُ ما يرجَّى من الحيا … وأَمَّلَهُ تَأْميلَ وابِلِهِ الحَضْرُ
لَهُ نِعَمٌ تَنْمِي على الشُّكْرِ في الوَرَى … وإنْ جَحَدوها لَمْ يَحُلْ دونَها الكُفْرُ
هو العُرْفُ، إنْ يُشْكَرْ يُضاعَفْ، وإنْ يُثَبْ … يتابع، وإن يكفر ففي بذلهِ الأجرُ
وحربٍ عوانٍ لم يخض غمراتها … سوى أسديٍّ همُّهُ الفتكة ُ البكرُ
إذا وردتها البيضُ يلهثنَ من صدى ً … رجعنَ رواءٍ وهيَ قانية ٌ حمرُ
يَئنُّ لها الأَبطالُ مِنْ حَذَرِ الرَّدى … أنِينَ هَوامِي العِيسِ أضْجَرَها العِشْرُ
وَيَزْأرُ في حافاتِها كُلُّ ضَيْغَمٍ … إذا كَلَّ فيها نابُهُ خَدَشَ الظُّفرُ
سَما نَحوها في غِلْمة ٍ ناشِريَّة ٍ … لَهُمْ في صَهيلِ الخَيْلِ أَوْ نَقْعِها نُذْرُ
يَفوتونَ بالأوتارِ مَن علِقوا بِهِ … وَتَأْبى العَوالي أنْ يَفوتَهُمُ وِتْرُ
إذا صِيحَ بالشَّعواءِ في الحَيِّ أُسرِجَت … نَزائِعُ مَعصوبٌ بِأَعرافِها النَّصرُ
يَنُمُّ عَلى أَعْراقِها مِنْ رُوائِها … تَباشيرُ عِتقٍ قبلَ أَنْ يُخبَرَ الحُضرُ
فَما راعَهُمْ جَرْسُ الخَلاخيلِ والبُرى … ولا زالَ رُعباً عَنْ مَعاقِدها الخُمْرُ
بَني أَسَدٍ أَنْتُمْ مَعاقِلُ خِنْدِفٍ … إذا ما شَحا فاهُ لَها حَادِثٌ نكرُ
ولا خيرَ إلاَّ في نزارٍ وَخَيرُها … إذا حُصِّلَ الأحسابُدُودَانُ والنَّضرُ
وَفَرعُ بني دُودَانَ سَعْدُ بنُ مالِكٍ … وَكهفُ بني سَعدٍ سواءَة ُ أو نَصرُ
ونَاشِرَة ٌ أَعلى سُواءَة َ مَحْتِداً … إذا قيل: أينَ العِزُّ والعَدَدُ الدَثرُ؟
وَأَثْبَتُها في حَوْمَة ِ الحَرْبِ مالِكٌ … وَعَوفٌ وذو الرُّمحَينِ جدُّكُم عَمروُ
وَمَن كَحُيَيٍّ أَو كَجِلدٍ وَمَرثَدٍ … وَرَيّانَ، والآفاقُ شاحِبَة ٌ غُبْرُ
وَأَرحَبُهُمْ باعاً عَليٌّ وَمَزْيَدٌ … إذا السَّنواتُ الشُّهبُ قَلَّ بها الفَطر
وَمَن كَدُبيسٍ حينَ تُفْتَرشُ القَنَا … إذا النَّقْعُ لَيْلٌ والظُّبى أَنْجُمٌ زُهْرُ
ومازالَ مَنصورٌ يُنيفُ على الوَرى … بِهِ الشَّرَفُ الوَضَّاحُ والحَسَبُ الغَمْرُ
فسِرتَ على آثارِهِ مُتَمهِّلاً … وَلَمْ يَخْتَلِفْ في السَّعْي بَيْنَكُما النَّجْرُ
وَمِنْ أَيِّ عِطْفَيْكَ الْتَفَتَّ تَعَطَّفَتْ … عَلَيكَ بِهِ الشَّمسُ المُضيئَة ُ والبَدرُ
وَمَجْدٌ مُعَمٌّ في العَشيرَة ِ مُخْوَلٌ … أَحَلَّ أَبا المِظفارِ ذِرْوَتَهُ كِسرْ
خَلَفْتُهُمُ في المَكرُماتِ وفي العُلا … كمَا تَخْلُفُ السُّمْرَ المهَنَّدَة ُ البُتْرُ
وَلَو لَمَ يَكنْ فيهم مؤَثَّلُ سؤددٍ … كَفَتْهُمْ مَساعيكَ المُحَجَّلَة ُ الغُرُّ
وَكَم شَيَّدَت أَيَّامُكُمْ مِنْ مَناقِبٍ … يُحَدِّثُ عَنها في مَجَالِسِهَا فِهْرُ
نَشَأْنَ وظِئراها القَواضِبُ والقَنَا … لَدَيْكُمْ وَتِرْباها الكَواكِبُ والدَّهْرُ
وَقائِعُ رَدَّتْ في قُضاعَة َ مَذْحِجاً … يَهَشُّ لِذِكراها ذؤالة والنَّسْرُ
وَقَد شارَكَتْ غَسّانَ فِيهنَّ حِمْيرٌ … ومَا سَلِمَتْ مِنْهُنَّ قَيْسٌ وَلا بَكْرُ
وَهانَ على حَيَّيْ خُزَيمة َ أَنْ ثَوى … عُتَيْبَة ُ أو ذاقَ الرَّدى صاغِراً حُجْرُ
فَإِنَّ سُيوفاً أَغْمَدَتْها حلومُهُمْ … لَتَفْري طُلى يَلْوي أخادعَها الكِبْرُ
وَآثارُها مَشْهورَة ٌ وَغُمودُها … إذا جُرِّدَتْ هامُ المُلوكِ، ولا فَخرُ
عُرِفْنَ بِحَيْثُ الشّمْسُ تُلْقِي جِرانَها … وفي حَيْثُ يَجْلو عَنْ مَباسِمِهِ الفَجْرُ
وَفي أَيّ عَصْرِ الجاهِلِيَّة ِ لَمْ يَسُدْ … لَكُم سَرَواتِ العُربِ مَنْ أَمرهُ الأَمرُ
وَلَمّا أَتى الإسْلامُ قُمْتُمْ بِنَصْرِهِ … فَلَمْ يَفْتَتَحْ إلاّ بِأَسْيافِكُمْ مِصْرُ
وَأَنتم إذا عُدَّت مَعَدٌّ بِمَنزلٍ … يُجَاوِرُ أَحْناءَ الفُؤادِ بِهِ الصَّدْرُ
وَمُنْتَعِلاتٍ بالنَّجيعِ زَجَرْتُها … وَهُنَّ بقايا هَجْمَة ٍ، سَوْطُها الزجْرُ
عَدا نَسَلانَ الذِّئبِ في أُخرياتِها … أُشَيْعِثُ مَشْدودٌ بِأَمْثالِهِ الأُزْرُ
رَحيضُ حواشي البُرْدِ، ماشانَهُ الخنى … خَفيضُ نَواحي النُّطقِ، ما شابَهُ الهُجْرُ
نَهوضٌ بِأَعباءِ الرَّفيقِ، وإنْ غَلا … عَلى مُنْحنَى الأَضْلاعِ مِنْ صَحْبِهِ غِمْرُ
إذا ماسِراجُ اليَومِ أَطْفَأَهُ الدُّجى … مَشَى كَنَزيفِ القَوْمِ رَنَّحَهُ السُّكرُ
يَجوبُ بِها، والنَّومُ حُلْوٌ مَذاقُهُ … أَديمَ الفَلا وَهناً، وَإسآدها مُرٌ
لَواغِبُ يُحْذَيْنَ السَّريحَ مِنَ الحَفا … وَأوْساطُها يِشْكُو بِها القَلَقَ الضُّفْرُ
أُنِخْنَ وَقَد دانى خُطاها كَلالُها … إليكَ، فَأّدْنَتْها البَشاشَة ُ والْبِشْرُ
وَقَد شَمِلَتْ عَدنانَ نِعْمَتُكَ التي … نَعَشْتَ بِها قَحْطانَ إذْ خانَها الوَفْرُ
فَإِنَّكَ بَحْرٌ، والقَوافي لآلىء ٌ … فَما لِخُزَيْمِيٍّ يُحالِفُهُ الفَقْرُ؟
وَلَو لَمْ أُجاوِرْ تَغْلِبَ بْنَة َ وائِلٍ … قَرَعْتُ ظَنابيبَ النَّوى ، وَيَدِي صِفْرُ
… كثيرونَ إلاَّ أَنْ يُقَلِّلَهُمْ خُبْرُ
وقَد ساءَني طُولُ الصُّدودِ فَلَم أَبُح … بِذَاكَ، وَأعناقُ العِدا دُونَنا صُعْرُ
وَعَيَّرْتَني تأخيرَ مَدْحِكَ بُرْهَة ً … وَمِنْ أَيْنَ يَسْتَوفي مَناقِبَكَ الشِّعرُ
وَفَضُلُكَ لا يَسْتَوعِبُ الحَصْرُ وَصْفَهُ … وَمَجْدُكَ يَكْبو دونَ غاياتِهِ الفِكْرُ
وَمِنْ شِيَمي أَنْ أُبليَ العُذْرَ فاستَمِعْ … ثَناءً كَما يُثني عَلى الوابِلِ الزَّهْرُ
فَإنَّكَ بَحْرٌ، والقَوافي لآلئُ … وَلا غَرْوَ أَنْ يُستَودَعَ الُّلؤلُؤَ البَحْرُ
وَكُلُّ مَديحٍ فيكَ يَخلُدُ ذِكرُه … فَمَجْدُكَ والمَدْحُ القِلادَة ُ والنَّحرُ
وَخَيرُ قريضِ القَومِ ما طالَ عُمْرُهُ … عَلى عُقَبِ الأَيّامِ، طالَ لَكَ العُمْرُ