بأهل اسكندرية بعض ما بى … من الأحزان للثغر المصاب
أدار هواي ما قلبي بناس … هُيامى فوق أثباج العباب
وهل ينسى أخو كرمٍ وعهد … رحيق الراح يمزج بالرضاب
فإن تكن الكوارثُ آثمات … صببنَ عليك أسواط العذاب
فلن ينسى لك التاريخ عهداً … ضحوك الوجه مرهوب الجناب
حماك اللَه يا دار التنادى … إلى الهيجاء أو دار التصابى
ألم تمرح بساحتك الجوازى … لواعب في حمى الأسد الغضاب
ألم تلفى مع الأقدار يوماً … كتائب من لحاظ أو حراب
وكيف يطيب للدنيا وجودٌ … إذا هدّدت ظلماً بالخراب
وأين تجول أفراس المعالي … وأين تصول أحلامُ الشباب
عروس البحر والدنيا سفينٌ … تروّع بالقواصف والضّباب
أعندك أن دار المجد تنجو … على الأيام من كرب الصعاب
أعندك أن في الدنيا رياضاً … تصان من الأفاعي والذباب
عروس البحر ما هذي الرزايا … تصبُّ على بنيك بلا حساب
أكنت جنيت والدنيا مجال … لمفروض الثواب أو العقاب
جمالك فاتنٌ والحسن ذنب … لأهل الحسن في شرع الذئاب
فما شكواك من ظلماء طالت … وتلك جناية المجد اللباب
عروس البحر يا مهوى فتوني … ويا مغنى أمانيّ العذاب
عقلت بأرضك العزّاء عاما … فكان أعز عام في شبابي
دخلتك عانياً في أسر ليل … أصم القلب زنجي الإهاب
فأقبل نورك الروحي يسري … إلى أرواحنا من كل باب
رأى العقّال أن نحيا أسارى … حياة السيف في سدف القراب
فلا ندرى لوجه البحر لونا … سوى الموهوم من لمع السراب
ولا نقتات من زاد الأماني … سوى المظنون من يوم المآب
فهل سمع الشقيّ بما أفاءت … علينا اسكندرية من ثواب
هدير البحر كان يعجّ عمدا … ليطربنا على بعد المثاب
وحبّ الزمل صار لنا مهاداً … مطرّزةً بأزهارِ الروابى
فأمسى الاعتقال على اجتواهُ … رخيّ القيد مأنوس الرحاب
عروس البحر حدّثني شهودٌ … بأن الشط صار إلى تبات
فلا غيداءُ تخطر في حماه … كرقص البدر من خلف السحاب
ولا صبّ ختور العهد يمشى … على جنباته مشى الحباب
ولا صهباء يحسوها بنوه … وقد قبست من الذهب المذاب
إذا طافت بهم هاموا فخفوا … لمقبول المجانة والدعاب
وأمسوا والكواكب في علاها … لهم أسلاب فتك وانتهاب
سلاف صانها باكوس عما … يشوب الراح من إيم وعاب
ألم يثقل على حكماء قومى … وقد عاقرتها وزر اغتيابي
أمير الشط كنتُ فأين عهدى … برعي الحسن في الشط العجاب
وأين رماله منى وكانت … مناسك صبوتي في كل آب
إليها كان حجّى واعتمار … وفيها كان ختلى واختلابي
فكيف أذوقُ للصبوات طعما … وعن عرفاتها طال احتجابي
ندامى البحر سوف أعود يوماً … لأطفىء ما بقلبي من لؤاب
نشيدي في التصوف كان لحناً … نقلت صداه عن قصف العباب
سواي يرى الوجود إن اجتلاه … سطوراً ثاويات في كتاب
ويجلوه لوجداني وروحي … إذا ما شئتُ إظلال السحاب
وهل كانت حياة الناس إلا … قلائد صاغها ربّ الرباب
عشقت البحر والصحراء عشقا … به طال اندفاعي وانجذابي
أطلّ على الفضاء فتزدهيني … رحابٌ غارقاتٌ في رحاب
وأنظر للوجود فلا أراه … سوى خمرٍ تعاقر أو رضاب
أخلّائي هنالك حدّثوني … حديث الثغر وانتظروا إيابي
أفوق ربوعه غامت سماءٌ … مؤججةٌ بأقباس اللهاب
وما القوم الذين عدوا عليه … كعدوان الذباب على الشراب
أكانوا جنّة صمّا فعاثوا … به عيث الأراقم بالوطاب
أكان النسر في التحليق أدنى … إلى الإسفاف من ذاك الغراب
نطاح كلّه سفهٌ ولؤم … ولو كرهَ المصانع والمحابى
أحقّ أن مغنى الثغر أقوى … واقفر من أحاديث الصحاب
فلا النشار يسال غير صاح … ولا شيبوب يحلم بالجواب
أبو شادي أفاق فمن بشيري … برجع الأمن للثغر المهاب
وكيف يعيش روح كان أنسى … وإن ألف اللجاجة في الغضاب
أكاتمُ حبّه قلبي وأمضى … فأعلن بغضه عند العتاب
هو الدنيا وقد جنّت فصاغت … رحيق هواه من شهد وصاب
بأهل اسكندرية بعض ما بى … من الأحزان للثغر المصاب
سمعت حديث نكبتهم فأمسى … فؤادي في انصداعٍ وانشعاب
ملائك من أديم الخلد صيغوا … ليوم الوجد أو يوم الغلاب
أعزّ البحر أنفسهم فعزّوا … فهم قوم اعتلاء واصطخاب
هم الحراسُ للوطن المفدّى … من العادين أبناء القلاب
فكيف تبدلوا وأدال منهم … مديل البأس من وكر العقاب
تساق إليهم الأقواتُ هلّا … تساق إليهمُ عدد الحراب
أغيثوهم بسيفٍ لا بزاد … فهم خلفُ القساورة الصلاب
أمدوهم إذا شئتم بجيش … وقاح الوجه منزوع النقاب
فما حفظ الديار سوى حسام … به ظمأٌ على يوم الضراب
أجب عبد القوى وأنت شهمٌ … صريح لا يراوغ في الجواب
أأنت ترى المخابىء وأقيات … وهنّ أذل من غار الضباب
وما شرف الفتنى وقد استنامت … جوانحُه إلى مثوى الهوابى
لنا ماض نسيناهُ فضعنا … ضياع التبر في جوف التراب
لقد كنّا وكنا ثم كنا … أداة الفتك من ظفرٍ وناب
ركزنا الرعب في مهج الضوارى … فكيف تروزنا مهج الذئاب
لوادينا القوىّ عنت وجوهٌ … عززن بالانتساب والاكتساب
ألم ندفن بوادينا قروماً … أرادوا الشرب من أمواه حابى
فكيف نكولنا عن ردع قوم … لئام البغي منكودي الإصاب
همُ ظنوا الكنانة زاد يوم … كظن النمل في نسف الهضاب
فإن فازوا فسوف نكون منهم … مكان البحر من لهب الضوابي
وسوف نظل نحن كما فطرنا … أباة الضيم أحرار الرقاب
عركنا الدهر جيلا بعد جيل … وكابدنا الألوف من الصعاب
فما هنّا على الأقدار يوما … ولا أمست بوارقنا نوابى
ألم نشرق على الشرق المعنّى … فندفع عنه آصار الضباب
ولولا جدنا في الشرق صارت … بقاياه العزاز إلى الذهاب
بنا وثقت شعوب لم تواجه … بروق الغرب إلا في ارتياب
بنا استهدت بصائر لم نرضها … خداعا بالمواعيد الكداب
كدأبكم وقد مرنت نهاكم … على سرت الخيانة بالخلاب
أكان العلم في عالى سناه … ذريعة الاستراق والاستلاب
أروني منّة أسلفتموها … بلا نهب يراد ولا اغتصاب
طلائع كان علمكم ليوم … يهون بجنبه يوم الحساب
ولم يك علمنا إلا نظيراً … لضوء الشمس يزهد في الثواب
أأنتم تفتنون بما ملكتم … من العدد النذيرة بالخراب
ولا نُزهى بآراء صحاح … هي المنشود من فصل الخطاب
فإن تخلد مآثرنا وتسلم … على التاريخ من شبه المعاب
فذام لأنها آثار قوم … كرام الروح أطهار الإهاب
لنا الخلد الذي لن ترزقوه … ولو أوتيتمُ ملك السحاب
فخبّوا في المطامع كيف شئتم … وخوضوا القاتمات من العقاب
ورودوا الأرض في شرق وغرب … بكبر الليث أو زهو الغراب
وصولوا آثمين بنار حرب … تحيل المزهرات إلى يباب
فسوف ترون بعد مدىً قصير … فرائس للمحاق وللذهاب
بأهل اسكندرية بعض ما بى … من الأحزان للثغر المصاب
أتلك قيامةٌ قامت فدكّت … حصون الباس من تلك الطوابى
فمن كهل سديد الرأى يمسى … لوقع الهول مفقود الصواب
ومن رشإ تصيّره الرزايا … وقيذ الشيب في شرخ الشباب
ومن عذراء يلفظها حماها … فتخرج للبلاء بلا نقاب
قوارع لم تقع إلا بأرض … يقارع أهلها وقد الحراب
فما آثام أهل الثغر حتى … يشَنَّ عليهم ويل العذاب
مضت زمرٌ إلى الأرياف منهم … مضيَّ السد من غاب لغاب
فكيف استقبلوا بعد ارتفاه … جشيب العيش في تلك الشعاب
أمن بعد الحشايا ناعماتٍ … يكون بساطهم متن التراب
على جلواتهم في الصيف كانت … تزفّ أطايب الحسن اللباب
وفي داراتهم كان التنادى … إلى الصبوات في الشط الرغاب
فكيف مضوا حيارى لم يثوبوا … إلى زادٍ يعدّ ولا ثياب
وكيف غدوا بهذا الصيف صرعى … لمشئوم الشتات والاغتراب
كذاك العيش بؤسٌ بعد لين … وشهد يستقى من بعد صاب
ومن عشق السلافه في صفاها … أحب لحبها رنقَ الصباب
عروس البحر نسرف إن رأينا … حياتك في المزاح وفي اللعاب
وكيف وفي معاهدك الخوالي … تسابقت العقول إلى الوثاب
بكل محلة وبكل أرض … مآثر منك طيبة النصاب
وما روما وآثينا إذا ما … تبارى الفاخرون بالانتساب
منار العقل كنت بلا امتراء … ونار القلب كنت بلا ارتياب
بكى التاريخ من عهد لعهد … مصاب العلم في دار الكتاب
فهل كانت بدائعها لقوم … أجانب عن مرابعك الرحاب
بناك اسكندرٌ فيما بناه … كذلك قيل رجما بالمغاب
ولو أصغى أولو الألباب يوما … لهمس الوحي في تلك الروابي
لآمنَ فتيةٌ منهم برأى … يخالك صادقا بكر العباب
وهل فينوس عند مرببيها … سوى راقود في أحلام حابي
لكيمى أنت يا دار التنادى … إلى الهيجاء أو دار التصاري
ل كيمى أنت من أيام نوح … توارثك ابنمٌ عن خير آب
مضى عهد القياصر في انزعاج … بأرض اسكندرية وانقلاب
بلادٌ لم تكن إلّا مجالاً … لمشبوب الصيال والاحتراب
بجمر الثورة الحمراء يغذى … بنوها لا بزاد أو شراب
وجاء الفتح فانقادوا لقومٍ … مساكنهم بصهوات العراب
هو الإسلام طهّرهم فأضحوا … كماء المزن في شعب اللصاب
فهل يدرى المؤرخ كيف صاروا … طلائع للجهاد وللغلاب
عليهم عوّل الإسلام فيما … أراد من المغاربة الصلّاب
فأموا الغرب يحرسهم تقاهم … وقد مشت الملائك في الركاب
وحلوا عادلين به كراماً … حلول الغيث بالبقع الجداب
فلما أن هوت شمس المعالي … بأندلس ولاذت بالحجاب
تقاطر أهلها يبغون حصناً … يقيهم شر أيام التباب
إلى جفن الحمى بالثغر عادوا … كما عاد الجراز إلى القراب
أتاريخاً يحبّره قصيدي … لماضى الثغر في عهد الشباب
وما الشمس المضيئة إن حكتها … لرائيها خيوط من لعاب
عليك اسكندرية أجّ حزنى … فطار تجلدي وهوى صوابي
إذا فكرتُ فيك غلت دمائي … وآذن جمر حقدي بالتهاب
ألا سيف أجرّدهُ وأمضى … لأدفع عنك عادية الذئاب
ألا جيش قويّ البطش ضار … يذيق عداك أكواب العذاب
سأصمت كارهاً والصمت حينا … يعدُّ من البراعة في الجواب