ذممَتُ اصطبارَ العاجزينَ وراقني … على الضُرِّ صبرُ الواثبِ المتطلِّعِ
له ثِقَةٌ بالنفسِ أنْ ستقودُه … لحالٍ يرجِّي خيرَها أو لمصرع
وما الصبرُ بالأمرِ اليسيرِ احتمالُه … وإن راحَ ملصوقاً به كلُّ مُدَّعي
ولا هو بالشئ المشرِّفِ أهلَه … إذا لم تكنْ عُقباه غيرَ التوجّع
ولكنَّه صبرُ الأسودِ على الطَّوى … تغطّي عليه وثبةُ المتجمِّع
مِحَكُّ طباعٍ آبياتٍ وطُوَّعٍ … وبَلوى نفوسٍ طامحاتٍ ووُضَّع
يُعنَّى به حُرٌّ لإحقاقِ جرئٍ غايةٍ … ويَخرُجُ عنه آخرٌ للتضرُّع
فإنْ كنتَ ذا قلبٍ جرئٍ طبيعةً … على نكبات الدهر لا بالتطبّع
فبورِكَ نسْجُ الصَّبرِ درعاً مضاعفاً … وبوركْتَ من ذي مِرَّةٍ متدرِّع
وُلد الالمعيُ فالنجمُ واجمْ … باهتٌ من سُطوع هذا المُزاحمْ
أتُرى عالمَ السموات ينحطُّ … جلالاً عن واطئات العوالم
أم تظُن السماء في مهرجانٍ … لقريب من الملائك قادم
أم تُرى جاءت الشياطينُ تختصُّ … بروح مشكك متشائم
كيفما شاء فليكنْ ، إن فكراً … عبقرياً على المَجرة حائم
قال نجمٌ لآخرٍ : ليت أني … لثرى الكوفةِ المعطر لاثم
ولبيتٍ أناره عبقرىٌ … لم ينوَّر بمثله الأُفقُ ، خادم
ليت أني بريقُ عينيه أو أني … لنور القلب المشعِ مقاسم
أيها ” الكوكبُ الجديدُ ” تخيرْني … إذا ارتحت ، بسمةً في المباسم
ولقد قال ماردٌ يتلظى … في جحيمٍ على البرية ناقم :
أزعجتْ جوَّنا روائحُ من خبثٍ … وضَعفٍ على الثرى متراكم
لا أرى رسم بُرثُنٍ بين أظلافٍ … عجافٍ كثيرةٍ ومناسم
أفنسلُ المَلاك هذا وما كان … ملاك موكلاً بالجَرائم؟
أفهذا نسلُ الشياطينِ والشيطانُ … لم يَرْبُ في دُموع المآتم
إنَّ فيه أمراً عجيباً مخيفاً … ضعفَ مستَغشَمٍ وقسوةَ غاشم
لو ملكنا هذي اللُّحومَ لكانت … للذُباب المنحطِّ نِعمَ الولائم
وأُرانا نحتاج خَلقاً كهذا … عاصفاً ثائراً قويَّ الشكائم
فَلْنرجّف أعصابهَ وهو يقظانُ … ونزعجْ أحلامه وهو نائم
ولْنُوِّجْههُ قبْلةً لا يلقّى … عندها غيرَ حاقدٍ أو مخاصم
ولْنُثرْهُ ليملأ الكونَ عُنفاً … نفسٌ يُلهبُ المشاعر جاحم
أيها الماردُ العظيمُ تقبّلْ … ضَرَماً تستشيطُ منه الضرائم
وسأهديكَ ان تقبلتَ منى … مِعولاً من لظىً.. فإنك هادم
وسلامٌ عليك يوم تُناوِي … لؤمَ أطماعِهمْ ويومَ تهاجم
بُشِّر ألمنجبُ ” الحسين ” بمولودٍ … عليه من الْخُلود علائم
سابح الذهن .. حالم بلشقاتِ … شريد العينين بين الغمائم
وانبرت عبقَرٌ تزجِّي من الجنّ … وفوداً مزهوةً بالمواسم
واتى الكونَ ” ضيفهُ ” بدويَّ الرعد … يلقاه لا بسجع الحمائِم
عالماً أنَّ صوت خَلْقٍ ضعفٍ … غيرُ كفءٍ لمثل هذي الغلاصِم
فارشاً دربَهُ بشوك من الفقرِ … وجمرٍ من ضِغنةٍ وسخائِم
قائلاً :هذه حدودي تخطا … ها عظامٌ إلى أمورٍ عظائِم
ربما يفُرشَ الطريقُ بنثر الزَهر … لكن للغانيات النَواعم
قُبَل الأمهات أجدرُ ما كانَتْ … بوجهٍ مُلوَّحٍ للسمائِم
يا صليباً عوداً تحدَّته أنيابُ … الرزايا فما استلانَ بعاجِم
ورأي المجدَ خيرَ ما كان مجداً … حينَ يُستَلُّ من شُدوق الأراقِم
شامخٌ أنتَ والحزازاتُ تنهارُو … باقٍ وتضمحلُّ الشتائِم
وحياةُ الابطالِ قد يُعْجِز الشاعرَ … تفسيُرها كحَلِّ الطَلاسم
ربَّما استضعَفَ القويُّ سَديدَ … الرأي يأتيه من ضعيفٍ مُسالِم
ايُّ نَفْس هذي التي لا تعُدُّ العمرَ … غُنْماً إلا بظِلِّ المَغارِم
تَطرَحُ الخفضَ تحت خُفِّ بَعيرٍ … وتَرى العيشَ ناعماً غيرَ ناعِم
وتَلََذُّ الهجيرَ تحسَب أنَّ الذلَّ … يجري من حيثُ تَجري النسائِم
وترى العزَ والرجولةَ وصفينِ … غريبَينِ عن مُقيمٍ ملازِم
كلُّ ما تشتهيهِ أن تَصحب الصارمَ … عَضْباً وأن تَخُبَّ الرواسِم
هكذا النابغونَ في العُدْمِ لم تُرضِعْهُمُ … الغُنْجَ عاطفاتٌ روائِم
ونبوغُ الرجال أرفعُ من أنْ … يحتويه قَصْرٌ رفيعُ الدَعائِم
إنما يَبعَث النبيَّ إلى العالَمِ … بَيتٌ مُهَفْهفُ النورِ قاتِم
” كندةٌ ” أينَ ؟ لم تُبقِّ يَد الدهرِ … عليها ولا تَدُلُّ المَعالم ؟
لم تخلف كفُّ الليالي من الكوفَةِ … إلا مُحرَّقاتِ الركائِم
أحصيد دور الثقافة في الشرقِ … ألا يستينُ منهُنَّ قائِم؟
أين بيتُ الجبار باق على سمعِ … الليالي مما يَقول زمازِم؟
” جُعف ” منسيَّةٌ افاض عليها الشعرُ … ما كانَ في ” أُمَيٍّ ” و ” هاشم “
لست أدري ” اكوفة ” المتنبي … أنجبته أم أنجبته العواصِم
غير ان النُبوغَ يَذوي وينمو … بين جوٍّ نابٍ .. وجوٍّ ملائِم
” حَلبٌ ” فتَّقَت أضاميمَ ذِهنٍ … كان من قبلُ ” وردةً ” في كمائِم
أيُّ بحر من البيان بامواجِ … المعاني فياضةً ، متلاطِم
كَذَبَ المدَّعونَ معنىً كريماً … في قوافٍ مُهلهلاتٍ ألائِم
وَهبِ اللفظَ سُلَّماً فمتى استحسنتِ … العينُ واهباتِ السلالم؟
حجةُ العاجزين عن منطق الافذاذِ … يُخفون عجزَهم بالمزاعِم
روعةُ الحرب قد خلَعتَ عليها … روعةً من نسيجك المتلاحِم
شعَّ بين السطور ومضُ سِنانٍ … ثم غَطَّت عليه لَمعةُ صارِم
ما “ابن حمدان ” إذ يقودُ من الموتِ … جيوشاً تُزجَى لموتٍ مُداهِم
بالغ ما بلَغْتَ في وصفك الجيشَيْن … اذ يقدحانِ زندَ الملاحِم
إذ يضمُّ القلبُ الجناحَ فترتدّ … الخوافي مهيضةً والقوادِم
وفرِاخ الطُيور في قُلَل الاجيال … تَهدي لها الظنونَ الرواجِم
لك عند الجُرْدِ الاصائلِ دَيْنٌ … مستَحقُّ الأداءِ في النَسل لازِم
كم أغرٍّ ” مُحَجَّلٍ ” ودَّ لو يُهديكَ … ما في جَبينه والمعاصِم
واجتلينا شعرَ الطبيعة في شعرك … تَفْتَّر عن ثُغورٍ بواسِم
شِعْبُ ” بَوّان ” لا تخيُّلُ فنّانٍ … غَنٌّ عنه ولا ذِهنُ راسِم
متعهُ الشاعرِ المفكرِ يقظانَ … ومَسْرى خيالِه وهو حالِم
لا تعفَّيْتَ من ” مَمَرٍّ ” كريمٍ … خلَّدَتْكَ المُحسَّناتُ الكرائِم
ايه خصمَ الملوك حتى يُقيموا … لك أمثولةَ النظيرِ المُزاحِم
عَضُدُ الدولة استشارَك بالإعزازِ … واللُطف يا عدوَّ الأعاجِم
رُحتَ عنه وأنت خَوفَ اشتياقٍ … لسِواه على فُؤادِكَ خاتِم
إن ذلك الوَداعَ كان نذيراً … بحِمامٍ دلَّتْ عليه عَلائِم
فلتُحيِّ الاجيالُ مغناكَ بالريحانِ … وَلْتَلْتَثِمْهُ وهي جَواثِم
رَمْز قَوميةٍ بَنَتهُ البَوادي … مُشمخرَّ البِناء ثَبتَ الدعائم
بدويَّ المُناحِ أرهفَ منه الحسَّ … جوٌّ مُشَعْشَعٌ غيرُ غائِم
لدِمشقٍ يَدٌ على الشِعرِ بيضاءُ … بما زيَّنَتْ له من مَواسِم
وسلامٌ على النُبوغ ففيما … تَسْقُط الذكريات وهو يُقاوِم