يا حبيبي غيمة في خاطري … وجفوني وعلى الأفق سحابهْ
غفر اللهُ لها ما صنعت … كلما شاكيتها تندى كآبهْ
صرخ القفرُ لها منتحِباً … وبكى مستعطفاً مما أصابهْ
فأصمّ الغيثُ عنهُ أذنَهُ … ما على الأيام لو كان أجابهْ
كثر الهجرُ على القلب فهل … من سلو أو بعاد يرتضيهِ
أنت فجرٌ من جمال وصبا … كل فجر طالع ذكَّرنيهِ
كيف جانبتك أبغي سلوةً … ثم ناجيتك في كل شبيهِ
أيها الساكن عيني ودمي … أين في الدنيا مكان لست فيهِ
…
عندما أزمعَ ركب العمرِ … رحلةً نحو المغاني الأخرِ
ظهرت تجلوك كفُّ القدرِ … صورةً أروع ما في الصورِ
تتراءى في الشباب العطرِ … نفحةً تحمل طيبَ السحرِ
وقف العمرُ لها معتذراً … وثنى الركبُ عنانَ السفرِ
…
عندما أقفرتِ الدنيا جميعاً … لحتَ لي تحمل عمراً وربيعا
إن يكن حلماً تولى مسرعاً … أجمل الأحلام ما ولى سريعا
إن يكنْ ما كان دَيْناً يقتضيْ … خلني أدفعه عنك دموعا
قد شريناه عزيزاً غالياً … إن تكن بعتَ فإني لن أبيعا
…
يا ندامى الحب سُمار الهوى … سكبوا لي السهدَ في ذاك الشراب
ارقوني أجرع السقم وبي … صفرة الكأس وأوهام الحباب
كلما تقبل أيام المنى … تنجلي النعماءُ عن ذاك السراب
وترى أياميَ الحيرى على … عرسها الضاحك أحزان الضباب
…
لم أقيدك بشيء في الهوى … أنت من حبي ومن وجدي طليقْ
الهوى الخالص قيد وحده … رب حر وهو في قيد وثيقْ
مزّقت كفيك أشواكُ الهوى … وأنا ضقت بأحجار الطريقْ
كم ظميٍ يرتوي … وغريق مستعين بغريقْ
…
يا ليالي العمر ما سر الليالي … البطيئات المملات الطوالِ
مسرعات مبطئات ولها … خفة الموت وأثقال الجبالِ
كاسفات البال عرجاء المنى … عاثرات الحظ شوهاء الظلالِ
عجباً للعمر يمضي مسرعاً … للمنايا بسلحفاة الملال (؟)
…
يا قمارى الروض في أيك الهوى … جفّتِ الورضةُ من بعد النديمْ
حل بالأيك خريفٌ منكرٌ … وظلال قاتماتٌ وغيومْ
ماتت الروضةُ إلا طائفاً … من هوى حي على الذكرى يقومْ
فإذا أنكر ما حل بها … فر يبغي سربَه بين النجومٍْ
شاهت الدنيا وجوهاً ورؤىً … وتولاها سهومٌ ووجومْ
يا عذارى الحسن في ظل الصبا … كل حسن بعد ليلاي دميمْ
يا نعيم العيش في ظل الرضا … آه لو أعرف ما طعم النعيمْ
أنكر الجنةَ قلبٌ ضجرٌ … أبدي النار موصول الجحيمْ
…
طالما موهتُ بالضحك فما … غيَّر التمويهُ رأياً لك فيا
كلما تنظر في عيني ترى … سريَ الغافي ومعناي الخفيا
وترى في عمق روحي زهرةً … قد سقاها الحزنُ دمعاً أبديا
ويراه الناسُ طلا وترى … أنت دمعاً غائماً في مقلتيا
…
يا فؤادي ما ترى هذا الغروبْ … ما ترى فيه انهيار العمرِ؟
ما ترى فيه غريقاً ذا شحوبْ … ينلاشى في خضم القدرِ؟
ما تراها اتأدتْ قبل المغيبْ … ورمتْ من عرشها المنحدرِ
لفتةَ الحسرةِ للشط القريبْ … قبل أن تسقط خلف النهرِ…
يا فؤادي قاتل اللهُ الضجرْ … وعذابي بين حل وسفرْ
ما ترى قنطرةً من بعدها … راحة ترجى وبال يستقرْ
ذلك الجرح وما أفدحه … ما عليه لو إلى السلوى عبرْ
قد طواه اليوم في بردته … وأتى الليلُ عليه فانفجرْ
…
مرَّ يومي فارغاً منك ومن … أملِ اللقيا فما أتعسَ يومي
أنت يومي، وغدي أنت، وما … من زمان مرّ بي لم تكُ همي
آهِ كم أغدو صغيراً، حاجتي … لكَ كالطفل إلى رحمةِ أمِّ
ولكم أكبر بالحب إلى أن … أغتدي مستشرقاً آفاق نجمِ
أي سرٍّ فيك إني لست أدري … كل ما فيك من الأسرار يغري
…
خطرٌ ينسابُ من مفتر ثغر … فتنة تعصف من لفتة نحرِ
قدر ينسج من خصلة شعر … زورق يسبحُ في موجةِ عطرِ
في عباب غامض التيار يجري … واصلاً ما بين عينيك وعمري
…
ذات ليلٍ والدجى يغمرنا … أترى تذكر إذ جزنا المدينةْ؟
كلما روعت من نار شجٍ … حر ما يصلى تلمست جبينَهْ
بيدٍ شفافة مثل الندى الرطبِ … تعيد النار بردا وسكينه
أيها الآسي لناري هذه … ما الذي تصنع بالنار الدفينه؟
أخيالاً كان هذا كلُّهُ … ذلك الجسر الذي كنا عليه؟
والمصابيح التي في جانبيه … ذلك النيل وما في شاطئيه؟
وشعاع طوفت في مائه … وظلالٌ رسبت في ضفتيه
وحبيب وادع في ساعدي … ووعود نلتها من شفتيه؟
رب لحن قص في خاطرنا … قصةَ الحادي الذي غنّى سهادَهْ
وكأن الصمت منه واحدةٌ … هيأتْ من عشبِها الرطبِ وسادَهْ
ها أنا عدت إلى حيث التقينا … في مكان رفرفت فيه السعادَهْ
وبه قد رفرف الصمتُ علينا … إنَّ في صمت المحبين عبادَهْ
رفرف الصمتُ ولكن أقبلتْ … من أقاصي السهلِ أصداءً بعيدَهْ
تتهادى في عبابٍ ساحرٍ … مرسلٍ للشطِّ أمواجاً مديدَهْ
كم نداء خافت مبتعد … تشتهي أذنُ الهوى أن تستعيدَهْ
عاد منساباً إلى أعماقها … هامساً فيها بأصداءٍ جديدَهْ
…
رفرف الصمتُ ولكن ها هنا … كل ما فيك من الحسنى يغني
آه كم من وتر نام على … صدر عودٍ نومَ غاف مطمئنِ
وبه شتى لحون من أسى … وحنينٍ وأنينٍ وتمني
رقد العاصفُ فيه وانطوتْ … مهجةُ العودِ على صمتٍ مرنِ…
…
هذه الدنيا هجيرٌ كلُّها … أين في الرضاء ظل من ظلالكْ
ربما تزخر بالحسن وما … في الدمى مهما غلت سر جمالكْ
ربما تزخر بالنور وكم … من ضياء وهو من غيرك حالكْ
لو جرت في خاطري أقصى المنى … لتمنيتُ خيالاً من خيالك
…
أنا إن ضاقت بي الدنيا أفئْ … لثوانٍ رحبةٍ قد وسعتنا
إنما الدنيا عبابٌ ضمنا … وشطوطٌ من حظوظٍ فرقتنا
ولقد أطفو عليه قلقاً … غارقاً في لحظة قد جمعتْنا
كلما تترى المعاني أجتلي … خلف معناها لأسرارِك معنى
…
ما الذي صبك صباً في الفؤادْ … ما الذي إن أقصِه عنيَ عادْ
طاغياً يعصفُ عصفاً بالرشادْ … ظامئاً سيان قرِب وبعادْ
ساهر العينين موصول السهادْ … ما الذي يجري لهيباً في الرمادْ
ما الذي يخلقنا من عدم … ما الذي يجري حياةً في الجمادْ
…
كم حبيب بعدت صهباؤه … وتبقت نفحةٌ من حببِهْ
في نسيجٍ خالدٍ رغم البلى … عبث الدهرُ وما يعبث بِهْ
ما الذي في خصلة من شعرهِ … ما الذي في خطه أو كُتبِهْ
ما الذي في اثرٍ خلَّفه … من أفانين الهوى أو عجبِهْ
ما الذي في مجلس يألفه … عقد الحبُّ عليه موعدَهْ
ربما يبكي أسى كرسيُّهُ … إن نأى عنه وتبكي المائدَهْ
ربما نحسبها هشتْ إذا … عائدٌ هش لها أو عائدَهْ
ربما نحسبها تسألنا … حين نمضي أفراق لعدَهْ؟
…
كم أعدت لك ستراً في الخفاء … وتوارت عن عيون الرقباء
كم أعدت نفسها وانتظرت … واستوت موحشة تحت السماء؟
وهي لو تملك كفا صافحت … كفَّك الحلوةَ في كل مساء
وهي لو تملك جوداً بذلت … كل ما تملك كفٌّ من سخاء
…
رب كرم مده الليل لنا … فتواثبنا له نبغي اقتطافَهْ
وعلى خيمته أسوده … عربي الجود شرقي الضيافَهْ
وجد العرس على بهجته … وسناه دون ورد فأضافَهْ
ثم وارت يدَه جنيةٌ … وطوته بأساطير الخرافَهْ…
…
أرج يعبق في أنحائه … حملته نحو عرشينا الرياحْ
كل عطر في ثناياه سرى … كان سرّاً مضمراً فيه فباحْ
يا لها من حقبة كانت على … قِصَرٍ فيها كآماد فساحْ
نتمنى كلما طابت لنا … أن يظل الليل مجهول الصباحْ
…
يا فؤادي العمر سفرٌ وانطوى … وتبقتْ صفحة قبل النوى
ما الذي يغريك بالدنيا سوى … ذلك الوجه، وذياك الهوى