إِجرَحِ القَلبَ واسقِ شِعرَك مِنهُ … فَدَمُ القَلبِ خَمرَةُ الأَقلامِ
مَصدَرُ الصَدقِ في الشُعور هوَ القَلبُ … وفي القَلبِ مَهبَطُ الإِلهامِ
وَإِذا أَنتَ لَم تُعَذَّب وَتَغمِس … قَلَماً في قُرارَةِ الآلامِ
فَقَوافيكَ زُخرفٌ وَبَريقٌ … كَعِظامٍ في مَدفَنٍ من رُخامٍ
وَإِذا القَلبُ لم يُرَقَّق بِحُبٍّ … حَجَّرتَه ضَغائِنُ الأَيّامِ
وَالهِوى دون اكبُدٍ لَيسَ يَحيا … فَغِذاءُ الهوى من الأَجسامِ
ضَحِّ بِالقَلبِ إِن هَويتَ فَلَيسَ … القَلبُ إِلّا وَليمَةً لِلغَرامِ
يا لَها في الهَوى وَليمَةَ قَلبٍ … سَوفَ يَبقى لَها صَدىً في الاِنامِ
واشقَ ما شِئتَ فَالشَقا مُحرَقاتٌ … صَعِدَت مِن مَذابِح الأَرحامِ
رُبَّ جُرحٍ قَد صارَ يُنبوع شِعرٍ … تَلتَقي عِندَهُ النُفوسُ الظَوامي
وَزَفيرٍ أَمسى إِذا قَدَّسته الروحُ … ضَرباً من أَقدَسِ الأَنغامِ
وَعَذابٍ قد فاحَ منهُ بَخورٌ … خالِدٌ في مَجابِرِ الأَحلامِ
قَطَفَ الهَمُّ وَالأَسى زَهَراتٍ … نَبَتَت في ضِفافِ نَبعِ الدُموعِ
وَجنى البُؤسُ بَعضُ أَشواكِ وَردٍ … عَطفَتها الصَبا على اليَنبوعٍ
وَإِذا بِالغَرامِ يَضفِرُ مِنها … لِشَفيقٍ إِكليلَ قَلبٍ وَجيعِ
وَتَراءَت مَلائِكٌ لِشَفيقٍ … في ثَنايا غَمامَةٍ بَيضاء
وَابَتها من السَماءِ عَذارى … طاهِراتٌ كَأَدمُعِ الشُعراءِ
حامِلاتٌ على الصُدورِ حُلِيّاً … كَمَصابيحَ أُشعِلَت في السَماءِ
او عناقيدَ أَنضَجَتها شُموس الحُبِّ … في عالَمِ الخَيالِ الرَفيع
وَتَراءَت له سَلالِمُ حَمراءُ … تَدَلَّت أَذيالُها في الأَثيرِ
فُرِشَت كُلُّ سُلَّمِ بورودٍ … وَرَبَطَتها شَفائِفٌ من حَريرِ
وَعَلى كُلِّ وَردَةٍ قَطَراتٌ … شَعَّ منها لم أَدرِ أَيَّ شُعورِ
فَكأنَّ الوُرودَ جاماتُ حُبٍّ … أَو قَواريرُ رُصِّعت بِدموعِ
وَتَراءَت له جُموعُ العَذارى … فَوقَ تِلكَ السَلالِم العلويَّه
عازِفاتٍ له مَزاميرَ جاودَ … بِكِنّارةِ الهوى القُدسِيَّه
كلَّ لَيلٍ يا رَبِّ أَغمُرُ بِالدَمعِ … سَريري مِن أَجلِ تِلكَ الخطيَّه
وَيُميعُ الفِراشَ ماءُ عيوني … كُنَّ يَعزِفنَ وَالصَدى في الرَقيعِ
في قُلوبِ الوَرى فَسادٌ وَلا صِدقَ … بِأَفواهِهِم فَفيها شُرورُ
وَحُلوقُ الوَرى قُبورٌ وَلَمّا … انقَطَعَ اللَحنُ وَاِنتَهى المَزمورُ
سَمِعَ العاِِقُ المُعَذَّبُ صَوتاً … رَجَّعَت في العَلا صَداهُ الخدورُ
طَهَّرَتكَ الآلامُ من كُلِّ رِجسٍ … وَالهَوى في فُؤادَكَ المَوجوعِ
قَدَّسَت شُعلَةُ السَما فَمَكَ الإِنسِيَّ … فَاِحمَد نارَ السَماءِ وَمَجِّد
وَهَواكَ الشَقِيُّ قَدَّسَه الدَمعُ … فَغَمِّسهُ بِالدِماءِ وَخَلِّد
فَجرَّ الحُبُّ مِن فُؤادِكَ شِعراً … أَيُّها البُلبُلُ الصَموتُ فَأَنشِد
أَيُّها الفاتِحونَ في الأَرضِ طُرّا … أَيُّها الشارِبونَ كَأسَ الدِماءِ
أَيُّها الشاخِصونَ لِلكَونِ سُخرا … من خِلالِ القَذائِفِ الصَمّاءِ
قَد عَرَفتُم مَجدَ العُروشِ العَظيمَه … وَطَلَيتُم تيجانَكُم بِاللُبانِ
وَعَشِقتُم من الجَمالِ نُجومَه … وَاِرتَدَيتُم مَطارِفَ الأُرجُوانِ
ذُقتُمُ الحُبَّ في مَجالي جَمالِه … بَينَ رَقصِ الأَجسادِ وَالأَوتارِ
وَاِغتَصَبتُم حَتّى حَريمَ خَيالِه … مُذ شَبِعتُم من شَهوَةِ الأَقذارِ
وَاِفتَتَحتُم مُلكَ الثَرى بِالصَوارِم … وَسَكِرتُم بِخَمرَةِ الاِنتِصارِ
وَشَربُتُم دَمَ الوَرى بِالجَماجِم … وَاِختَصَرتم صَفائِحَ الأَعمارِ
ذُقتُمُ الراحَ في اِختِلافِ كُؤوسِه … وَتَفَلتُم عَلى يَدِ العَصّارِ
ما تَرَكتُم لِلشَعبِ غَيرَ رُموسِه … وَظَماءِ الأَحشاءِ لِلخَمّارِ
وَعَرفتُم في المَجدِ كلَّ الأَماكِن … وَقُصارى لَذّاتِهِ الحَمراءِ
وَعَرفتُم حَتّى الغُيوبَ وَلكِن … ما عَرَفتُم في المَجدِ نورَ السَماء