أَثِرْها فلا ماءً أصابت ولا عُشبا … وقد مُلِئَتْ أَحْشاءُ رُكْبانِها رُعْبا
ونحنُ بِحَيثُ الذِّئْبُ يَشكو ضَلالِهُ … إلى النَّجْمِ، والسّاري يَسوفُ بِهِ التُّرْبا
نُحاذِرُ مِنْ حَيَّيْ سُلًيْمٍ وَعَامِرٍ … أَناسيَّ لا يَرْضَوْنَ غيرَ الظُّبا صَحْبا
إذا خَلَّفَتْ بَطْحاءَ نَجْدٍ وراءَها … فلسنا بِمَنّاعِينَ أن تَقِفَ الرَّكْبا
فأَينَ وَمِثلي لا يَغُشُّكَ، ماجِدٌ … نَصولُ بِهِ كالعَضْبِ مُحْتَضِاً عضْبا
لَهُ هَمَّة ٌ غَيْري على المَجْدِ بَرَّحَتْ … بِنَفسٍ على الأيّامِ مِنْ تيهها غَضى
وإن يَكُ في نَجْديِّ قَيسٍ بَسَالة ٌ … فإنِّي ابنُ أرضٍ تُنْبِتُ البَطَلَ النَّدبا
يَعُدُّ إباءَ الضَّيْمِ كِبْراً، وطالما … أَبينا فلم نَعْثُر بِأَذيالنا عُجبا
ولكنّنا في مَهْمَة ٍ تُعْجِلُ الخُطا … على وَجَلِ، هُوجُ الريَّاحِ به نُكبا
إذا طالَعَتنا مِنْ قُرَيْشٍ عِصابة ٌ … وَشافَهْنَ من أَعْلامِ مَكَّتِها هَضْبا
نَزَلْنَ مِنَ الوادي المُقَدَّسِ تُربُهُ … بِآمِنِهِ سِرْباً وَأَعْذَبِهِ شِرْبا
وفي الرَّكْبِ منْ يَهوى العُذَيْبَ ومَاءَهُ … وَيُضِمرُ أحياناً على أَهْلِهِ عَتبا
وَيَصْبو إلى واديهِ والرَّوْضُ باسِمٌ … يُغازِلُهُ عافي النَّسيمِ إذا هَبّا
ووَاللهِ لولا حُبُّ ظَمياءَ لم يَعُجْ … عَليهِ، ولم يَعرِف كِلاباً ولا كَعَبا
وما أُمُّ ساجي الطَّرْفِ مالَ بِهِ الكَرى … على عَذَباتِ الجزعِ تَحسَبُهُ قُلبا
تُراعي بإحدى مُقْلَتَيْها كِناسَها … وَتَرْمي بِأُخْرى نَحْوَهُ نَظَراً غَرْبا
فَلاحَ لَها مِنْ جانِبِ الرَّمْلِ مَرْتَعٌ … كَأَنَّ الرَّبيعَ الطَّلْقَ ألبَسَهُ عَصْبا
فَمالَت إليهِ، وَالحَريصُ إذا عَدَت … بهِِ طَورَهُ الأطماعُ لم يَحْمَد العُقْبى
وَآنَسَها المَرْعى الأنيقُ وَصادَفَتْ … مدى العينِ في أرجائه بلداً خصبا
فَلَمّا قَضَتْ مِنْهُ اللُّبانَة َ راجَعَتْ … طَلاها ، فَأَلْفَتْهُ قَضى بَعْدَها نَحْبا
أُتيحَ لَها عاري السَّواعِدِ لَمْ يَزَلْ … يَخوضُ إِلى أَوْطارِهِ مَطْلَباً صَعْبا
فولَّتْ على ذعرٍ وبالنِّفسِ ما بها … من الكربِ لا لقيِّتُ في حادثٍ كربا
بِأَوجَدَ مِنّي يَومَ عَجَّتْ رِكابُها … لِبَيْنٍ فَلَمْ تَتْرُكْ لِذي صَبْوَة ٍ لُبّا
وَما أَنسَ لا أَنسَ الوَداعَ وَقد بدَت … تُغَيِّضُ دَمْعاً فاضَ وابِلُهُ سَكْبا
مُهَفْهَفَة ٌ لم تَرْضَ أَتْرابُها لَها … بِبَدْرِ الدُّجى شِبْهاً ، وَشَمْسِ الضُّحى تِرْبا
تَنَفَّسُ حتّى يُسلِمَ العِقْدَ سِلْكُهُ … وَأَكْظِمُ وَجْداً كادَ يَنْتَزِعُ الخِلْبا
وَتُذري شَآبيبَ الدُّموعِ كَأَنَّما … أَذابَتْ بِعَيْنَيْها النَّوى لُؤْلُؤاً رَطْبا
وما كُنتُ أَخشى أَنْ أُراعَ لحادِثٍ … مِنَ الدَّهْرِ ، أَوْ أَشْكو إِلى أَهْلِهِ خَطْبا
وَقَدْ زُرتُ من أفناءِ سَعدٍ وَمالكٍ … ضَراغِمَة ً تُغرى ، كِنانيَّة ً غَلبا
مِنَ القَوْمِ يُزْجِي الرّاغِبونَ إِلَيْهِمُ … على نَصَبِ المَسْرى ، غُرَيريَّة ً صُهبا
لَهُمْ نَسَبٌ رَفَّـْت عليهمْ فُروعُهُ … وَبَوَّأَهُمْ مِنْ خِنْدِفٍ كَنَفاً رَحبا
إذا ذَكَروهُ أَضمَرَ العُجْمُ إحنة ً … عليهمْ ، وَأَصْلى جَمْرَة َ الحَسَدِ العُرْبا
وَإنْ سِئلوا عَمَّنْ يُديرُ على العِدا … رَحى الحَرْبِ فيهم أَو يكونُ لَها قُطبا
أشاروا بِأَيديهم إلى خَيرهِمْ أَباً … وأَطوَلِهم باعاً، وَأرحَبِهم شَعبا
إلى مُدلِجيِّ رَدَّ عن آلِ جَعفَرٍ … صُدورَ القَنا وَالجُردَ شازِبَة ً قُبّا
وقابَلَ بِالحُسنى إساءَة َ مُجرِمٍ … فَودَّ بَريءُ القَومِ أَنَّ لهُ ذَنبا
تُراقُ دِماءُ الكُومِ حَوْلَ قِبابِهِ … إِذا راحَ شَوْلُ الحَيِّ مُقْوَرَّة ً حُدْبا
وَيَسْتَمْطِرُ العافونَ مِنْهُ أَنامِلاً … أَبى الجُودُ أَن يَسْتَمطِروا بَعْدَها سُحبا
رأَى عِنْدَهُ الأعداءُ مِلْءَ عُيونِهِمْ … مَناقِبَ لَو فازُوا بِها وَطِئو الشُّهبا
فَوَدُّوا مِنَ البَغْضاءِ أَنَّ جُفونَهُمْ … عَقَدْنَ بِهُدبٍ دونَ رُؤيَتِها هُدبا
ولم يُتلعُوا أعناقَهُم نَحْوَهُ هَوى ً … ولا عَفَّروا تلكَ الجِباهَ لهُ حُبّا
ولكنّهمْ هابُوا مَخالِبَ ضَيْغَمٍ … يَجوبُ أَديمَ الأرضِ نَحْوَهُمُ وَثْبا
أَبا خالدٍ إِنّي تَرَكْتُهُمُ سُدًى … وَأَحْسابُهُمْ فَوْضَى ، وَأَعْراضُهُمْ نُهْبى
وَصَدَّقَ قَوْلي فيكَ أَفْعالُكَ الّتي … أَبَتْ لِقَريضي أَنْ أُوَشِّحُهُ كِذْبا
وَهَزَّكَ مَدْحٌ كادَ يُصيبُكَ حُسْنُهُ … وَفي الشِّعْرِ ما هَزَّ الكَريمَ وَما أَصْبَى
يُحَدِّثُ عنهُ البَدْرُ بِالشَّرْقِ أَهْلَهُ … وَيَسألُ عنه الشَّمسَ مَنْ سَكَنَ الغَرْبا
وَمَنْ لم يُراقِبْ ربَّهُ في رَعيَّة ٍ … أّخِشَّتُهُ تُدمي عَرانينُهُم جَذَبا
فإنَّكَ أَرْضَيْتَ الرّعايا بِسيرَة ٍ … تَحَلَّتْ بِها الدُّنيا وَلَمْ تُسْخِطِ الرَّبّا