أوَدُّ مِنَ الأيّامِ مَا لا تَوَدُّهُ … وَأشكُو إلَيهَا بَيْنَنَا وَهْيَ جُنْدُهُ
يُباعِدْنَ حِبّاً يَجْتَمِعْنَ وَوَصْلُهُ … فكَيفَ بحِبٍّ يَجْتَمِعنَ وَصَدُّهُ
أبَى خُلُقُ الدّنْيَا حَبِيباً تُديمُهُ … فَمَا طَلَبي مِنهَا حَبيباً تَرُدّهُ
وَأسْرَعُ مَفْعُولٍ فَعَلْتَ تَغَيُّراً … تَكَلفُ شيءٍ في طِباعِكَ ضِدّهُ
رَعَى الله عِيساً فَارَقَتْنَا وَفَوْقَهَا … مَهاً كُلها يُولَى بجَفْنَيْهِ خَدُّهُ
بوَادٍ بِهِ مَا بالقُلُوبِ كَأنّهُ … وَقَدْ رَحَلُوا جِيدٌ تَنَاثَرَ عِقدُهُ
إذا سَارَتِ الأحداجُ فَوْقَ نَبَاتِهِ … تَفَاوَحَ مِسكُ الغانِياتِ وَرَنْدُهُ
وَحالٍ كإحداهُنّ رُمْتُ بُلُوغَهَا … وَمِنْ دونِها غَوْلُ الطريقِ وَبُعدُهُ
وَأتْعَبُ خَلْقِ الله مَنْ زَادَ هَمُّهُ … وَقَصّرَ عَمّا تَشتَهي النّفس وَجدُهُ
فَلا يَنحَلِلْ في المَجدِ مالُكَ كُلّهُ … فيَنحَلَّ مَجْدٌ كانَ بالمالِ عَقدُهُ
وَدَبِّرْهُ تَدْبيرَ الذي المَجْدُ كَفُّهُ … إذا حارَبَ الأعداءَ وَالمَالَ زَنْدُهُ
فَلا مَجْدَ في الدّنْيَا لمَنْ قَلّ مَالُهُ … وَلا مالَ في الدّنيا لمَنْ قَلّ مَجدُهُ
وَفي النّاسِ مَنْ يرْضَى بميسورِ عيشِهِ … وَمَرْكوبُهُ رِجْلاهُ وَالثّوْبُ جلدُه
وَلَكِنّ قَلْباً بَينَ جَنْبَيّ مَا لَهُ … مَدًى يَنتَهي بي في مُرَادٍ أحُدُّهُ
يَرَى جِسْمَهُ يُكْسَى شُفُوفاً تَرُبُّهُ … فيَختارُ أن يُكْسَى دُرُوعاً تهُدّهُ
يُكَلّفُني التّهْجيرَ في كلّ مَهْمَهٍ … عَليقي مَرَاعِيهِ وَزَاديَ رُبْدُهُ
وَأمْضَى سِلاحٍ قَلّدَ المَرْءُ نَفْسَهُ … رَجَاءُ أبي المِسْكِ الكَريمِ وَقصْدُهُ
هُما ناصِرَا مَنْ خانَهُ كُلُّ ناصِرٍ … وَأُسرَةُ مَنْ لم يُكثِرِ النّسلَ جَدُّهُ
أنَا اليَوْمَ مِنْ غِلْمانِهِ في عَشيرَةٍ … لَنَا وَالِدٌ مِنْهُ يُفَدّيهِ وُلْدُهُ
فَمِنْ مَالِهِ مالُ الكَبيرِ وَنَفْسُهُ … وَمِنْ مَالِهِ دَرُّ الصّغِيرِ وَمَهْدُهُ
نَجُرّ القَنَا الخَطّيّ حَوْلَ قِبَابِهِ … وَتَرْدي بِنا قُبُّ الرّباطِ وَجُرْدُهُ
وَنَمْتَحِنُ النُّشّابَ في كلّ وَابِلٍ … دَوِيُّ القِسِيّ الفَارِسِيّةِ رَعْدُهُ
فإنْ لا تَكُنْ مصرُ الشَّرَى أوْ عَرِينَه … فإنّ الذي فيهَا منَ النّاسِ أُسدُهُ
سَبَائِكُ كافُورٍ وَعِقْيانُهُ الذي … بصُمّ القَنَا لا بالأصَابعِ نَقْدُهُ
بَلاهَا حَوَالَيْهِ العَدُوُّ وَغَيْرُهُ … وَجَرّبَهَا هَزْلُ الطّرَادِ وَجِدّهُ
أبو المِسْكِ لا يَفْنى بذَنْبِكَ عفوُهُ … وَلَكِنّهُ يَفْنى بعُذْرِكَ حِقدُهُ
فَيَا أيّها المَنْصُورُ بالجَدّ سَعْيُهُ … وَيَا أيّها المَنْصُورُ بالسّعيِ جَدّهُ
تَوَلّى الصِّبَى عَنّي فأخلَفتَ طِيبَهُ … وَمَا ضَرّني لمّا رَأيْتُكَ فَقدُهُ
لَقَدْ شَبّ في هذا الزّمانِ كُهُولُهُ … لَدَيْكَ وَشابَتْ عندَ غَيرِكَ مُرْدُهُ
ألا لَيْتَ يَوْمَ السّيرِ يُخبرُ حَرُّهُ … فَتَسْألَهُ وَاللّيْلَ يُخْبرُ بَرْدُهُ
وَلَيْتَكَ تَرْعاني وَحَيرَانُ مُعرِضٌ … فتَعْلَمَ أنّي من حُسامِكَ حَدّهُ
وَأنّي إذا باشَرْتُ أمراً أُريدُهُ … تَدانَتْ أقاصِيهِ وَهَانَ أشَدُّهُ
وَمَا زَالَ أهلُ الدّهرِ يَشْتَبِهونَ لي … إلَيْكَ فَلَمّا لُحْتَ لي لاحَ فَرْدُهُ
يُقالُ إذا أبصَرْتُ جَيْشاً وَرَبَّهُ … أمامكَ رَبٌّ رَبُّ ذا الجيشِ عبدُهُ
وَألْقَى الفَمَ الضّحّاكَ أعلَمُ أنّهُ … قَريبٌ بذي الكَفّ المُفَدّاةِ عهدُهُ
فَزَارَكَ مني مَنْ إلَيْكَ اشتِياقُهُ … وَفي النّاسِ إلاّ فيكَ وَحدَكَ زُهدُهُ
يُخَلِّفُ مَنْ لم يَأتِ دارَكَ غَايَةً … وَيأتي فيَدري أنّ ذلكَ جُهْدُهُ
فإنْ نِلْتُ ما أمّلْتُ منكَ فرُبّمَا … شَرِبْتُ بمَاءٍ يُعجِزُ الطّيرَ وِرْدُهُ
وَوَعْدُكَ فِعْلٌ قَبلَ وَعْدٍ لأنّهُ … نَظيرُ فَعَالِ الصّادِقِ القوْلِ وَعدُهُ
فكنْ في اصْطِناعي مُحسِناً كمُجرِّبٍ … يَبِنْ لَكَ تَقرِيبُ الجَوَادِ وَشَدُّهُ
إذا كنتَ في شَكٍّ من السّيفِ فابْلُهُ … فإمّا تُنَفّيهِ وَإمّا تُعِدّهُ
وَمَا الصّارِمُ الهِندِيُّ إلاّ كَغَيرِهِ … إذا لم يُفارِقْهُ النِّجادُ وَغِمْدُهُ
وَإنّكَ لَلْمَشْكُورُ في كُلّ حالَةٍ … وَلَوْ لم يكُنْ إلاّ البَشاشَةَ رِفْدُهُ
فكُلُّ نَوَالٍ كانَ أوْ هُوَ كائِنٌ … فلَحظَةُ طَرْفٍ منكَ عنديَ نِدّهُ
وَإنّي لَفي بَحْرٍ منَ الخَيرِ أصْلُهُ … عَطَاياكَ أرْجُو مَدّهَا وَهيَ مَدُّهُ
وَمَا رَغْبَتي في عَسْجَدٍ أستَفيدُهُ … وَلَكِنّها في مَفْخَرٍ أسْتَجِدّهُ
يَجُودُ بِهِ مَن يَفضَحُ الجودَ جودُهُ … وَيحمَدُهُ مَن يَفضَحُ الحمدَ حمدُهُ
فإنّكَ ما مرّ النُّحُوسُ بكَوْكَبٍ … وَقَابَلْتَهُ إلاّ وَوَجْهُكَ سَعدُهُ