أنيخاها فقدْ بلغتْ مناها … وغادرها المسيرُ كما تَراها
سلكتُ بها فجاج الأرض حتى … أضرَّ بها وأوهنها قواها
فَسَلْني كيفَ جابتها قِفاراً … وكيف فدافدها خطاها
وما أنسى الوقوف على رسومٍ … عناني في الصبابة ماعناها
قضى بوقوفه المشتاقُ فيها … وجُوهاً يا أمَيْمَة لا أراها
وقفتُ أناشِدُ الأطلال منها … ديوناً للمنازل ما قضاها
واذكر ما هنالك طيبَ عيشٍ … به تجري النفوس على مداها
جرَينا في ميادين التصابي … إلى اللّذات نستحلي جناها
فواهاً لِلّذائذ كيف ولّت … وآها من تصرمّها وآها
تدار من المدام على الندامى … كؤوسُ الراح تشرق في سناها
وألحان المثالثِ والمثاني … يُغنّيها فتطربُ في غناها
وينظما اجتماع في رياضٍ … نثار الطل يلبسها حلاها
وقد أملتْ حمائمها علينا … من الأوراقِ شيئاً من أساها
كأنَّ الوُرْقَ حين بكتْ وأبكتْ … رماها بالقطيعة من رماها
تُكَتِّمُ أدمعاً وتبوحُ وجداً … وتعرب ما هنالك عن جواها
وربَّ مديرة ٍ كأس الحميّا … أخذتُ بكفِّها ورشفتُ فاها
ومسودِّ الإهاب من الدياجي … كشَفْتُ بشهبُ أكؤسنا دجاها
وعانقت القوام اللَّدنَ منها … و عينُ الواشي يحجبها عماها
فآونة ً ترشِّفني طلاها … وآونة ترشِّفني لماها
ومن عجبٍ أذلُّ لذاتِ دلٍّ … وتسبيني المحاسن في هواها
ولي نفس متى دعيتْ لذلٍّ … نهاها عن إجابته نهاها
أبَتْ نفسي مداناة الدّنايا … وأغنتها القناعة عن غناها
وهل تستعبد الأطماع حراً … إذا عرضت له الدنيا ازدراها
ولست ألينُ والأيام تقسو … بشدَّتها ولمْ أطلبْ رخاها
وأرض يَفْرَقُ الخرّيت فيها … ويفزعُ من مهالك ما يراها
سلكتُ فجاجها ومَرَقْتَ منها … مروقَ النَّبل يبعدُ مرتماها
سليني كيف جرَّبت الليالي … وكيف عرفتها وعرفتُ داها
بلوت الناس قَرناً بعد قرنٍ … وكنتُ بها أحقَّ من ابتلاها
فلم أزدد بها إلاّ اختباراً … ولم أزدد بها إلاّ انتباها
وفي عبد الحميد بديع شعري … مناقبُ عن معاليه رواها
نعمتُ بفضله وشكرت منه … يداً لا زال يغمرني نداها
فما استعذبتُ غير ندى يديه … وما استعذبته مما عداها
فلو أني وردتُ البحر عذباً … أنِفْتُ من الموارد ما خلاها
وإنَّ الله أودع فيه معنى ً … لتسمية المكارم مذ براها
من السادات من أعلى قريشٍ … سلالة ِ خير خلق الله طه
شديد البأس ألطفَ من نسيم … تعطِّره الأزاهر من شذاها
يخوض غمارها الهيجاء خوضاً … وماء الموت يرشحُ من ظباها
ويرفع راية المنصور فيها … ويخفض من أعاديه الجباها
… إليه العزُّ يتَّجهُ اتّجاها
تريه بوطنَ الآراء تبدو … فلمْ تحجبْ لعمرك ما زراها
أرَته زينة َ الأمجاد تزهو … بأردية ِ المحاسن فارتداها
وأحيا بالعمارة كلَّ أرضٍ … وأجرى في ضواحيها المياها
وأمَّنَ بالصيانة ساكنيها … وأصبحَ فيه محميّاً حماها
حماها حيث كانت من لدنه … بعينِ عناية ٍ ممَّن رعاها
ودبَّرها بلطفٍ لا بعنفٍ … فأرشَدَها وألهَمَها هداها
… فما مدَّتْ إلى أحدٍ يداها
فَهَل من مبلغٍ عَنّي ثناءً … تقيَّ الدين يشكره شفاها
ربما أسْدى من الحُسنى إلَينا … وماعرف الأماجدَ فاجتباها
تَفرَّسَ بالرجال فزاد عِلماً … فولاّها الأمور بمقتضاها
إليك ركبتها في البحر تجري … من الفلك السوابق في سراها
تنَّفسُ بالدخان وفي حشاها … لظى نارٍ مُسَعَّرة ٍ لظاها
ويخفِقُ وهي مثل الطير سبحاً … جناحاها إذا دارت رحاها
جَرَت مجرى الرياح بلا توانٍ … فما احتاجت إلى ريحٍ سواها
وما زلنا بها حتى بَلَغنا … من الامال أقصى مبتغاها
بقيتَ لنا مدى الأيام ذخراً … نراها فيك أحسَنَ ما نراها
فمثلك في المكارم لا يجارى … ومثلك في الأكارم لا يضاهى