أنظر إلى ذاك الجدار الحاجب … ما السد فيما حدثوا عن مأرب
هو في الحديث من البناء غريبة … زان القديم جوارها بغرائب
إحدى العجائب في بلاد لم تزل … من مبدإ الدنيا بلاد عجائب
حسن الطبيعة أكملته صناعة … للنفع فيها بينات مآرب
شطر العقيق ففائض في جانب … مجرى الحياة وغائض في جانب
ألنيل خلف السد بحر غامر … لا تستقل به صغار مراكب
بلغ السوامق في النخيل فزينت … تيجانها صفحاته برواكب
والغور بين يديه مرمى شاسع … للماء في قاع كثير جنادب
لا تنتهي صفواؤه إلاإلى … نيل تجدد من شتيت مسارب
لم يحتبس نهر بسد قبله … ضخم ضخامته عريض الغارب
يجتاز من يعلوه نهجا نائيا … طرفاه تحمله ضخام مناكب
أترى هنالك في ثياب رثة … أشتات حسن جمعت في قالب
فلاحة جثمت بأدنى موقع … للظل من ذاك الطريق اللاحب
لانت معاطفها وصالت عزة … قعساء من أجفانها بقواضب
أدماء إلا أن كدرة عيشها … شابت وضاءة لونها بشوائب
هي أم طفل شق عنه طوقه … وترى نضارتها نضارة كاعب
طال المسير بها فأعيت فاستوت … تبغي الجمام من المسير الناصب
ألوت كما يلقي الضعيف بحمله … وسنى وقد يغفو ضمير اللاغب
وثوى ابنها ويداه ملؤهما حصى … ملساء يلعب في مكان صاقب
أمنت عليه والحديد حياله … كأضالع مشبوكة ورواجب
والجسر ممتد قويم لا تسرى … فيه مظنة خاطف أو سالب
لكن أبناء الجماهير ابتلوا … في الشرق من قدم بخطب حازب
للجهل فيهم سلطة أمارة … بالسوء غير بصيرة بعواقب
أودت بجيل بعد جيل منهم … لا بدع إن أودت بطفل لاعب
خدعته أصوات الهديرو … من كل ناحية بقلب واجب
مرت وكرت لا تعي وتعثرت … يمنى ويسرى بالرجاء الخائب
فتدافعت نحو الشفير وما لها … لون سوى لون القنوط الشاحب
ترنو بعين أفرغت من نورها … وتمددت أرأيت عين الهائب
فإذا شعاب النهر تذهب بابنها … في فجوة الوادي ضروب مذاهب
فاظنن بروعتها وسرعة عدوها … نحو العقيق ودمعها المتساكب
في ذلك الميقات أقبل يافع … بوسام كشاف وبزة طالب
قبل بلين الأسمر الخطي في … لون إلى صدإ المهند ضارب
من فتية الزمن الذين سما بهم … موفور آداب ويمن نقائب
وتنزهت أخلاقهم عن وصمة … بتردد مزر وجبن عائب
قد راض منهم كل شبل بأسه … فغدا كليث في الكريهة دارب
صدقت مواقفه لدى الجلى فما … دعوى الشجاعة منه دعوة كاذب
ذاك الفتى وافي ليروي غلة … بالنفس من عجب هنالك عاجب
من روعة النهر الحبيس جرت به … من مهبط عال عراض مذانب
وجمال ما يبدو له جنة … غناء في ذاك المكان العاشب
فرأى وليدا داميا متخبطا … بين المسيل وصخره المتكالب
شحذت جنادله له أنيابها … وتشبهت أمواجه بمخالب
وشجاه من أم الغريق تفجع … متدارك من موضع متقارب
ناهيك باليأس الشديد وقد غدا … كالنبح من جراه نحب الناحب
أوحى إليه قلبه من فوره … أن انتقاذ الطفل ضربة لازب
سرعان ما ألقى بوقر ثيابه … عنه وخف بعزم فهد واثب
متوغلا في الغمر ثيابه … عنه وخف بعزم فهد واثب
ما زال حتى استنفدت منه القوى … هل من مرد للقضاء للغالب
أبلى بلاء الأبسلين فلم يقع … إلا على شجب هنالك شاجب
ذهبت مروءته به غض الصبا … لله درك في العلى من ذاهب
إني أسيت على الغلام وأمه … لكن أسى متبرم أو غاضب
جزع على الأوطان من علل بها … وعلى ولاة الأمر فيها عاتب
لو عد ما فعلت جهالتنا بنا … لم يحص أكثره حساب الحاسب
أما الذي أبكي رداه بحرقة … وبمدمع ما عشب ليس بناضب
فهو الذي دعت الحمية فانبرى … متطوعا لفدى غيب شاذب
وشرى الحياة لغيره بحياته … والعصر عصر المستفيد الكاسب
هذا هو الكشاف أبدع ما يرى … في صورة من شاعر أو كاتب
وهل الفتي الكشاف إلا من رمى … مرمى ولم يخش اعتراض مصاعب
ومضى لطيفا في ابتغاء مرامه … أو غير ملو دونه بمعاطب
لا يستهين بعرض غانية ولا … ينسى أوان الضيم حق الشائب
ويكون يوم السلم خير مسالم … ويكون يوم الحرب خير محارب
فإذا دعا داعي الفداء فإنه … يقضيه أو يقضي شهيد الواجب
في ذمة المولى شهاب عاثر … تبكيه أمته بقلب ذائب
باق وإن هو غاب ساطع نوره … حتى يكاد يخال ليس بغائب
مصر تتوجه بتاج خالد … يزهو سناه على المدى المتعاقب
وتقول قد ثكلت سمائي كوكبا … لكن قدوته ولود كواكب