أمّا الشَّبابُ فقد مضتْ أيّامُهُ … واستلّ من كفّى الغداة َ زمامهُ
وتنكَّرتْ أيّامُهُ وتَغيَّرتْ … جاراته وتقوّضتْ آطامهُ
ولقد درى من فى الشبابِ حياته … أنّ المشيبَ إذا علاه حمامهُ
عوجا نحيى ّ الرّبعَ “يدللنا” الهوى … فلربَّما نفع المحبَّ سَلامُهُ
واستعبرا عنِّي بهِ إنْ خانني … جَفني فلم يمطُرْ عليهِ غَمامُهُ
فمن الجفونِ جوامِدٌ وذوارفٌ … ومن السّحاب ركامهُ وجهامهُ
دِمَنٌ رضعتُ بهنَّ أخلافَ الصِّبا … لو لم يكنْ بعدَ الرَّضاعِ فطامُهُ
ولقد مررتُ على العقيق فشفّنى … أنْ لم تُغنِّ على الغصون حَمامُهُ
وكأنّه دنفٌ تجلّد مؤنساً … عوّاده حتّى استبان سقامهُ
من بعدما فارقته فكأنّه … نشوانُ تمسحُ تربَهُ آكامُهُ
مَرِحٌ يهزُّ قناتَهُ لا يأتلي … أَشَرُ الصِّبا وغرامُهُ وعُرامُهُ
تندى على حرّ الهجير ظلالهُ … ويُضيءُ في وقتِ العشيِّ ظَلامُهُ
وكأنّما أطياره ومياههُ … للنّازليه قيانه ومدامهُ
وكأنّ آرامَ النّساءِ بأرضه … للقانِصي طَرْدِ الهوى آرامُهُ
وكأنّما برد الصّبا حوذانه … وكأنّما ورق الشّباب بشامهُ
وعَضيهة ٍ جاءتْكَ من عَبِقٍ بها … أَزرى عليكَ فلم يجُزْهُ كلامُهُ
ورماك مجترئاً عليك وإنّما … وافاك من قعر الطّوى ّ سلامهُ
وكأنَّما تَسْفي الرِّياحُ بعالِج … ماقالَ أو ما سطَّرتْ أقلامُهُ
وكأنّ زوراً لفّقتْ ألفاظهُ … سلكٌ وهى فانحلّ عنه نظامهُ
وإذا الفتى قَعدتْ به أخوالُهُ … فى المجد لم تنهض به أعماقه
وإذا خصالُ السّوءِ باعدن امرءًا … عن قومهِ لم تُدنِهِ أرحامُهُ
ولكمْ رمانى قبل رميكِ حاسدٌ … طاشَتْ ولم تخدشْ سِواهُ سِهامُهُ
ألقَى كلاماً لم يَضِرْني وانثنى … وندوبه فى جلده وكلامهُ
هيهاتَ أنْ أُلفَى رَسيلَ مُسافِهٍ … ينجو به يوم السّبابِ لطامهُ
أو أن أرى فى معركٍ وسلاحهُ … بدلَ السّيوف قذافهُ وعذامهُ
ومن البلاءِ عداوة ٌ من خاملٍ … لاخلفَه لِعُلًى ولا قُدَّامُهُ
كثرتْ مساويه فصار كمدحه … بينَ الخلائقِ عيبُهُ أوْ ذامُهُ
والخُرْقُ كلُّ الخُرقِ من متفاوتِ الـ … ـأفعالِ يَتْلو نقضَهُ إبرامُهُ
جَدِبِ الجَنابِ فجارُهُ في أزْمة ٍ … والضَّيفُ موكولٌ إليهِ طعامُهُ
وإذا علقتَ بحبله مستعصماً … فكفقعِ قَرْقَرَة ٍ يكونُ ذِمامُهُ
وإذا عهودُ القومِ كنّ كنبعهمْ … فالعهد منه يراعهُ وثمامهُ
وأنا الذى أعييتُ قبلك من رستْ … أطوادُه واستشرفتْ أعلامُهُ
وتتبّع المعروفَ حتّى طنّبتْ … جوداً على سننِ الطّريقِ خيامهُ
وتنادَرتْ أعداؤهُ سَطَواتِهِ … كاللَّيثِ يُوهَب نائياً إرزامُهُ
وترى إذا قابلته فى وجهه … كالبدرِ أشرقَ حينَ تمَّ تَمامُهُ
حتّى تذلّل بعد لأى ٍ صعبهُ … وانقادَ منبوذاً إليَّ خطامُهُ
يهدى إلى ّ على المغيب ثناؤهُ … وإذا حضرتُ أظلّنى إكرامهُ
فمضَى سَليماً مِن أداة ِ قوارضي … واستام ذمّى بعده مستامهُ
والآن يوقظنى لنحتِ صفاتهِ … من طال عن أخذ الحقوق نيامهُ
ويسومُني مالم أزلْ عن عزَّة ٍ … ونزاهة ٍ آباه حين أسامهُ
“ويلسّنى ” ولئنْ حلوتُ فإنّنى … مقرٌ وفى حنكِ العدوّ سمامهُ
فلبئسَما منَّتْه منِّي خالياً … خطراتُه أو سُوِّلتْ أحلامُهُ
أمَّا الطَّريفُ منَ الفخارِ فعندنا … ولنا من المجد التّليد سنامهُ
ولنا من البيت المحرّم كلّما … طافتْ بهِ في مَوسمٍ أقدامُهُ
ولنا الحَطيمُ وزَمْزَمٌ وتراثُنا … نِعْمَ التُّراثُ عن الخليل مَقامُهُ
ولنا المشاعرُ والمواقفُ والَّذي … تهدى إليه من منًى أنعامهُ
وبجدّنا وبصنوه دحيتْ عن الـ … ـبيت الحرامِ وزعزعتْ أصنامه
وهما علينا أَطلعا شمسَ الهدى … حتى استنار حلالهُ وحرامهُ
وأبى الذى تبدو على رغم العدا … غرّاً محجّلة ً لنا أيّامهُ
كالبدر يكسو الّليلَ أثواب الضّحى … والفجرُ شبّ على الظلام ضرامهُ
وهو الذي لا يقتضي في موقفٍ … إقدامهُ نكصٌ به أقدامهُ
حتّى كأنّ حياته هى حتفه … ووراءَه ممّا يُخافُ أمامُهُ
ووقَى الرَّسولَ على الفراشِ بنفسهِ … لمّا أرادَ حِمامَه أقوامُهُ
ثانيهِ فى كلّ الأمور وحصنه … فى النّائباتِ وركنه ودعامهُ
للَّهِ دَرُّ بلائهِ ودفاعِهِ … واليومُ يَغْشى الدَّارعين قتَامُهُ
وكأنّما أجمُ العوالى غيلهُ … وكأنّما هو بينها ضرغامهُ
وتَرى الصَّريعَ دِماؤه أكفانُهُ … وحنوطه أحجاره ورغامهُ
والموت من ماء التّرائب ورده … ومنَ النّفوسِ مَرادُه ومَسامُهُ
طلبوا مداهُ ففاتَهمْ سَبقاً إلى … أمَدٍ يشقُّ على الرِّجالِ مَرامُهُ
فمتى أجالوا للفخارِ قداحهمْ … فالفائزاتُ قِداحُهُ وسهامُهُ
وإذا الأمور تشابهت واستبهمتْ … فجِلاؤها وشفاؤها أحكامُهُ
وتَرى النديَّ إذا احتبى لقضيَّة ٍ … عوجاً إليها مصغياتٍ هامهُ
يُفْضي إلى لُبِّ البليدِ بيانُه … فيعى وينشئُ فهمه إفهامهُ
بغريبِ لفظٍ لم تُدِرْهُ أَلْسُنٌ … ولطيفِ معنًى لم يفضّ ختامهُ
وإذا التفتّ إلى التّقى صادقته … مِن كلِّ بِرِّ وافراً أقسامُهُ
فاللَّيلُ فيهِ قيامُه مُتهجِّداً … يتلو الكتابَ وفي النَّهارِ صيامُهُ
يطوي الثلاثَ تعفُّفاً وتَكرُّماً … حتّى يُصادفَ زادَه مُعْتامُهُ
وتراهُ عُريانَ اللِّسانِ منَ الخَنا … لا يهتدى للأمر فيه ملامهُ
وعلى الذى يرضى الإلهَ هجومه … وعلى الذى لا يرتضى إحجامهُ
فمضَى برئياً لم تَشِنْهُ ذُنوبُهُ … يوماً ولاظفِرتْ به آثامُهُ
ومفاخرٍ ما شئتَ إن عدّدتها … فالسَّيلُ أطبقُ لا يُعَدُّ زهامُهُ
تعلو على من رام يوماً نيلها … من يذبلٍ هضباتهُ وإكامهُ