أما آنَ للسَّلوانِ أنْ يردَعَ الصَّبّا … ولا لدنوّ الهجر أن يُبعد الحبّا
لقد أنكر الدهر العَثور صبابتي … وقد كان ألقى مهجتي للهوى خرْبا
ولمّا وَقَفْنا للوداع انْتَضتْ لنا … يدُ البَيْنِ بَدرًا مزَّقَتْ دونَهُ السُّحْبا
فأبصرتُ عرساً بين بُرديه مأتمٌ … وأوليتُ بِرًّا عادَ عندَ النَّوى ذَنْبا
وقد كنت أخشى وثبة الدّهر بيننا … ونحن من الإشفاق نستوعر العَتْبا
فكيف وقد خاض الوشاة حديثنا … وأضحَوا لنا من دون “أترابنا” صَحبا
سقى اللهُ أكنافَ اللوى مُرْجَحِنَّة ً … سحاباً يظلّ “الهضبُ من جوده خَضبا”
وأطلقَ أنفاسَ النَّسيم بجوِّهِ … فكم كَبِدٍ حرّى تَهَشُّ إذا هبّا
فعهدي بهِ لا يَهتدي البينُ طُرْقَه … ولا تَطْرقُ الأحزانُ مِن أهلهِ قَلبا
حَمَتْهُ اللّيالي عن مطالبة الرّدى … ولم أدرِ أنّ الدّهر يجعله نَهْبا
ومن ذا الذي لا يفتق الدّهر رَتْقَه … ولا تُنزل الدنيا بساحته خَطْبا؟
بربِّك يامزجي المطّية هل رعتْ … رِكابُك في سَفحِ الحِمَى ذلك الرَّطْبا؟
وهل كَرِعتْ من ذلك الحيِّ كَرْعَة ً … فقد طالما شرّدتَ عني به كَرْبا
وهل لعبت أيدي السيول بحَزْنه … وهل “سَفَت الأرواح” من سهله التُّربا؟
غرامي بأهلِ الْجَزْعِ منكَ بِنَجْوة ٍ … ولو جُزته أعيا الرّكائب والرّكْبا
شربتُ خليطَ الودِّ منهم ومَحْضهِ … فلستُ أُبالي إنْ سَقَوا غيريَ الضَّرْبا
وفيهنَّ بيضاءُ العوارض لم تلُثْ … خِمارًا ولم تعرفْ مناكبُها العَصْبا
أبحتُ هواها من سَرارة ِ مهجتي … حمى ً لو حَمَتْه همتّي لم أكن صبّا
فإن تكن الأيام “أمْحَلْنَ” وصْلَنا … فإنَّ بقلبي مِن تذكُّرها خِصْبا
عذيريَ مِن مُسْتَعْذِب صابَ بِغْضَتي … وقد وردتْ خَيلُ الصَّرى منهلاً عذْبا
“تحكّمَ” منه الضِّغنُ لمّا رعيته … رياضَ حلومٍ لم يكن نبتها عُشبا
كأنّ اللّيالي كافلاتٌ بعمرهِ … فإن قلت قد شابت ذوائبهُ شبّا
إلى كم أغضُّ الطَّرفَ منه على القَذَى … وأهلنا من حلمي قلائصَه الجَرْبي
وهَبْتُ له صَبري على هَفَوَاتِهِ … ولولا عطائي ما تملَّكَها كَسْبا
وأقسم أنِّي لو مددتُ له يدي … لطالَ على حَوْباءة ٍ تسكُنُ الجَنبا
أيا حاسدي كسب العُلا اكتسب العُلا … فإنّ المعالي ليس تأخذها عصبا
ركبتُ له والخيلُ “منك” بريئة ٌ … وأَخْصَبَ في رَبْعي وكنتَ له جَدْبا
وقلّبتُ أطراف القنا في طِرادِه … وقلبُك في شُغلٍ بتقليبهِ القُلْبا
إذا المرء لم تستصحب الحزمَ نفسُهُ … أقامت سَجاياهُ على نفسهِ إلْبا
وليسَ ينالُ المجدَ إلاّ ابنُ همَّة ٍ … أبَتْ أنْ يكون الصّعبُ في نفسه صعبا
وكم لائمٍ في المجد لا نصحَ عنده … جعلتُ جوابي عن ملامتهِ تبَّا
يلوم علي أنّي أحِنّ إلى النّدى … وليس عابَ النّدى عندي العُتبى
وما مال إلاّ ما سبقت به ردى ً … فأعطيتُه أو ما شفيتُ به صَبّا
وعندي لمن رام ابتلائيَ همة ٌ … تَرى بُعْدَ طُرْقِ المَكْرُماتِ هوَ القُربا
“مُهذِّمَة ٌ” لا يخطب الهزلَ جِدُّها … ولا تملأ الرَّوعاتُ ساحتَها رُعبا
لها شفرة لا يَكْهَمُ الدّهرُ غربَها … ولن تتركَ الأيامُ في شفرة ٍ غَرْبا
وليلٍ كأنّ البدرَ في جَنَباتِهِ … أخو خَفَرٍ يُدْني إلى وجهه سِبّا
خرقتُ حواشيه بخرقاءَ جَسْرة ٍ … ترى الصِّدقَ في عينيكَ ما وجدتْ كِذْبا
مسهَّدَة ٌ لا يطعمُ النومَ جَفنُها … ولا تبلغُ الغايات من صبرها العُقبى
إذا ما استمرَّتْ في الشّكيم تلوكُه … كسا مشفراها عاريات الرُّبا عُطبا
أقولُ إذا أَقنى الدُّؤوبُ تَجَلُّدي: … ألا ربَّ تَصديع ملكتُ به الشِّعبا
ولا بدَّ لي من نهضة ٍ في لُبانهٍ … أُميتُ القَنا فيها وأُحْيِي بهِ النَّحْبا
فإنْ أبلغِ القُصوى فشيمة ُ ماجدٍ … وإن تنبُ أسيافي فلن أدع الضّربا