ألِّما على لَوْمي وَجدّاً مُجَدَّداً … فإنّي لأدري ما الضلال وما الهدى
فمن مبلغُ السلوان عنّي بأنني … فَنْيتُ وشَوقي لا يزال مُخَلَّدا
عذولي انتصاح منك لا أستفيده … ومن عَدَّه عدلاً فقد جار واعتدى
وما كان أدرى بالذي قد دَرَيْتُه … واخطأ ذاك العذل لما تعمّدا
أعلِّل نفسي بالعذيب وكلَّما … أرَدْتُ به إطفاءَ وَجدي تَوَقّدا
خليليَّ ضاع القلبُ هل تعرفانه … مشوق فؤادي عندما رحلوا فدى
وما أسفي إلا على عمر مغرم … قضاه ولكنْ في تبعدكم سُدى
ولم تدر أجفاني بكم سنة الكرى … وما زال طرفي في هواكم مسهدا
وآهٍ على يوم قضى الأنسُ نحبه … توسَّد عرفان الهوى إذ توسدا
ليالي فيها العيش كان اخضراره … رقيق الحواشي بالمطالب أوردا
أخلاّي كم جاد الزمان بنيلها … وهل كان طرف الدهر عنهنّ أرمدا
وأوْرَدَنا صفوَ المنى فكأنّه … على وجنة الأيام كان تورَّدا
قسا قلبكم عني ولا غرو حيث لي … حظوظٌ تعيد الماءَ إذ ذاك جلمدا
وما كنتُ لولا الحظّ أحظى لأنّني … قدحتُ زناد الجدّ فيكم فأصلدا
تمادى مداكم استمرَّ على الجفا … وقد كادَ أن يقضي مداكم على المدى
ومَن لعليل أنحفَ السقمُ جسمه … تردّى ولكن من ضنى وجده ردا
وإنَّ اصطباري بعد طول بعادكم … دعا جلداً منه يبين التجلدا
أعيدا لها ذكر الديار لعلها … تبلّغني تلك المعاهد مقصدا
ولما أتَتْ تلك الطلول ورسمها … غدت تشتكي شكوى الفراق كما غدا
أنادي الحمى بالنوح عن ساكن الحمى … فيا حبّذا لو أنَّه يسمع الندا
تكرُّ به الأشواق من كلّ جانب … إذا كرر الذكرى لديه ورددا
وما مر بالجرعاء إذ عاد ذكره … أعاد عليه وَجْدَه فتجددا
بياض محيّا ذلك العيش بعدكم … فما زال ذاك الوجه أغبر أسودا
رأى البين مجموعاً على القرب شملنا … فبدَّده منّا النوى فتبَّددا
شذا ورد ذاك الوصلم روض قربكم … هار اشتياقي كلما هب غردا
ونشواتكم ما قد أفاق ولا ارعوى … غدا مثل ما أمى اوأمسى كما غدا
وقد جاب وعر الشوق في بيد هجركم … ومن زاد تقواه عن العزل زوّدا
أضلُّ فإهدى في هواكم وينثني … إليَّ هوى ً يهدي عياناً ويهتدى
رشاد عبيد الله للحقّ إنّه … سنا نورِ رشدٍ فيه يستأنس الهدى
درى كل علم في الوجود وجوده … ولم تدر يمناه سوى السيف والندى
يحل عقود المشكلات برأيه … إذا أشكل المعنى الدقيق وعقدا
وأحيا دورس العلم درسه … بدت فيه آثار الفضائل مذ بدا
لعمرك فليفخر على السؤدد امرؤٍ … يرى السؤدد العلياء مجداً وسؤؤدا
وأفصحَ من نهج البلاغة منطقاً … تخرّ له الأقلام في الطرس سجّدا
به استسهلوا حزن العلوم ووعرها … وأيسرُ شيء عنده ما تشدّدا
إذ أضرمتْ أعداؤاه نارَ باطلٍ … أثار عليها الحقَّ يوماً فأخمدا
فلو رام أسباب السماء لنالها … وسار بمضمار المرام وما كدا
وما مال إلاّ للعبادة والتقى … كأنْ عنه شيطان الوساوس صُفِّدا
وماهو إلاّ قطب دائرة العلى … إمامٌ لأرباب الطريقة مقتدى
تنيل نوال اليمن يمناه بسطها … وما مدَّ إلا نحو خالقه يدا
ولم تبلغ الآمال في غير ماله … وفي غير ذاك العذب لا ينقع الصدى
ألا يا سحاباً أغرق الوفدَ غيثه … لظامي الندى كانت أياديه موردا
فلو حاول المجد الأثيل مقامه … لحاول ذاك المجد بالمجد أمجدا
مكارم طبع في علاه ظهورها … وكان لهاتيك المكارم موعدا
وأنْبتَّ بالتقوى بأحسن منبتٍ … وقد طاب أصلاً مثلما طاب محتدا
يقضي لعمر الله صوماً نهاره … ويحيي لياليه دعاً وتعبُّدا
ولما أدَّعى ما إنْ أتى الدهر مثله … فأتبع فيما يدّعيه وقلدا
وأشرع للشرع الحنيف مناهجاً … قواعد دين الله أضحى ممهدا
تصرّفه في باطن الحال باطن … إلى الرشد أصحاب الحقيقة أرشدا
ومتّبع شرعاً لما هو ذاهبٌ … ومَذْهَبُه ينحو طريقة أحمدا
وما كان إلاّ حين يسأل رده … بأسرع من حاك يجاوبه الصدى
وأدرك ممن فضله يملأ الفضا … تعد أياديه بألسنة العدى
ولله فيما قد أنالك حكمة … فأعدم فيك الجهل والعلمَ أوجدا
سَعَيْتَ ويجدي السعد بالسعي ربه … وأصبَحتَ في صدر السعادة أسعدا
فيا زهر روض أنتم زهر كمِّهِ … لقد ماس غصن الفخر فيكم تأوّدا
ظهرتم ولا يخفى ممن الشمس نورها … وحادي انتشار الذكر في ذكركم حدا
إذا ما مضى منكم عن المجد سيّدٌ … أقام لكم في موقف الفخر سيّدا
وذكرك حتى يقضي الله أمره … على طول ما طال الزمان تأبَّدا
أبَّرتْ على ما تدعيه يمينها … مَتى تقسم الأيام إنَّك مفردا
ولما دعاك الأصلُ يوماً لفرعه … وردتَ فما أبقيت للناس موردا
رواة المعالي عن جنابك أخبروا … حديثاً عنالعلياء صحّ وأسندا
ويورد عنك المدح والحمد كلّه … كمالك يروينا كما لك أوردا
غياث وغوث لا يجارى جواده … وملجأ من آويت كنت ومنجدا
ونلت بتوفيق العناية رتبة … عدوَّك يلقى دونها مورد الردى
وحسب الذي عاداك فيما يرومه … جعلت عليه ليل هجرك سرمدا
على رغم من عاداك قلت مؤرِّخاً … بفتوى عبيد الله لا زال يقتدى