ألَستَ تَرَى ما في العُيونِ من السُّقْمِ، … لقد نحلَ المعنى المدفَّقُ من جسمي
وأضعَفُ ما بي بالخصورِ من الضّنا، … على أنّها من ظلمِها غصبتْ قِسمي
وما ذاكَ إلاّ أنَّ يومَ وَداعِنا … لقَد غَفَلَتْ عينُ الرّقيبِ على رُغمِ
ضممتُ ضنا جسمي إلى ضُعفِ خصرِها … لجنسية ٍ كانتْ لهُ علّة َ الضّمِّ
رَبيبَة ُ خِدْرٍ يجرَحُ اللّحظُ خدَّها، … فوَجنَتُها تَدمَى وألحاظُها تُدمي
يُكَلّمُ لَفظي خدّها إن ذَكَرْتُهُ، … ويؤلمُهُ إنْ مرّ مرآهُ في وهمي
إذا ابتسمتُ، والفاحمُ الجعْدُ مسبلٌ، … تُضِلُّ وتَهدي من ظَلامٍ ومن ظَلمِ
تَغَزّلتُ فيها بالغَزالِ، فأعرَضَتْ، … وقالتْ: لعمري هذهِ غاية ُ الذّمِّ
وصدتْ، وقد شبهتُ بالبدرِ وجهها … نفاراً، وقالتْ صرتَ تطمعُ في شتمي
وكم قد بذلتُ النفسَ أخطبُ وصلَها، … وخاطَرتُ فيها بالنّفيسِ على عِلمِ
فلمْ تلدِ الدّنيا لنَا غيرَ ليلة ٍ … نعمتُ بها ثمّ استمرتْ على العقْمِ
فَيَا مَن أقامَتني خَطيباً لوَصفِها، … أُرَصّعُ فيها اللّفظَ في النّثرِ والنّظمِ
خذي الدُّرّ من لَفظي فإن شئتِ نظمَه … وأعوزَ سِلكٌ للنّظامِ فها جِسمي
ففيكِ هدرتُ الأهلَ والمالَ والغِنى … ورتبَة َ دَسْتِ المُلكِ والجاهِ والحُكمِ
وقلتِ لقد أصبحتَ في الحيّ مفرداً، … صَدقتِ، فهلاً جازَ عَفُوك في ظُلمي
ألمْ تشهدي أنّي أمثلُ للعِدَى … فتسهرَ خوفاً أن ترانيَ في الحُلْمِ
فكمْ طمِعوا في وحدتي فرميتهُمْ … بأضيَقَ من سُمٍّ وأقتَلَ من سُمّ
وكم أججوا نارَ الحروبِ وأقبلوا … بجيشٍ يصدُّ السيلَ عن مربضِ العصمِ
فلم يسمعوا إلاّ صليلَ مهنّدي، … وصوتَ زَئيري بينَ قعقَعة ِ اللُّجمِ
جعلتهمُ نهباً لسيفي ومقولي، … فهُمْ في وبالٍ من كلامي ومن كلمي
تودُّ العِدى لو يحدقُ اسمُ أبي بِها، … والاّ تفاجا في مجالِ الوغي باسمي
تُعَدّدُ أفعالي، وتلكَ مَناقِبٌ، … فتذكرني بالمدحِ في معرضِ الذّمِّ
ولو جحدوا فعلي مخافة َ شامتٍ … لنمّ عليهم في جباههمُ وسمي
فكَيفَ ولم يُنسَبْ زَعيمٌ لسِنبِسٍ … إلى المجدِ إلاّ كانَ خاليَ أو عمّي
وإن أشبهتَهُمْ في الفخارِ خلائقي … وفعلي فهذا الرّاحُ من ذلكَ الكرمِ
فقُلْ للأعادي ما انثَنيْتُ لسبّكم، … ولا طاشَ في ظنّي لغَدرِكمُ سَهمي
نظرنا خطاياكُم، فأغريتُمُ بِنا، … كذا من أعان الظّالمينَ على الظُّلْمِ
أسأتُم، فإنْ أسخَطْ عليكُم فبالرّضَى ، … وإن أرضَ عنكم من حيَائي فبالرّغمِ
لجأتُ إلى رُكْنٍ شَديدٍ لحَرْبكُم، … أشُدُّ به أزري وأعلي بهِ نَجمي
وظَلْتُ كأنّي أملِكُ الدّهرَ عِزَّة ً، … فلا تَنزِلُ الأيّامُ إلاّ على حُكمي
بأروعَ مبنيٍّ على الفَتحِ كفُّهُ، … إذا بُنِيَتْ كَفُّ اللّئيمِ على الضّمْ
مَلاذي جلالُ الدّينِ نجلُ محاسنٍ، … حليفُ العفافِ الطّلقِ والنّائلِ الجَمِّ
فتًى خلِقتْ كَفّاهُ للجُودِ والسَّطا، … كما العَينُ للإبصارِ والأنفُ للشّمِّ
لهُ قَلَمٌ فيهِ المَنيّة ُ والمُنى ، … فدِيمتُهُ تهمي وسطوتُهُ تصمي
يراعٌ يروعُ الخطبَ في حالة ِ الرّضَى ، … ويُضرِمُ نار الحربِ في حالَة ِ السّلمِ
وعَضبٌ كأنّ الموتَ عاهدَ حَدَّهُ، … وصالَ، فأفنى جِرْمُهُ كلَّ ذي جِرْمِ
فَيَا مَن رَعانا طَرفُهُ، وهوَ راقِدٌ، … وقد قَلّتِ النُّصّارُ بالعَزْمِ والحزْمِ
يدُ الدّهرِ ألقتنا إليكَ، فإنْ نُطِقْ … لها مَلمساً أدمَى براجمهَا لَثمي
أطَعتُكَ جُهدي، فاحتَفِظْ بي فإنّني … لنَصرِكَ لا يَنفَلُّ جَدّي ولا عَزمي
فإن غبتَ، فاجعلْ لي وَلياً من الأذَى ، … وهيهاتَ لا يُغني الوَليُّ عن الوَسْمي