ألم أتحدّثْ والحديثُ شجونُ … بما كان منكم أنه سيكونُ
وأعلمكم أن الليالي رءوسها … وإن صعبت شيئا فسوف تلينُ
وأزجر طير اليمن فيكم عيافة ً … فتجري لكم بالخير وهي يمينُ
وأعلم أنّ الله في نظم أمركم … كفيلٌ برعي المكرماتِ ضمينُ
بشائرُ صدقٍ لم تخب ولوايحٌ … من الرشدِ لم تكذبِ لهنّ عيونُ
وما الغيبُ طبيّ فيكمُ غيرَ أنني … ظننتُ وظنُّ الألمعيّ يقينُ
وغرَّ الأعادي والجدودُ سوابقٌ … بكم أن هفا من بينهن حرونُ
وأن رفعتْ صيفيّة ٌ حلبيَّة ٌ … تحلُّ حلولَ الطيف ثم تبينُ
فما كلّ جوّ خادعَ العينَ ماطرٌ … وإن نشأت منه سحائبُ جونُ
سمت أعين مغضوضة وتوسَّعتْ … أمانٍ لهم مكذوبة ٌ وظنونُ
ونمَّت قلوبٌ كاتماتٌ بسرّها … وطالعَ داءٌ في الضلوع دفينُ
وحدّث فيها بالفكاكِ ضميره … أسيرُ ببغضاء الكرام رهينُ
خبيثُ المطاوي شرُّه دون خيرهِ … إذا اغتبط الأحرارُ فهو حزينُ
نزى نزوة الأفعى القصير فعاقه … طريق بنيران الرقاة دخينُ
ومرتصد ذو كلبتين بفيهما … إلى نابه وهو السّمامُ حنينُ
تمنَّى تماما فيكمُ وهو ناقصٌ … وطاولكم بالكبر وهو مهينُ
وأطمعه فيكم وقورُ حلومكم … وبشرٌ لكم عند اللقاء ولينُ
ولم يدر أن الزَّند أملس ليِّنا … يمسُّ وجسم النار فيه كمينُ
تطرَّفَ يبغى الصيدَ حول بيوتكم … وشرُّ مكانٍ للقنيص عرينُ
وناطحَ منكم صخرة لا يُزلُّها … من الرأس وحفُ الوفرتين دهينُ
تطامنْ فقد أقصاكَ عن موطن العلا … ولو كنتَ فوقا أن نفسك دونُ
ولا تحسبنَّ الخلف يصلح بيننا … فربَّ يمينٍ بالفسوقِ تمينُ
وقعتْ ذنابي في العلا وأكارعا … فأخفتك فيها أظهر وبطونُ
وما كلُّ حصباءِ البحار جواهرٌ … ولا كلُّ أعضاءِ الجسوم عيونُ
ولا المجدُ إلا دوحة ٌ فارسيّة ٌ … لها من بني عبد الرحيم غصونُ
هم المانعونَ الجارَ ترمحَ ظهره … على الوتر عسراء المراس زبونُ
مزمجرة ٌ تغلى الحقائدُ وسطها … رحاها لحبّات القلوب طحون
إذا سال واديها فلا الطودُ معقلٌ … لناجٍ ولا الحصنُ الأشمُّ حصينُ
فباتَ عزيزا لا يداس ترابهُ … وجارُ رجالٍ آخرين يهونُ
تراه على قرب المدى مقل لنا … بعيدا خفيَّ الشخص وهو يبينُ
بنوا في جوار الشمس بيتا عقابهُ … على المرتقي خشنُ الظهورِ حزونُ
بنوه قطينا بالنجوم مشيّدا … إذا حجرٌ شادَ البيوتَ وطينُ
ميامين بسّامون والجوّ قاطبٌ … مساميحُ والبحر الجوادُ ضنينُ
إذا سئلوا لم ينكتوا بعصيِّهم … ولم يعتقوا بالعذرِ وهو مبينُ
ولا يحسبون البخلَ يخلدِ ربَّه … ولا حينُ نفسٍ بالعطاء يحينُ
نمى المجدُ منهم كلَّ أغلبَ ناهضٍ … له الحزم تربٌ والحسامُ قرينُ
سقى الفخرُ عرقيه وتمَّ فؤاده … علاً باعثٌ من نفسه ومعينُ
إذا جئته مسترضعا درَّ كفه … حلبتَ وما كلُّ الأكفّ لبونُ
كفى بأبي سعدٍ عليهم طليعة ً … تريك كمالَ المرء كيف يكونُ
فتى عذبت أخلاقه فكأنّه … ضعيفٌ وحبلُ العزم منه متينُ
وحمَّل أعباءَ السيادة يافعا … فقام قويٌّ في الخطوب أمينُ
وقى الملكَ من آرائه البيض ما وقتْ … سوادَ العيونِ الرامقات جفونُ
ولما هفتْ أمسِ الحلومُ بربِّها … وشووِرَ مدخولُ الحفاظِ صنينُ
ونيطت قلاداتُ الأمور بغيره … وبين الرجال في التّحدّث بونُ
درى الملك أيُّ الساعدين يمينه … وأيَّ حساميه يفي ويخونُ
وأيُّ الجيادِ السابقاتُ وأيّها … قيامٌ بأكتاد الكلالِ صفونُ
حمى السِّربَ بالجماء يبغى ذيادها … فيالكَ نطحا لو يكون قرونُ
فعاد على الأعقاب يقرقُ كفَّه … له الهمُّ خدنٌ والندامة ُ دينُ
يلمُّ انتشارَ الحبلِ من حيثُ حلَّه … ويجبر من حيث اعترته وهونُ
ويعطى صقالاً ما استطاعَ وحلية ً … ظباً لم تدنَّس فوقهن جفونُ
تزين بعطفيك الحمائلَ والكُسى … وغيرك محبوّاً بهنَّ يشينُ
ويمطيك إعظاما قراً كلِّ سابقٍ … مكانك منه في العلاء مكينُ
منى ً إن تراءتك اللواحظُ فوقه … فأمَّا على الأعداء فهو منونُ
نسجنا لما ألبستَ فهي تمائمٌ … تحوطك من غشِّ الردى وتصونُ
وعطفا على الأمر الذي لك قاده … نزاعٌ إلى أوطانه وحنينُ
فككتَ وقد راجعته عنقه وفي … حبالهمُ شكوى لهم وأنينُ
فداؤك من يشقى بسعدك جدُّه … ويحييك طيبُ الذكر وهو دفينُ
إذا ما رآك اعتاضَ لوناً بلونه … ودير به حتى يقال جنونُ
يساميك لا كسرى أبوه ولا لهال … مدائنُ دارٌ والجبالُ حصونُ
يعُدُّ أباً في الملك أوقصَ لم يطل … له بنجادٍ عاتقٍ ووتينُ
ولا صرَّ أعوادُ السرير به ولا … تغضَّن تحت التاج منه جبينُ
بعثت بآمالي الغرائبِ نحوكم … ومغناكمُ أنسٌ لها وقطينُ
فما لبث الغادي الخميصُ بجوّكم … يطوِّفُ حتى راحَ وهو بطينُ
وكم حملتنا نبتغي المجد عندكم … أو الرفدَ فتلاءُ الذراع أمونُ
بنيَّة ُ عامٍ وابنُ عامين قارحٌ … تشابه نسعٌ فوقه ووضينُ
نواحلُ مُدَّتْ كالحنايا شخوصنا … عليها سهامٌ والظلام طعينُ
إذا ذرعت من نفنفٍ عرضه انبرتْ … نفانفُ لم تُذرع لهن صحونُ
وإن علقت حبل الدجى عاد متنه … بأسحمَ لا تبقى عليه متونُ
تعجُّ بأثقال الرجاء كأنها … عواتمُ في بحر السراب سفينُ
إلى أن حططنا والثرى روضة ٌ بكم … وماءُ الندى للواردين معينُ
بجودكم استعلت يداي وأعذبت … بفيَّ نطافُ المدح وهو أجونُ
لكلّ قبيلٍ من بني المجد شاعرٌ … يزيد علاهم رفعة ً ويزينُ
ومنّى لكم كفٌّ وسيفٌ وجُنة ٌ … وخلٌّ وعبدٌ شاكرٌ وخدينُ
وفى لي هذا الشعرُ فيكم وإنه … خذولٌ لبعض القائلين خئونُ
بقيتُ له وحدي فلى عظمُ شأنه … وللناس فيما يخبطون شئونُ
وكم غرت من قوم ولي في بيوتكم … غرائبُ أبكارٌ تزفُّ وعونُ
تهشُّ لها الأسماعُ شوقا كأنها … وإن بعدت منها اللُّحونُ لحونُ
على أنها ملذوعة ٌ بجفائكم … عطاشٌ أواناً والسحابُ هتونُ
وغضبى بأن تلوى لديكم وتقتضى … حقوقٌ لها ممطولة ٌ وديونُ
وكم ثوبِ عزّ أغفل القسمث حظَّه … وقد غضَّ منه والتغافلُ هونُ
ووعدٍ ولم ينجزه أمسِ لعلّه … من اليوم أن يلقى النجاح قمينُ
صبرتُ لعام الجدب والظُّلمُ كلُّه … مع الخصب أن أضوى وأنت سمينُ
ولا بدّ من قسمي إذا نعمة ٌ طرت … ومن أثرٍ فيها عليّ يبينُ
ومن لبسة ٍ تشجا صدورٌ بغيظها … عليّ وترنو للجمال عيونُ
فلا تجعلوها عن كريم استماعكم … بمزلقة ٍ إن الكريم أذينُ
أناقشكم قولا وسرِّي سامحٌ … وشرِّي وإن حاف اللسان أمينُ
وأنفخُ بالشكوى وقلبي شاكر … وكم حركاتٍ تحتهنّ سكونُ
شريتكمُ بالناس مغتبطا بما … ملكتُ إذا عضَّ البنان غبينُ
وملَّكتكم نفسي فربُّوا جوارها … وغالوا بها إن العزيزَ ثمينُ
فليت صريحَ الودّ بيني وبينكم … فداه دخيلٌ في الوداد هجينُ
وليتَ الليالي بعد أن قد ولدنكم … عقمنَ فلم تُنجب لهنّ بطونُ