أصابَ المجاهدُ عقبى الشهيد … وألقى عَصاه المضافُ الشَّريد
وأمسى جماداً عدوُّ الجمود … وباتَ على القيد خَصمُ القيود
حداه السفارُ إلى منزلٍ … يلاقي الخفيفَ عليه الوئيد
فقرَّ إلى موعدٍ صادقٍ … معزُّ اليقينِ مذلُّ الجحود
وباتَ الحواريُّ من صاحبيهِ … شَهيدَيْن أَسْرَى إليهم شهيد
تسربَ في منكبيْ مصطفى … كأمسِ ، وبينَ ذراعيْ فريد
فيا لَكَ قبراً أكَنّ الكنوزَ … وساجَ الحقوقَ، وحاط العهود
لقد غيَّبوا فيك أَمضى السيوفِ … فهل أنت يا قبرُ أوفى الغمود ؟
ثَلاثُ عقائدَ في حفرة ٍ … تَدُكُّ الجبالَ، وتُوهِي الحديد
فعدنَ فكنّ الأساس المتينَ … وقام عليها البناءُ المشيد
فلا تنسَى أمسِ وآلاءَه … ألا إن أمسِ أساسُ الوجود
ولولا البلى في زوايا القبورِ … لما ظهرَتْ جِدّة ٌ للمُهود
ومَنْ طلب الخُلْقَ من كنزه … فإن العقيدة َ كنزٌ عَتيد
تعلمَ بالصبرِ ، أو بالثباتِ … جليدُ الرجالِ ، وغيرُ الجليد
طريدَ السياسة ِ منذُ الشبابِ … لقد آن يستريح الطريد
لقيت الدواهيَ من كيدها … وما كالسياسة داهٍ يكيد
حَمَلْتَ على النفس ما لا يطا … قُ، وجاوزَتِ المستطاعَ الجهود
وقلبتَ في النار مثلَ النضا … رِ ، وعربتَ مثلَ الجمانِ الفريد
أَتذكر إذْ أَنتَ تحت اللواءِ … نبيهَ المكانة ِ ، جمَّ العديد؟
إذا ما تطلَّعْتَ في الشاطئين … ربا الريفُ ، وافتنّ فيك الصعيد
وهزّ النديُّ لك المنكبينِ … وراحَ الثرى من زحامٍ يَميد
رسائلُ تذري بسجع البديعِ … وتنسي رسائلَ عبدِ الحميد
يَعِيها شيوخُ الحِمى كالحديث … ويحفظها النشءُ حفظ النشيد
فما بالُها نَكِرَتْها الأُمورُ … وطول المدى ، وانتقال الجدود ؟
لقد نسيَ القومُ أمسِ القريبَ … فهل لأحاديثه من معيد ؟
يقولون : ما لأبي ناصرٍ … وللتُّرْكِ؟ ما شأْنُه والهنود؟
وفِيمَ تحمَّل هَمَّ القريبِ … من المسلمينَ وهمَّ البعيد ؟
فقلتُ: وما ضرّكم أَن يَقومَ … من المسلمين إمامٌ رشيد ؟
أَتستكثرون لهم واحداً … وَلِيَّ القديم نصيرَ الجديد؟
سعى ليؤلف بينَ القلوبِ … فلم يَعْدُ هَدْيَ الكتابِ المجيد
يَشُدُّ عُرَى الدينِ في داره … ويدعو إلى الله أهلَ الجحود
وللقومِ حتى وراءه القفارِ … دعاة ٌ تغني ، ورسلٌ تشيد
جزى الله مَلْكاً من المحسنين … رؤوفُ الفؤادِ ، رحيمُ الوريد
كأَنَّ البيانَ بأَيامه … أَو العِلْمَ تحتَ ظلالِ الرشيد
يداوي نداه جراحَ الكرامِ … ويدركهم في زوايا اللحود
أَجارَ عِيالَك من دهرهم … وجاملهم في البلاءِ الشديد
تولى الوليدة في يتمها … وكفكفَ بالعطف دمعَ الوليد
سلامٌ أَبا ناصرٍ في التراب … يعيرُ الترابَ رفيفَ الورود
بعدتَ وعزَّ إليكَ البريدُ … وهل بينَ حيٍّ وميتٍ بريد؟
أجلْ ، بيننا رسلُ الذكرياتُ … وماضٍ يطيفُ ، ودمعٌ يجود
وفكرٌ وإن عقلَتْه الحياة ُ … يَظَلُّ بوادي المنايا يَرود
أجلْ ؛ بيننا الخشبُ الدائباتُ … وإن كان راكبها لا يعود
مضى الدهرُ وهْيَ وراءَ الدموعِ … قيامٌ بمُلْكِ الصَّحارى قُعود
وكم حملَتْ من صَديدٍ يَسيلُ … وكم وضعتْ من حناشٍ ودود
نَشَدْتُكَ بالموت إلا أَبنْتَ … أأنتَ شقيٌّ به أم سعيد؟
وكيف يُسَمَّى الغريبُ امرؤٌ … نَزِيلُ الأُبُوّة ِ، ضَيْفُ الجُدود؟
وكيف يقال لجار الأوائ … لِ جارِ الأواخرِ : ناءٍ وحيد؟