يَهُونُ عَلَيْهَا أنْ أبِيتَ مُتَيَّما، … أُعالجُ وَجْداً في الضّمِيرِ مُكَتَّمَا
وَقد جاوَزَتْ أرْضَ الأَعادِي وأصْبَحَتْ … حِمَى وَصْلِها مذ جاوَرَتْ أبرَقَ الحِمَى
بكَتْ حُرْقَةً، عندَ الوَدَاعِ، وأرْدفتْ … سُلُوّاً نَهَى الأحْشَاءَ أنْ تَتَضَرّما
فلَمْ يَبقَ مِنْ مَعْرُوفِها غَيرُ طائِفٍ … مُلِمٍّ بِنَا، وَهْناً، إذا الرّكبُ هَوّما
يَكادُ وَمِيضُ البَرْقِ عندَ اعتِرَاضِهِ … يُضِيىءُ خَيَالاً جَاءَ مِنْهَا مُسَلِّمَا
وَلمْ أنْسَهَا، عِندَ الوَداعِ، وَنَثرَها … سَوَابقَ دَمعٍ، أعجَلَتْ أن تُنَظَّمَا
وَقالتْ: هلِ الفَتحُ بنُ خَاقَانَ مُعقِبٌ … رِضًى، فيَعُودَ الشّملُ منّا مُلأّمَا؟
خَليلَيّ كُفّا اللّوْمَ في فَيْضِ عَبرَةٍ، … أبَى الوَجْدُ إلاّ أنْ تَفيضَ وَتَسجُمَا
وَلاَ تَعْجَبَا مِنْ فَجعَةِ البَينِ إنّني … وَجَدتُ الهَوَى طَعمَينِ: شهداً وَعَلقَمَا
عَذيرِي مِنَ الأيّامِ رَنّقْنَ مَشْرَبي، … وَلَقّيتَني نَحْساً منَ الطّيرِ أشْأمَا
وأكْسَبْنَني سُخطَ امرِىءٍ بتُّ مَوْهِناً … أرَى سُخطَهُ لَيلاً معَ اللّيلِ مُظلِمَا
تَبَلّجَ عن بَعضِ الرّضَا، وانطَوَى على … بَقِيّةِ عَتْبٍ شَارَفَتْ أنْ تَصَرّما
إِذا قُلْتُ يَوْماً قَدْ تَجاوَزَ حَدَّهَا … تَلَبَّثَ فِي أَعْقَابِها وتَلَوَّما
وأصْيَدَ، إنْ نازَعْتُهُ اللّحظَ رَدّهُ … كَليلاً وإنْ راجَعتُهُ القَوْلَ جَمجَمَا
ثَناهُ العِدى عَنّي، فأصَبحَ مُعْرِضاً، … وأوْهَمَهُ الوَاشُونَ حَتّى تَوَهّما
وَقَد كَانَ سَهلاً واضِحاً، فتَوَعّرَتْ … رُبَاهُ، وَطَلْقاً ضاحِكاً، فَتَجَهّما
أمُتّخِذٌ عِندي الإسَاءَةَ مُحسِنٌ، … وَمُنْتَقِمٌ مِنّي امرُؤٌ كَانَ مُنعِمَا
وَمُكتَسِبٌ في المَلامَةَ ماجِدٌ، … يَرَى الحَمدَ غُنْماً، والمَلاَمَةَ مَغرَمَا
يُخَوّفُني من سُوءِ رأيِكَ مَعشَرٌ، … وَلاَ خَوْفَ إلاّ أنْ تَجُورَ وَتَظْلِمَا
أُعِيذُكَ أنْ أخشاكَ من غَيرِ حادِثٍ … تَبَيّنَ، أوْ جُرْمٍ إلَيكَ تَقَدّما
ألَسْتُ المُوَالي فيكَ نَظْمَ قَصَائِدٍ، … هيَ الأنجُمُ اقتَادَتْ معَ اللّيلِ أنجُمَا
ثَنَاءٌ كأنّ الرّوْضَ مِنْهُ مُنَوِّراً، … ضُحًى، وكأنّ الوَشيَ فيهِ مُسَهَّمَا
وَلَوْ أنّني وَقّرْتُ شِعرِي وَقَارَهُ، … وأجلَلْتُ مَدحي فيكَ أنْ يَتَهَضّمَا
لأكبَرْتُ أنْ أُوْمي إلَيكَ بإصْبَعٍ … تَضَرّعَ، أوْ أُدْني لَمَعذِرَةٍ فَمَا
وَكَانَ الذي يأتي بهِ الدّهرُ هَيّناً … عَليّ، وَلَوْ كَانَ الحِمَامُ المُقَدَّمَا
وَلَكِنّني أُعْلي مَحَلّكَ أنْ أُرَى … مُدِلاًّ، وأستَحيِيكَ أنْ أتَعَظّما
أعِدْ نَظَراً فيما تَسَخّطتَ هل تَرَى … مَقَالاً دَنًّيا، أوْ فَعَالاً مُذَمَّمَا
رأيتُ العِرَاقَ أَنْكَرَتِنْي، وأقسَمَتْ … عَليّ صُرُوفُ الدّهرِ أنْ أتَشَاءَمَا
وَكَانَ رَجَائي أنْ أؤوبَ مُمَلَّكاً، … فَصَارَ رَجَائي أنْ أؤوبَ مُسَلَّمَا
وَما مانعٌ مِمّا تَوَهّمتُ غَيرَ أنْ … تَذَكّرَ بَعضَ الأُنْسِ، أو تتَذمّمَا
وأكبَرُ ظَنّي أنّكَ المَرْءُ لمْ تَكُنْ … تُحَلّلُ بالظّنّ الذّمامَ المُحَرَّما
حَيَاءٌ فَلَمْ يَذْهَبْ بي الغَيُّ مَذْهَباً … بَعيداً، ولم أرْكَبْ من الأمرِ مُعظَمَا
وَلم أعرِفِ الذّنْبَ الذي سُؤتَني لهُ، … فأقتُلَ نَفسِي حَسرَةً، وَتَنَدُّما
وَلَوْ كَانَ ما خُبّرْتُهُ، أو ظَنَنْتُهُ، … لَمَا كَانَ غَرْواً أنْ ألُومَ وَتُكرِما
أُذَكّرُكَ العَهْدَ الذي لَيسَ سُؤدَداً … تَناسِيهِ، والوُدَّ الصّحيحَ المُسَلَّما
وَمَا حَمّلَ الرّكبانُ شَرْقاً وَمَغرِباً، … وأنْجَدَ في أعْلَى البِلادِ وأتْهَمَا
أُقِرُّ بِما لَمْ أجْنِهِ مُتَنَصِّلاً … إلَيْكَ، على أنّي إخالُكَ ألْوَمَا
ليَ الذّنْبُ مَعْرُوفاً، وإن كنتُ جاهلاً … بهِ، وَلَكَ العُتْبَى عَلَيّ وأنْعِمَا
وَمِثْلُكَ إنْ أبْدَى الفَعَالَ أعادَهُ، … وإنْ صَنَعَ المَعرُوفَ زَادَ وَتَمّمَا
وَمَا النّاسُ إلا عُصْبَتَانِ: فَهَذِهِ … قَرَنْتَ بها بُؤساً، وَهَاتيكَ أنْعُمَا
وَحِلَّةَ أعْدَاءٍ رَمَيْتَ بِعَزْمَةٍ، … فأضْرَمْتَها ناراً، وأجْرَيْتَهَا دَمَا