وداعا أيها الخدن الحبيب … غدا ميعادنا وغدا قريب
تعاظمني وقد وليت خطب … بجانبه تضاءلت الخطوب
إذا ما بان أترابي فإني … لفي أهلي وفي وطني غريب
يخالطني الأولى هم بعد جيلي … وليس بثوبي الثوب القشيب
لنا حال ألفناها شبابا … ويجفل من تحولها المشيب
تغشى وجه إبراهيم صرف … يقال له الردى وهو المغيب
ألم يك في سماء العصر نجما … فبعد شروقه زمنا غروب
وليس بحائن من لا نراه … بأعيننا وتبصره القلوب
فتى فيه تعددت المزايا … فلم يك في الرجال له ضريب
طبيب للعيون به شفاء … إذا ما الطب أعيي والطبيب
شهدت له خوارق ناطقات … بما يسطيعه الآسي اللبيب
أديب نسجه من كل لون … كأروع ما يدبجه أديب
تساوق شعره والنثر حسنا … فما يختار بينهما الطروب
وفي جد وفي هزل تجلت … له فطن بها بدع ضروب
يفوز العقل منها بالمجاني … وفيها ما يفيد وما يطيب
صناع يد له في كل شيء … يزاوله بها سر عجيب
فما يغريه يخرجه فريا … وما يرميه من غرض يصيب
نديم إن تنادر بين صحب … وجدتهم وما فيهم كئيب
سوانحه الحسان يجئن عفوا … كما تهوى قريحته اللعوب
خفيف الروح نقاد برفق … يبصر بالعيوب ولا يعيب
يحاكي النطق والحركات مما … يشذ فليس يفلته غريب
شآمي ومصري صميم … ونوبي ورومي جنيب
رموز في الظواهر مضحكات … ويدرك لطف مغزاها الأريب
يروع بما يجيد يدا وفكرا … وجار أناته طبع غضوب
فذلك أن جوهره سليم … وليس يضيره عرض يشوب
ومما أكبر الإخوان فيه … خلائق ليس فيها ما يريب
مناط نظامها حزم وعزم … ومجلى حسنها كرم وطيب
فأما عن شجاعته فحدث … وفي الذكرى لسائلها مجيب
قضى في الجيش عهد أليس ينسى … له من فخره الأوفى نصيب
به مرح أوان الروع حلو … يثير شجونه الخطر المهيب
يداوي أو يواسي كل شاك … ولا يعتاقه حدث رهيب
ويؤنس أو يواسي كل شاك … ولا يعتاقه حدث رهيب
هنالك أطرب الشجعان شعر … به مزجت زمازمها الحروب
تغرد حافظ وشدا الشدودي … بما لم يألف الزمن العصيب
وفي صمت المدافع والمنايا … تهادن قد يغني العندليب
وداعا يا صديقا إن شجانا … بهجر فهو بالذكرى يؤوب
حياتك جزتها مدا وجزرا … ومسك في نهايتها اللغوب
قليل ما تواتيك الأماني … كثير ما تحملك الكروب
وكم فوت فيها طيبات … يفوز بها المداجي والكذوب
لئن لم تجز في دنياك خيرا … لربك في السماء هو المشيب