نُعِدّ المَشرَفيّةَ والعَوالي … وتَقْتُلُنا المَنُونُ بِلا قِتالِ
ونَرْتَبِطُ السّوابِقَ مُقرَباتٍ … وما يُنْجينَ مِنْ خبَبِ اللّيالي
ومَنْ لم يَعشَقِ الدّنيا قَديماً … ولكِنْ لا سَبيلَ إلى الوِصالِ
نَصيبُكَ في حَياتِكَ من حَبيبٍ … نَصيبُكَ في مَنامِكَ من خيَالِ
رَماني الدّهرُ بالأرزاءِ حتى … فُؤادي في غِشاءٍ مِنْ نِبالِ
فَصِرْتُ إذا أصابَتْني سِهامٌ … تكَسّرَتِ النّصالُ على النّصالِ
وهانَ فَما أُبالي بالرّزايا … لأنّي ما انْتَفَعتُ بأنْ أُبالي
وهَذا أوّلُ النّاعينَ طُرّاً … لأوّلِ مَيْتَةٍ في ذا الجَلالِ
كأنّ المَوْتَ لم يَفْجَعْ بنَفْسٍ … ولم يَخْطُرْ لمَخلُوقٍ بِبالِ
صَلاةُ الله خالِقِنا حَنُوطٌ … على الوَجْهِ المُكَفَّنِ بالجَمَالِ
على المَدْفونِ قَبلَ التُّرْبِ صَوْناً … وقَبلَ اللّحدِ في كَرَمِ الخِلالِ
فإنّ لهُ ببَطْنِ الأرْضِ شَخْصاً … جَديداً ذِكْرُناهُ وهْوَ بَالِ
أطابَ النّفسَ أنّكِ مُتِّ مَوْتاً … تَمَنّتْهُ البَوَاقي والخَوَالي
وزُلْتِ ولم تَرَيْ يَوْماً كَريهاً … تُسَرّ النّفسُ فيهِ بالزّوالِ
رِواقُ العِزّ فَوْقَكِ مُسْبَطِرٌّ … ومُلْكُ عَليٍّ ابنِكِ في كمَالِ
سَقَى مَثْواكِ غادٍ في الغَوادي … نَظيرُ نَوَالِ كَفّكِ في النّوالِ
لِساحبهِ على الأجداثِ حَفْشٌ … كأيدي الخَيلِ أبصَرتِ المَخالي
أُسائِلُ عَنكِ بعدَكِ كلّ مَجدٍ … وما عَهدي بمَجدٍ عَنكِ خالِ
يَمُرّ بقَبرِكِ العافي فيَبكي … ويَشغَلُهُ البُكاءُ عَنِ السّؤالِ
وما أهداكِ لِلْجَدْوَى عَلَيْهِ … لَوَ انّكِ تَقدِرينَ على فَعَالِ
بعَيشِكِ هلْ سَلَوْتِ فإنّ قَلبي … وإنْ جانَبْتُ أرْضَكِ غيرُ سالِ
نَزَلْتِ على الكَراهَةِ في مَكانٍ … بَعُدْتِ عنِ النُّعامى والشَّمالِ
تُحَجّبُ عنكِ رائحَةُ الخُزامَى … وتُمْنَعُ منكِ أنْداءُ الطِّلالِ
بدارٍ كلّ ساكِنِها غَريبٌ … بَعيدُ الدّارِ مُنْبَتُّ الحِبالِ
حَصانٌ مثلُ ماءِ المُزْنِ فيهِ … كَتُومُ السّرّ صادِقَةُ المَقالِ
يُعَلّلُها نِطاسِيُّ الشّكايَا … وواحِدُها نِطاسِيُّ المَعَالي
إذا وَصَفُوا لهُ داءً بثَغْرٍ … سَقاهُ أسِنّةَ الأسَلِ الطِّوالِ
ولَيسَتْ كالإناثِ ولا اللّواتي … تُعَدّ لها القُبورُ منَ الحِجالِ
ولا مَنْ في جَنازَتِها تِجارٌ … يكونُ وَداعُها نَفضَ النّعالِ
مَشَى الأمَراءُ حَوْلَيها حُفاةً … كأنّ المَرْوَ من زِفِّ الرّئَالِ
وأبْرَزَتِ الخُدورُ مُخَبّآتٍ … يَضَعْنَ النِّقْسَ أمكِنَةَ الغَوالي
أتَتْهُنّ المُصيبَةُ غافِلاتٍ … فدَمْعُ الحُزْنِ في دَمعِ الدّلالِ
ولوْ كانَ النّساءُ كمَنْ فَقَدْنا … لفُضّلَتِ النّساءُ على الرّجالِ
وما التأنيثُ لاسمِ الشّمسِ عَيبٌ … ولا التّذكيرُ فَخْرٌ للهِلالِ
وأفجَعُ مَنْ فَقَدْنا مَن وَجَدْنا … قُبَيلَ الفَقْدِ مَفْقُودَ المِثالِ
يُدَفِّنُ بَعْضُنا بَعضاً وتَمْشِي … أواخِرُنا على هامِ الأوالي
وكَمْ عَيْنٍ مُقَبّلَةِ النّواحي … كَحيلٌ بالجَنادِلِ والرّمالِ
ومُغْضٍ كانَ لا يُغْضِي لخَطبٍ … وبالٍ كانَ يَفكُرُ في الهُزالِ
أسَيْفَ الدّوْلَةِ اسْتَنجِدْ بصَبرٍ … وكيفَ بمِثْلِ صَبرِكَ للجِبالِ
وأنتَ تُعَلّمُ النّاسَ التّعَزّي … وخوْضَ الموْتِ في الحرْبِ السِّجالِ
وحالاتُ الزّمانِ عَلَيكَ شتى … وحالُكَ واحدٌ في كلّ حالِ
فلا غِيضَتْ بحارُكَ يا جَمُوماً … على عَلَلِ الغَرائبِ والدِّخالِ
رأيتُكَ في الّذينَ أرَى مُلُوكاً … كأنّكَ مُسْتَقيمٌ في مُحالِ
فإنْ تَفُقِ الأنامَ وأنْتَ مِنهُمْ … فإنّ المسكَ بَعضُ دَمِ الغزالِ