نَسيتُ وَما أنسَى عِتاباً على الصّدِّ … ولاخَفَراً زَادَتْ بهِ حُمرَةُ الخدِّ
وَلا لَيْلَةً قَصّرْتُهَا بِقَصِيرَةٍ … أطالتْ يدي في جيدِها صُحبةَ العِقدِ
وَمَنْ لي بيَوْمٍ مثلِ يَوْمٍ كَرِهتُهُ … قرُبْتُ بهِ عندَ الوَداعِ من البُعْدِ
وَألاّ يَخُصَّ الفَقْدُ شَيْئاً لأنّني … فقدْتُ فلم أفقِدْ دموعي وَلا وَجْدي
تَمَنٍّ يَلَذُّ المُسْتَهَامُ بذِكْرِهِ … وإنْ كانَ لا يُغْنِي فَتيلاً وَلا يُجدي
وَغَيظٌ على الأيّامِ كالنّارِ في الحَشَا … وَلَكِنّهُ غَيظُ الأسيرِ على القِدِّ
فإمّا تَرَيْني لا أُقِيمُ بِبَلْدَةٍ … فآفَةُ غِمدي في دُلوقي وَفي حَدّي
يَحِلُّ القَنَا يَوْمَ الطّعَانِ بعَقْوَتي … فأحرِمُهُ عِرْضِي وَأُطْعِمُهُ جلدي
تُبَدِّلُ أيّامي وَعَيْشِي وَمَنْزِلي … نجائِبُ لا يَفكُرْنَ في النحسِ وَالسّعدِ
وَأوْجُهُ فِتْيَانٍ حَيَاءً تَلَثّمُوا … عَلَيْهِنّ لا خَوْفاً منَ الحرّ والبرْدِ
وَلَيسَ حَيَاءُ الوَجْهِ في الذّئبِ شيمةً … وَلَكِنّهُ مِنْ شيمَةِ الأسَدِ الوَرْدِ
إذا لم تُجِزْهُمْ دارَ قَوْمٍ مَوَدّةٌ … أجازَ القَنَا وَالخَوْفُ خيرٌ من الوُدِّ
يَحيدونَ عن هَزْلِ المُلُوكِ إلى الذي … تَوَفّرَ مِن بَينِ المُلُوكِ على الجِدِّ
وَمَن يَصْحَبِ اسمَ ابنِ العميدِ محَمّدٍ … يَسِرْ بَينَ أنْيابٍ الأساوِدِ وَالأُسْدِ
يَمُرُّ مِنَ السّمِّ الوَحيِّ بِعَاجِزٍ … وَيَعْبُرُ مِنْ أفواهِهِنّ عَلى دُرْدِ
كَفَانَا الرّبيعُ العِيسَ من بَرَكاتِهِ … فجاءتْهُ لم تَسمَعْ حُداءً سوَى الرّعدِ
إذا ما استَجَبنَ الماءَ يَعرِضُ نَفْسَهُ … كَرِعْنَ بِسِبْتٍ في إنَاءٍ من الوَرْدِ
كأنّا أرَادَتْ شُكرَنا الأرْضُ عندَهُ … فَلَمْ يُخْلِنا جَوٌّ هَبَطْناهُ من رِفدِ
لَنَا مَذْهَبُ العُبّادِ في تَرْكِ غَيرِهِ … وَإتْيَانِهِ نَبْغي الرّغائِبَ بالزّهْدِ
رَجَوْنَا الذي يَرْجُونَ في كلّ جَنّةٍ … بأرْجانَ حتى ما يَئِسنَا من الخُلْدِ
تَعَرّضُ للزّوّارِ أعْنَاقُ خَيْلِهِ … تَعَرُّضَ وَحشٍ خائِفاتٍ من الطّرْدِ
وَتَلْقَى نَوَاصِيهَا المَنَايا مُشيحَةً … وُرُودَ قَطاً صُمٍّ تَشَايَحنَ في وِرْدِ
وَتَنْسُبُ أفعالُ السّيُوفِ نُفُوسَهَا … إلَيْهِ وَيَنْسُبنَ السّيُوفَ إلى الهِنْدِ
إذا الشّرَفَاءُ البِيضُ مَتُّوا بقَتْوِهِ … أتَى نَسَبٌ أعْلى من الأبِ وَالجَدِّ
فَتًى فاتَتِ العَدْوَى من النّاسِ عَينُه … فَما أرْمدتْ أجفانَهُ كثرَةُ الرُّمْدِ
وَخالَفَهُمْ خَلْقاً وَخُلْقاً وَمَوْضِعاً … فقد جَلّ أنْ يُعدَى بشَيْءٍ وَأن يُعدي
يُغَيّرُ ألْوَانَ اللّيَالي عَلى العِدَى … بمَنشُورَةِ الرّاياتِ مَنصُورَةِ الجُندِ
إذا ارْتَقَبُوا صُبْحاً رَأوْا قَبلَ ضَوْئِهِ … كتائِبَ لا يَرْدي الصّباحُ كما تَرْدي
وَمَبْثُوثَةً لا تُتّقَى بطَلِيعَةٍ … وَلا يُحْتَمى مِنْها بِغَوْرٍ وَلا نَجْدِ
يَغُصْنَ إذا ما عُدْنَ في مُتَفَاقِدٍ … من الكُثرِ غَانٍ بالعَبيدِ عن الحَشدِ
حَثَتْ كلُّ أرْضٍ تُرْبَةً في غُبَارِهِ … فَهُنّ عَلَيْهِ كالطّرَائِقِ في البُرْدِ
فإنْ يكُنِ المَهديّ مَن بانَ هَدْيُهُ … فهَذا وَإلاّ فالهُدى ذا فَما المَهدي
يُعَلّلُنَا هَذا الزّمانُ بذا الوَعْدِ … وَيَخْدَعُ عَمّا في يَدَيْهِ من النّقدِ
هَلِ الخَيرُ شيءٌ لَيسَ بالخَيرِ غائِبٌ … أمِ الرُّشدُ شيءٌ غائبٌ ليس بالرُّشدِ
أأحزَمَ ذي لُبٍّ وَأكْرَمَ ذي يَدٍ … وَأشجَعَ ذي قَلبٍ وَأرْحمَ ذي كِبْدِ
وَأحْسَنَ مُعْتَمٍّ جُلُوساً وَرِكْبَةً … على المِنبرِ العالي أوِ الفَرَسِ النّهْدِ
تَفَضّلَتِ الأيّامُ بالجَمْعِ بَيْنَنَا … فلَمّا حَمِدْنَا لم تُدِمْنَا على الحَمدِ
جَعَلْنَ وَداعي وَاحِداً لثَلاثَةٍ … جَمَالِكَ وَالعِلْمِ المُبرِّحِ وَالمَجْدِ
وَقد كنتُ أدرَكْتُ المُنى غَيرَ أنّني … يُعَيّرُني أهْلي بإدراكِهَا وَحْدي
وكُلُّ شَرِيكٍ في السّرُورِ بمُصْبَحي … أرَى بعدَهُ مَن لا يرَى مثلَهُ بَعدي
فَجُدْ لي بقَلْبٍ إنْ رَحَلْتُ فإنّني … مُخَلِّفُ قَلبي عِندَ من فَضْلُه عندِي
وَلَوْ فَارَقَتْ نَفْسِي إلَيكَ حَيَاتَها … لَقُلْتُ أصَابَتْ غَيرَ مَذمومةِ العهدِ