من لي بملء المشرقين بيانا … وبما وراء النيرين مكانا
رمت الرثاء فما ظفرت بمنبر … يسع الرثاء ولا وجدت بيانا
ضاق البيان وبرحت بي لوعة … ملكت علي الصبر والسلوانا
يا طول همي مات من كنا به … ننفي الهموم ونكشف الأحزانا
الصادع الأزمات يترك ليلها … أهدى الهداة مضللا حيرانا
والرادع الأحداث تلتهم القوى … وتغادر البطل الشجاع جبانا
ما استصرخته بلاده في نكبة … إلا رأته الماجد المعوانا
رجفت قضيتها أسى وتفزعت … ذعرا فكان لها حمى وأمانا
مكر القضاة فقيل ما برهانها … حتى انبرى فكفاهم البرهانا
مالوا بميزان الحقوق مع الهوى … فأقام في أيديهم الميزانا
المال أيسر ما أضاع ولم يضع … مال شفى من دائها الأوطانا
أو لم تكن أعلى الذخائر لامرئ … يبغي الغنى وأجلها أثمانا
والمرء إن هانت عليه بلاده … وجد الحياة مذلة وهوانا
كذب المضلل لن يصون كيانه … من لا يصون من البلاد كيانا
كانت بلاغة فولك من نفحاته … لما استثار بيانه الفتانا
نفحات سمح هيجته حسانها … فمضى يردد صوته الرنانا
أيام ينصر حق مصر ويبتغي … لحماتها الأنصار والأعوانا
لما دعا الأحرار من غرمائها … لم يلفهم صما ولا عميانا
أبطال سعد يعرفون محمدا … أي الرجال على الشدائد كانا
ما كان إلا صخرة الحق التي … لان الحديد وبأسها ما لانا
ما أنجبت مصر أشد صرامة … منه وأثبت في الخطوب جنانا
تهفو الوساوس بالنفوس ونفسه … ملء الزمان وأهله إيمانا
سلها لتعلم أي خطب خطبها … إن كنت تبغي العلم والعرفانا
لما سقوه النفي مرا طعمه … وجدوه حران الحشا ظمآنا
لذت مذاقته فلولا أنه … جم الوقار طوى المدى نشوانا
لم ينكر المنفى ولم يعدم به … من عزمه أهلا ولا جيرانا
جمع الحماة بداره فتألفوا … بعد الشقاق وأصبحوا إخوانا
عقدوا العهود بها لمصر على يد … تشفي الصدور وتنزع الأضغانا
ما كان أعجب أمرهم إذا أطفأوا … نور السلام وأوقدوا النيرانا
يرثون للوطن الجريح وقد غدوا … حربا على الوطن الجريح عوانا
نزلوا بساحة ماجد متكرم … لم يا لهم برا ولا إحسانا
ومضوا بعافية يقول كبيرهم … حياك ربك من أب يرعانا
إن الذي يبني الصفوف لقومه … لأجل من رفع الذرى بنيانا
حكم البلاد فسار سيرة عادل … يأبى الأذى ويجانب العدوانا
ويقيم ميزانا الأمور بحكمة … تعطي الضعيف من القوي ضمانا
بث الحضارة في المدائن والقرى … وأجال في أرجائها العمرانا
وأعد للمرضى الحياة قوية … تبني النفوس وتعدم الأبدانا
الحكم يعرفه نبيلا كابرا … ما زاده جاها ولا سلطانا
ورثت مناقبه مناقب بيته … فبأي منقبة أراد ازدانا
بيت بنى الإسلام حائط مجده … وحمى الجوانب منه والأركانا
دار الزمان وما يزال كعهده … يأبى الصغار وينكر الدورانا
لك يا محمد في المفاخر رتبة … ملكت علي الوصف والتبيانا
جالدت هندرسون بالرأي الذي … يعيي الدهاة ويغلب الشجعانا
أعطت على يدك السياسة ما أبت … أقطابها أن تعطي الأقرانا
أرضيت قومك بالفعال كريمة … ترجو بها من ربك الرضوانا
وغضبت للفلاح غضبة مكرم … للنيل يأنف أن يراه مهانا
الله ألهمه الهدى وأقامه … رمزا لمجد النيل أو عنوانا
يا مكرم الأدب الرفيع فجعته … وتركته في خاطري أشجانا
أوليتني البر الجزيل فلم أجد … من قبل برا مثله وحنانا
ما أنت بالجافي ولا أنا بالذي … يرضى الجحود ويؤثر النسيانا
إني لأذكرها خلالا سمحة … وخلائقا تصبي الكريم حسانا
يا معشر الأحرار صبرا إنه … قدر جرى ومصاب شعب حانا
أنتم على الأيام عون بلادكم … إن أزمعت أحداثها طغيانا
ردوا على مصر القرار وأمسكوا … بيد التجلد دمعها الهتانا
نعم الخليفة في السياسة شيخكم … إن ضللت شبهاتها الأذهانا
هو من علمنا في القضية شأنه … بوركت من شيخ وبورك شانا