لكُمْ أينَما كُنتمْ مكانٌ وَإمكانُ … ومَلْكٌ لهُ تَعنو المُلوكُ وسُلطانُ
ضربتمْ من العزّ المنيع سرادقاً … فأنتمْ به بين السماكين سكانُ
ولَيسَتْ نجُوماً ما تُرَى وسَحائِباً … ولكِنّها منكُمْ وُجُوهٌ وأيمَانُ
وفَوْقَ سَريرِ المُلْكِ أرْوَعُ قاهِرٌ … نبيهُ المعالي في الملماتِ نبهانُ
هوَ الملكُ المسعودُ رأياً وراية ً … له سطوَة ٌ ذلّتْ لها الإنسُ وَالجانُ
غدا ناهضاً بالملكِ يحملُ عبأه … وَأقرانُهُ مِلء المكاتِبِ وِلدانُ
وتهتزّ أعوادُ المنابرِ باسمهِ … فهَلْ ذكرَتْ أيّامَها وهيَ قُضْبانُ
وَإن نَفَثتْ في الطِّرْس منه يَرَاعُهُ … رأيتَ عصى موسى غدتْ وهي ثعبانُ
يروقكَ سحرُ القولِ عند خطابهِ … ويعجبُ من قرطاسه وهوَ بستانُ
وكمْ غاية ٍ من دونها الموْتُ حاسِراً … سما نحوها والموتُ ينظرُ خسرانُ
بحيثُ لسانُ السّيفِ بالضرْبِ ناطقٌ … فصيحٌ وطرْفُ الرّمح للطّعن يقظانُ
وَكمْ شاقَهُ خَدٌّ أسيلٌ مُوَرَّدٌ … وَما ذاكَ إلاّ مُرْهَفاتٌ ومُرّانُ
جزَى الله بالإحسانِ سُفْناً حمَلنَهُ … لقد حلّ معروفٌ لهنّ وإحسانُ
حوينَ جميعَ الحسنِ حتى كأنما … يَلوحُ بها في وَجنَة ِ اليَمّ خِيلانُ
وَما هاجَ ذاكَ البحرُ لمّا سرَى بهِ … وَلكنْ غدا من خوْفه وَهوَ حَيرَانُ
لقد كانَ ذاكَ الموْجُ يرْعدُ خِيفة ً … ويَخْفُقُ قَلْبٌ منهُ بالرّعبِ مَلآنُ
أيا ملكاً عمّ الأنامَ مكارماً … فلَيسَ لهُ في غيرِ مكْرُمة ٍ شانُ
قدِمتَ قُدومَ اللّيثِ واللّيثُ باسلٌ … وَجئتَ مجيء الغَيثِ والغَيثُ هَتّانُ
وما برحتْ مصرٌ إليكَ مشوقة ً … وَمثلُكَ مَن يَشتاقُ لُقياهُ بُلدانُ
تحنّ فيذري نيلها لكَ دمعة ً … وَيُعوِلُ قُمرِيٌّ على الدّوْحِ مِرْنانُ
ولَمّا أتاهُ العِلْمُ أنّكَ قادِمٌ … تهللَ منهُ وجههُ وهوَ جذلانُ
ووافاكَ فيها العيدُ يشعرُ أنهُ … دَليلٌ على طولِ المسَرّة ِ بُرْهانُ
وها هيَ في بشرٍ بقربكَ شاملٍ … قد انتظمتْ دمياطُ منهُ وأسوانُ
تُصَفّقُ أوْراقٌ وتَشدو حَمائِمٌ … وترقصُ أغصانٌ وتفترّ غدرانُ
وقد فرشتْ أقطارها لكَ سندساً … له من فنونِ الزّهرِ والنَّورِ ألْوانُ
يُوافيكَ فيها أينَما كنتَ رَوْضَة ٌ … ويلقاكَ أنى كنتَ روحٌ وريحانُ
وَإنْ تكُ في سُلطانِها من مَحاسِنٍ … ستَزْدادُ حُسناً إنْ قدِمتَ ويزدانُ
فحسبكِ قد وافاكِ يا مصرُ يوسفٌ … وَحَسبُكَ قد وَافاكَ يا نيلُ طوفانُ
ويشرقُ وجهُ الأرضِ حينَ تحلها … كأنكَ توحيدٌ حوتهُ وإيمانُ
لأنكَ قدْ برئتَ منْ كلّ مأثمٍ … وأنكَ في الدينِ الحنيفي غيرانُ
فقُدْتَ إلَيهِ الخَيلَ بالخَيرِ كُلّهِ … وَطارَتْ بأُسْدِ الغابِ منهنّ عِقبانُ
بعزمٍ تخافُ الأرضُ شدة َ وقعهِ … ويَرْتاعُ ثَهْلانٌ لهُ وهوَ ثَهلانُ
وَتُمْلأ أحشاء البِلادِ مَخافَة ً … وترتجّ بغدادٌ لهُ وخراسانُ
فأمنتَ تلكَ الأرضَ من كل روعة ٍ … وقد عمها ظلمٌ كثيرٌ وطغيانُ
وكانَ بها من أهلِ شعبة َ شعبة ٌ … من الجَوْرِ والعُدوَانِ بَغيٌ وَعُدوَانُ
فسكنتها حتى متى هبتِ الصبا … بنعمانَ لم يهتزّ بالأيكِ نعمانُ
فلم يكُ فيها مُقلة ٌ تعرِفُ الكَرَى … فلو زارها طيفٌ مضى وهوَ غضبانُ
تَقَبّلَ فيكَ الله بالحَرَمَينِ مَا … دَعَا لكَ حُجّاجٌ هُناك وقُطّانُ
أيُذكَرُ عَمروٌ إن سطَوْتَ وَعَنترٌ … وهيهاتَ من كسرى هناكَ وخاقانُ
وَهُمْ يَصِفونَ الرّمحَ أسْمَرَ ظامياً … فَها هُوَ مُحمَرٌّ لديكَ وَرَيّانُ
لقد كنتُ أرجو أن أزوركَ في الدجى … وَإنّي على ما فاتَني منكَ نَدمانُ
أعللُ نفسي بالمواعيدِ والمنى … وَقَدْ مَرّ أزْمانٌ لذاكَ وَأزْمانُ
أرى أنْ عزي من سواكَ مذلة ٌ … وَأنّ حَياتي مِنْ سِواكَ لحِرْمانُ
وقالتْ لي الآمالُ باليمنِ والمنى … وما بعدتْ أرضُ الكثيبِ وغمدانُ
وكنتُ أرَى البرْقَ اليَمانيَ مَوهِناً … فأهْتَزّ مِن شَوْقي كأنّيَ نَشْوَانُ
وَأستَنْشِقُ الرّيحَ الجَنُوبي وَأنْثَني … وَلي أنّة ٌ منها كَما أنّ وَلْهَانُ
وما فتنتْ قلبي البلادُ وإنما … نَدَى المَلِكِ المَسعودِ للنّاسِ فتّانُ
فتى ً مثلما يختارهُ الملكُ ماجدٌ … وَمَرْعًى كما يختارُهُ الفالُ سَعدانُ
وَلَيسَ غَريباً مَن إليكَ اغترابُهُ … لهُ منهُ أهلٌ حيثُ كانَ وَأوْطانُ
وَقد قَرّبَ الله المَسافة َ بَينَنا … فها أنا يحويني وإياهُ إيوانُ
أشكّ وقدْ عاينتهُ في قدومه … وَأمسَحُ عَنْ عَينيّ هلْ أنا وَسْنانُ
فهلْ قانعٌ مني البشيرُ بمهجتي … على ما بها من دائِها وَهيَ أشجانُ
سَأشكُرُ هذا الدّهرَ يَوْمَ لِقائِهِ … وَإن كانَ دَهراً لم يزَلْ وَهوَ خوّانُ
وحلبة ِ نصرٍ لا أرى فيه لاحقاً … وَقد سَبَقَتهمْ في الفَضائلِ فُرْسانُ
لقد عدمَ الغبراءُ فيها وداحسٌ … وَلم يَعدَمِ الأعداءُ عَبسٌ وَذُبيانُ
لَعَمْرُكَ ما في القوْمِ بَعدِيَ قائلٌ … فهَذا مَجَالٌ للجِيادِ ومَيدانُ
فدَعْ كلّ ماءٍ حينَ يُذكَرُ زَمْزَمٌ … ودعْ كلّ وادٍ حينَ يذكرُ نعمانُ
وما كلّ أرض مثلُ أرضٍ هي الحمى … وَما كلّ نَبتٍ مثلُ نَبتٍ هوَ البانُ
ومثلي وليٌّ هزّ عطفيكَ مدحهُ … وَإنْ شئتَ سلمانٌ وَإن شئتَ حسّانُ
ألا هكذا فليحسنِ القولَ قائلٌ … وَمثلُ صَلاحِ الدّين قد قلّ سلطانُ