لقد رام كتم الوجد يوم ارتحاله … ولكن دمع العين باح بحاله
فجاد ولم يملك بوادر عبرة … حداها مع الأظعان حادي جماله
أخو زفرة لا يستقيم كأنها … يجول فراس البكر حول ذباله
إذا حن لاقى دمعه بيمينه … وإن أن حاذى قلبه بشماله
تذكرت عهدا أحلى من الكرى … وأقصر من المام طيف خياله
فيا ليت شعري من أتاح لي الجوى … وعذب بالي هل أمر بباله
خليلي هبا فاجراها وغنيا … عليها بكثبان الحمى ورماله
وإن غالها حر الهجيرة فاذكرا … غضارة واديه وبرد ظلاله
وقولا لها ريا فأكتاف رية … إمام نوانا فأبشري باحتلاله
ستجنين غض العيش من مضض السرى … إذا حط عنك الكور بين جلاله
وتأتي أمير المسلمين خوامسا … فتكرع من بعد النوى في نواله
خليفة صدق لم يجد بشبهه … زمان ولم تأت الدنيا بمثاله
يرف إلى العافين لألاه بشره … كما رف متن العضب عند صقاله
إذا هم كان الدهر عبد مقامه … وإن قال قال الحق عند مقاله
مجير من استعداه قبل ندائه … ومغني من استجداه قبل سؤاله
مثير رياح في حومة الوغى … ومختطف الأبطال يوم نزاله
وموقد نار العدل في علم الهدى … ومطفىء نار البغي بعد اشتعاله
ومطلع شمس البشر في سحب الندى … وباني معاليه وهادم ماله
والله من مجد رفيع عماده … تبيت النجوم الزهر دون مناله
وأقسم ما روض الربا عقب الحيا … بأعطر عرفا من ثناء خلاله
أيوسف دم للدين تحمي ذماره … وتجني الأماني تحت ظل جلاله
وللجود تهمي ساجما من سحابه … وللباس تذكي جاحما من مصاله
حثثت ركاب العزم في خير وجهة … أتيح بها الإسلام برد اعتلاله
نشرت لواء الدين حين طويتها … مراحل غزو منك في نصر آله
إذا جئت قصرا أو حللت بمربع … ثوى الأمن والتمهيد بين حلاله
وصاب غمام الجود فوق بطاحه … وأشرق نور الهدي فوق جباله
كأنك بدر والبلاد منازل … إذا جبت أفقا راق نور جماله
وإن فقته بالحلم والعلم والندى … وشاركته في نوره وانتقاله
فكم بين محفوظ الكمال من الردى … ومتصف بالنقص بعد كماله
ولما أرحت السير في قصورية … بعزم تضيق الأرض دون مجاله
رأى منك بحر الماء بحرا من الندى … فواصل منه الموج لثم نعاله
زجرت بها الأسطول يبتدر العدا … ويمضي إلى ما اعتداه من فعاله
بكل خفيف دافق ومطاوع … مثار صباه أو مهب شماله
فلله عينا من رآها صوافنا … أفاض عليها القار سحم جلاله
إذا سعا عدتها هبة الريح أسرعت … كما أنساب أيم الروض غب انسلاله
وغربان أثباج زجرت سنيحها … ويظهر نجح الأمر في حسن فاله
سحاب إذا تهفو بروق صفاحه … همى عرض هجم بودق نباله
وغيل ليوث غابه من سلاحه … وآساده يوم الوغى من رجاله
وروض سقاه النصر صوب غمامه … ودارت عليه مفعمات انسجاله
فأغصانه ملتفة من رماحه … وأوراقه مخضرة من نصاله
جوار غذاها الغزو در لبانه … وحجبها الإسلام تحت حجاله
هواف إلى جرف العدو وإنما … وثقن بنصر الله يوم قتاله
لملكك عقبى النصر فارقب طلوعها … فقد آن للإسلام آن اقتباله
هو الله يملي للعدا ويد الهدى … ببرهانها تجلو ظلام محاله
وهل يستوي مستبصر في يقينه … ومستبصر في غيه وضلاله
هنيئا لك العيد السعيد فإنه … أتاك ببشرى الفتح قبل اتصاله
طوى البعد عن شوق وحث ركابه … وأوشك في منغاك حط رحاله
فمن استجار علاك عز جواره … وعزيز قوم لم يطعك ذليل
وإذا توخيت السياسة في الورى … يوما فما للعدل عنك عدول
وإذا جنبت المغريات إلى العدا … سيان عندك فرسخ أو ميل
ولو استعنت الدهر واستنجدته … لبدت لأمرك طاعة وقبول
وأتى ومن قطع الظلام كواكب … ومن الصباح أسنة ونصول
إن رمت في الله الجهاد وطالما … أرضى الإله جهادك المقبول
وأنفت للدين الحنيف وأهله … من أن يطيح نجيعه المطلول
وقدحت زند عزيمة نصرية … تركت ديار الكفر وهي طلول
وسلكت للتقوى سبيلا سنها … علم الملوك أبوك إسماعيل
ورجعت والنصر العزيز مصاحب … لك والملائكة الكرام قبيل
في عسكر لجب كأن جموعه … فوق الوهاد إذا زحفن سيول
كالبحر إلا أنهن كتائب … والريح إلا أنهن خيول
والبرق إلا أنهن أسنة … والرعد إلا أنهن طبول
فبكل نجد راية منشورة … وبكل غور مقنب ورعيل
كان افتتاح بني بشير مبدأ … سبب البشارة بعده موصول
سرت بموقعه النفوس وإنه … نبأ على سمع العدو ثقيل
ثم ارتقيت ثنية الثغر التي … هي للضلال معرس ومقيل
ورميتها بعزيمة نصرية … كادت لها شم الهضاب تزول
خود تجلت في منصة شاهق … مختالة إكليلها الإكليل
ومصام عز للنجوم مزاحم … ما لاستباحة ما حواه سبيل
سامي الذرا متمتع أركانه … يرتد عنه الطرف وهو كليل
أصميت ثغرتها بسهم عزيمة … تذر الأبي الصعب وهو ذليل
دارت بأعلى منذريها قهوة … للحتف مترعة الكؤوس شمول
ثم انثنيت وبالرماح تقصد … مما غزوت وللسيوف فلول
وتركت سحب النقع في آفاقها … تسمو وأنهار السيوف تسيل
لا يغررن الروم في أملائها … قدر فأيام الحروب تدول
والعزم وار في الحفيظة زنده … والرأي مشحوذ الغرار صقيل
ولو أنهم ملأوا البسيطة كثرة … إن الكثير مع الضلال قليل
وإذ امرؤ جعل الصليب نصيره … دون الإله فإنه مخذول
من مثل يوسف في الملوك إذا غدت … تزهى بفضل قديمها وتصول
طلق المحيا والخطوب عوابس … هامي الأنامل والغمام بخيل
بدر ولا غير الكتيبة هالة … ليث ولا غير الأسنة غيل
من أسرة سعدية نصرية … أثنى عليها الله والتنزيل
لله من فتح جليل قدره … ينميه جد في الملوك جليل
دين على الزمان ابتدرت قضاءه … سهل المرام وإنه لبخيل
لبست بك الأيام زخرف حسنها … وزها على الأجيال هذا الجيل
فاهنا بموصول الفتوح فإنما … هي سنة ما إن لها تبديل