لفقدانِ عبد الواحد الدمع قد جرى … وأَجرى نجيعاً للمدامع أحمرا
تذكرته من بعد حول فأذْرَفَتْ … عليه جفوني حسرة ً وتذكّرا
فكفكفْتُ من عيني بوادر عبرة … وما خِلْتُها لولاه أنْ تَتَحدَّرا
أقام عليَّ العيدُ في النحر مأتما … وأظهرَ ما قد كان في القلب مضمرا
لئن غيّبوه في التراب وأظلمتْ … معالم كانت تفضح الصبح مسفرا
فما أَغمدُوا في الترب إلاّ مُهَنَّدا … ولا حملوا في النعش إلاّ غضنفرا
أُصِبْنَا وأيم الله كلّ مصيبة … بأروع أبكى الأجنبين ولا مرا
فيا لك من رزءٍ أصاب وحادث … ألمّ وخطبٍ في الجلاميد أثّرا
تَفَقَّدْتُ منه وابل القطر ممطراً … وفارقتُ منه طلعة البدر نيّرا
وما كان أبهى منه في الناس منظراً … ولا كان أزكى منه في الناس مخبرا
أفي كلّ يوم للمنايا رزيّة … تكاد لها الأكباد أنْ تتفطّرا
تهيّجُ أحزاناً وتبعثُ زفرة ً … وتُرسِلُ في فَقد الأحبّة ِ منذرا
تكدّر أخوان الصفا في کنبعاثها … وأَيُّ صفاء لامرىء ٍ ما تكدَّرا
أجلُّ مصاب الدهر فقدكَ ماجداً … ودفنك أجداث الأكارم في الثرى
وقولك مات الأكرمون فلم نجدْ … زعيماً إذا ما أورد الأمر أصدر
وما حيلة الإنسان فيما ينوبه … إذا كان أمر الله فيه مُقَدَّرا
وهبك کتَّقَيت الرزء حيث أريته … فكيف بمن يأتيك من حيث لا ترى
ونحن مع المقدور نجري إلى مدى … وليس لنا في الأمر أنْ نتخيّرا
إذا لم تمتعْ بالبقاء حياتنا … فلا خيرَ في هذي الحياة التي نرى
على ذاهب منا برغم أُنوفنا … نعالجُ حزناً أو نموت فتعذر
وما أنا بالناسي صنعائه التي … تذكّرنيه كلّ آنٍ تذكُّرا
فأثني عليه الخير حيّاً وميّتاً … وأشكره ما دمت حيّاً مذكرا
وإنّي متى صوَّعتُ طيب ثنائه … فتقتُ به مسكاً وأشممتُ عنبرا
تبارك من أنشاك يا ابن مبارك … جميلاً من المعروف لن يتنكرا
وما زلتَ حتى کختارك الله طاهراً … فكنت كماء المزن عذباً مطهرا
إلى رحمة الرحمن والفوز بالرضا … سبقت وما أسبقت فينا التصبّرا
وما كان بالصبر الجميل تمسكي … ألا إنَّ ذاك الصبر منفصم العرى
كفى المرءَ في الأيام موعظة ً بها … وتبصرة ً فيها لمن قد تبصّرا
ولا بد أنْ تلقى المنون نفوسنا … ولو أنّنا عشنا زماناً وأعصرا
وإنَّ الليالي لم تزل بمرورها … تسلّ علينا بالأهلّة خنجرا
أتطمعنا آمالنا ببقائنا … بكلِّ حديثٍ ما هنالك مفترى
وإنَّ المنايا لا أبا لك لم تَدَعْ … من الناس سرباً ما أربعَ وأذعرا
أغارت على الأقيال من آل حميرٍ … وجاءت على كسرى الملوك وقصيرا
فما منعت عنها حصون منيعة ً … ولا كشفت من فادح الخطب ما عرا
لئن غاب عن أبصارنا بوفاته … فما زالك في الأفكار منّا مصوّرا
فقدناك فقدان الزلال على الظما … فلا منهل إلاّ ومورده جرى
ألا في سبيل الله ما كنت صانعاً … من البرّ والمعروف في سائر الورى
وكنت لوجه الله تشبع جائعاً … وتطعم مسكيناً وتكسو لمن عرى
وإني لأستسقي لك الله وابلاً … متى استمطر الصادي عزاليه أمطرا
يَصُوب على قبر يضمُّك لَحْدُه … ويَسْطعُ مسكاً من أريجك أذفرا
سقاك الحيا المنهلّ كل عشيّة … وروّاك من قطر الغمام مبكرا
فقد كنت للظمآن أعذب منهل … وقد كنت غيثاً بالمكارم ممطرا
وقد كان فيك الشعر يَنْفُقُ سوقُه … لديك ويبتاع الثناء ويشترى
وقد ساءني أنْ أصبحَ الفضل كاسداً … وأصبحَ مغنى الجود بعدك مقفرا
وقد خَمدت نار القرى دون طارق … فلا جود لجدوى ولا نار للقرى
وغودر ساري الحمد في كلّ مهمه … من الأرض مصروف العنان عن السرى
فلا أخصبتْ أرض الخصيب ولا زهى … بها الربع مأنوساً ولا الروض مزهرا
لقد كان صُبحي من جبينك واضحاً … وقد كان ليلي من محيّاك مقمرا
فيا ليت شعري والحوادث جمّة … ويا ليتني أدري ومن ذا الذي درى
محاسن ذاك العصر كيف تبدَّلَتْ … ورونق ذاك الحسن كيف تغيّرا
وكانت لك الأيدي طوالاً إلى العلى … تناول مجداً في المعالي ومفخرا
فكم راغب فيها وكم طامع بها … أَمَدَّ لها الباعَ الطويل فقصّرا
ومن مكرمات تملكُ الحرَّ رقّة ً … تطوّق من أيديك يداً ومنحراً
ومن حسنات تخلق الدهر جدّة ً … كتبت بها في جبهته المجد أسطرا
وكم معسر بدّلْت بالعُسْر يُسْرَه … وما زلت للفعل الجميل ميسّرا
ولو كانت الأَنصار تُنجي من الردى … نصرناك إذا وافاك نصراً مؤزّرا
فكم مقلة ٍ أذرتْ عليك دموعها … ومهجة صادٍ أوشكت أنْ تسعّرا
وكم كبدٍ حرّى يحرّقها الأسى … تكادُ على ذاكراك أن تتفطّرا
وليلة تذكيني بذكرك زفرة … حرام على عيني بها سنة الكرى
عليك سلام الله ما حَجَّ محرمٌ … وهلَّل في تلك البقاع وكبّرا