يا ليتما رجع الزمان الأول … زمن الشباب الضاحك المتهلل
عهد ترحلت البشاشة إذ مضى … وأتى الأسى فأقام لا يترّحل
ولّى الصبا وتبددت أحلامه … أودى به وبها قضاء حوّل
حصدت أنامله المنى فتساقطت … صرعى ، كما حصد السنابل منجل
فالروح قيثار وهت وتقطعت … أوتاره، والقلب قفر ممحل
والشيب يضحك برقه في لّمتي … هذي الضواحك ، يا فؤادي، أنصل
أشتاق عصرك، يا شبيبة ، مثلما … يشتاق للماء النمير الأبل
إذ كانت الدنيا بعيني هيكلا … فيه إلاهات الجمال ترتل
من كلّ حسناء كأنّ حديثها … السلوى أو الوحي الطهور المزل
وأنا وصحي لا نفكر في غد … فكأنّ ليس غد ولا مستقبل
نلهو ونلعب لا نبالي ضمّنا … كوخ حقير أم حوانا منزل
نتوهّم الدنيا لفرط غرورنا … كملت بنا وبغيرنا لا تكمل
ونخال أن البدر يطلع في الدجى … كيما يسامرنا فلا نتململ
ونظنّ أنّ الروض ينشر عطره … من أجلنا ، ولنا يغنّي البلبل
فكأنّما الأزهار سرب كواعب … وكأنما هو شاعر يتغزّل
في كلّ منظور نراه ملاحة … وسعادة في كلّ ما نتخيّل
لا شيء يزعج في الحياة نفوسنا … لا طارىء ، لا عارض، لا مشكل
فكأننا في عالم غير الذي … تتزاحم الأيدي به والأرجل
وكأننا رهط الكواكب في الفضا … مهما جرى في الأرض لا تتزلزل
ألناس في طلب المعاش وهمّنا … كأس مشعشة وطرف أكحل
كم عنّفونا في الهوى واسترسلوا … لو انهم عزفوا الهوى لم يعذلوا
ولو انهم ذاقوا كما ذّقنا الرؤى … شبعت نفوسهم وإن لم يأكلوا
زعموا تبذّلنا ولم يتبذلوا ، … إنّ الحقيقة كلّنا متبذّل
حرموا لذاذات الهيام وفاتنا … درك الحطام ، فأينا هو أجهل؟
إني تأملت الأنام فراعني … كيف الحياة بهم تجدّ وتهزل
لا يضبطون مع الصّروف قيادهم … إلا كما ضبط المياه المنخل
بينا الفتى ملء النواظر والنّهى … فإذا به رقم خفي مهمل
يا صاحبي، والعمر ظل زائل ، … إنّ كنت تأمل فيه أو لا تأمل
ألذكر أثمن ما اقتنيت وتقتني … ولحبّ أنفس ما بذلت وتبذل
قيل اغتنى زيد فليتك مثله … أنا مثله، إن لم أقل ، أنا أفضل
ألشمس لي وله ، ولألاء الضحى … والنّيرات، ومثلما المنسوّل
أما النّضار فإنه ، يا صاحبي … عرض يزول وسلعة تنقّل
ما دمت في صحبي ودام وفاؤهم … فأنا الغنّي الحقّ لا المتموّل
أنا لست أعدل بالمناجم واحدا … وأبيع من عقلوا بما لا يعقل