بتّ أرعى في الظلام الأنجما … ليس للعشّاق حظّ في الكرى
صرعتني نظرة حتى لقد … كدت أن أحسد من لا يبصر
نظرة قد أورثت قلبي الكمد … ما بلاء القلب إلاّ النّظر
لا رعاك الله يا يوم الأحد … لا ولا حيّاك عنّي المطر
أنت من أطلعت هاتيك الدّمى … سافرات فتنة للشّعرا
همت فيمن حسنت صورتها … مثلما قد حسنت منها الخصال
أخجلت شمس الضحى طلعتها … و استحى من لحظها لحظ الغزال
كلّ ما فيها جميل يشتهى … ما بها عيب سوى فرط الجمال
لو رآها لائمي فيها لمّا … لامني في حبّها بل عذارا
ذات حسن خدّها كالورد في … لونه و الطيّب في نكهته
زهرة لكنّها لم تقطف … و جمال الزّهر في روضتيه
درّة ما خرجت من صدف … ترخص الدّرّ على قيمته
بضّة الخدّين و النّهدين ما … سفرت إلاّ رأيت القمرا
ذات شعر مسبل كالأفعوان … يتهادى فوق ردف كالكثيب
و قوام لو رآه الغصن بان … خجلا من ذلك الغصن الرّطيب
كاد لولا ما به من عنفوان … يقف الورق به و العندليب
و جفون أشبهتني سقما … كمن السّحر بها و استترا
تبعث الحبّ إلى الخليّ … و هو لا يدري و لا يستشعر
و الهوى في بدئه عذب شهيّ … كلّ شيء بعده محتقر
كلّ من لا يعرف الحبّ شقيّ … لا يرى في دهره ما يشكر
يصرف العمر و لكن سأما … عبثا يطلب أن لا يضجرا
لم أكن أعرف ما معنى الهنا … قبل أن أعرف ما معنى الغرام
يضحك النّاس سرورا و أنا … عابس حتى كأنّي في خصام
عجبوا منّي و قالوا علنا … قد رأينا الصّخر في زيّ الأنام
أوشكوا أن يحسبوني صنما … لو رأوا الأصنام تخفي كدرا
لم أزل في ربقة اليأس إلى … أن أعاد الحبّ لي بعض الرّجا
كنت قبل الحبّ أسري في ظلا … م و لا ألقى لنفسي مخرجا
فجلاه الحبّ عنّي فانجلى … مثلما يجلو سنا الشمس الدّجى
بات قلبي بالأماني مفعما … و هو قبلا كان منها مقفرا
روّعتني بالنّوى بعد اللّقاء … و كذا الدّنيا دنو و افتراق
غضب الدّهر على كأس الصّفاء … مذ رآها فأبى ألاّ تراق
و لو أنّ الدّهر يدري بالشّقاء … ساعد الصبّ على نيل التلاق
لم أجد لي مشبها تحت السما … في شقائي ، لا ولا فوق الثّرى
و أبي لو أن ما بي بالجبال … أصبحت تهتزّ من مرّ النسيم
فاعذروني إن أكن مثل الخيال … و اعذلوني إن أكن غير سقيم
إنّ دائي جاء من صاد ودال … و دواء القلب في ضاد و ميم
بات صبري مثل جسمي عدما … إنّما يصبر من قد قدرا
ربّ ليل عادني فيه السّهاد … و نأى عن مقلتي طيب الكرى
هاجت الذّكرى شجونا في الفؤاد … فبكى طرفي عقيقا أحمرا
نبّه الأهل بكائي و العباد … فأتوا يستطلعون الخبرا
قلت داء في الفؤاد استحكما … كاد قلبي منه أن ينفطرا
صدّقوا ما قلته ثمّ مضى … واحد منهم يستدعي الطبيب
سار و الكلّ على جمر الغضا … و أنا بين أنين و نجيب
لم يكن إلاّ كبرق و مضا … و إذا ( الدكتور ) من مهدي قريب
قال للجمهور ماذا الاجتماع … أخرجوا أو زدتموه خطرا
خرج الكلّ فأمست غرفتي … مثل قلب الطفل أو جيب الأديب
فدنا يسألني عن علّتي … و أنا أسمع لكن لا أجيب
فنضا الثّوب فأبصرت التي … كاد جسمي في هواها أن يغيب
خلعت عنها لباس الحكما … فرأت عيناي بدرا نيّرا
و اعترتني دهشة لكنّها … دهشة ممزوجة بالفرح
كدت أن أخرج عن طزر النّهى … ربّ سكر لم يكن من قدح
يا لها من ساعة لو أنّها … بقيت كالدّهر لم تستقبح
عانقتني و أنا أبكي دما … و هي تبكي لبكائي دررا
و جعلنا بعد أن طال العناق … تتناجى بأحاديث القلوب
بينما نحن على هذا الوفاق … قرع الباب فأوشكنا نذوب
فأشارت لي قد حان الفراق … فاقطعنا وارتدّت ثوب الطبيب
أقبل القوم فقالت كلّ ما … كان يشكو منه عنه قد سرى