سَلِّمْ على الدَّارِ بِذِي تَنْضُبِ … فشطِّ حوضى فلوى قعنبِ
واسْتَوْقِفِ الرَّكْبَ عَلَى رَسْمِهَا … بل حلَّ بالرَّسمِ ولا تركبِ
لَمَّا عَرَفْنَاهَا جَرَى دَمْعُهُ … مَا بَعْدَ دَمْعِ الْعَانِسِ الأَشْيَبِ
طالب بسعدى شجناً فائتاً … وهل لما قد فاتَ من مطلبِ
وصاحبٍ قد جنَّ في صحَّة ٍ … لاَيَشْرَبُ التِّرْيَاقَ مِنْ عَقْرَبِ
جافٍ عنِ البيضِ إذا ما غدا … لم يبكِ في دارٍ ولم يطربِ
صَادَيْتُه عَنْ مُرِّ أخْلاَقِهِ … بحلوِ أخلاقي ولم أشغبِ
حتَّى إذا ألقى علينا الهوى … أظفارهُ وارتاحَ في الملعبِ
أصفيتهُ ودِّي وحدَّثتهُ … بالْحَقِّ عَنْ سُعْدَى وعَنْ زَيْنَبِ
أقول والعينُ بها غصَّة ٌ … مِنْ عَبْرَة ٍ هَاجَتْ ولَمْ تَسْكُبِ:
إِنْ تَذْهَبِ الدَّارُ وسُكَّانُهَا … فَإِنَّ ما فِي الْقَلْبِ لَمْ يَذْهَبِ
لا غَرْوَ إِلاَّ دَار سُكَّانِنَا … تمسي بها الرُّبدُ معَ الرَّبربِ
تنتابها سعدى وأترابها … فِي ظِلِّ عَيْشٍ حَافِلٍ مُعْجِبِ
مرَّ علينا زمنٌ مصعبٌ … بَعْدَ زَمَانٍ لَيْسَ بالْمُصْعَبِ
فَاجْتَذَّ سُعْدَى بِحَذَافيرِهَا … غيرَ بقايا حبِّها المصحبِ
قد قلتُ للسَّائلِ في حبِّها … لمَّا دنا في حرمة ِ الأقربِ:
يا صاحِ لا تسأل بحبِّي لها … وانْظُرْ إِلَى جِسْمِي ثم اعْجَبِ
من ناحلِ الألواحِ لو كلتهُ … في قلبها مرَّ ولم ينشبِ
شتَّانَ مجدودٌ ومن جدُّهُ … كالكعبِ إن ترحل بهِ يرتبِ
أغرى بسعدى عندنا في الكرى … مَنْ لَيْسَ بِالدَّانِي ولا الْمُصْقَبِ
مكِّيَّة ٌ تبدو إذا ما بدت … بالميثِ من نعمانَ أو مغربِ
علِّقتُ منها حلماً كاذباً … يا ليتَ ذاكَ الحلمَ لم يكذبِ
وملعبِ النُّونِ يرى بطنهُ … من ظهرهِ أخضرَ مستصعبِ
عَطْشَانَ إِنْ تأَخُذُ عَلَيْهِ الصَّبَا … يَفْحُشْ عَلَى الْبوصِيِّ أو يَصْخَبِ
كأنَّ أصْوَاتاً بِأرْجَائِه … من جندبٍ فاضَ إلى جندبِ
ركبتُ في أهوالهِ ثيِّباً … إِلَيْكَ أوْ عَذْرَاءَ لَمْ تُرْكَبِ
لمَّا تَيَمَّمْتُ عَلَى ظَهْرِهَا … لمجلسٍ في بطنها الحوشبِ
هيَّأتُ فيها حينَ خيَّستها … مِنْ حَالِكِ اللَّونِ ومِنْ أصْهَبِ
فأصبحت جارية ً بطنها … مَلآنُ مِنْ شَتَّى فَلَمْ تُضْرَبِ
لا تشتكي الأينَ إذا ما انتحت … تهدى بهادٍ بعدها قلَّبِ
رَاعي الذِّرَاعَيْنِ لِتَحْرِيزهَا … من مشربٍ غارَ إلى مشربِ
إِذَا انْجَلَتْ عَنْهَا بِتَيَّارِهِ … وارْفَضَّ آلُ الشَّرَفِ الأَحْدَبِ
ذكَرْتُ مِنْ هِقْلٍ غَدَا خَاضباً … أو هقلة ٍ ربداءَ لم تخضبِ
تصرُّ أحياناً بسكَّانها … صَرِيرَ بَاب الدَّار فِي الْمِذْنَبِ
بمِثْلِهَا يُجْتَازُ فِي مِثْلِهِ … إِنْ جَدَّ جَدَّتْ ثُمَّ لَمْ تَلْعَبِ
دُعْمُوصُ نَهْرٍ أنْشَبَتْ وَسْطَهُ … إن تنعبِ الرِّيحُ لها تنعبِ
إِلى إِمَام النَّاسِ وَجَّهْتُهَا … تَجْرِي عَلَى غَارٍ مِنَ الطُّحْلُبِ
إِلى فتًى تَسْقِي يَدَاهُ النَّدَى … حيناً وأحياناً دمَ المذنبِ
إذا دنا العيشُ فمعروفهُ … دَانٍ بِعَيْشِ الْقَانِعِ الْمُتْرِبِ
زينُ سريرِ الملكِ في المغتدى … وغرَّة ُ الموكبِ في الموكبِ
كأنَّ مبعوثاً على بابهِ … يدني ويقصي ناقداً يجتبي
إذا رماهُ النَّقرى بامرئٍ … لاَنَ لَهَ الْبَابُ وَلَمْ يُحْجَبِ
دأبتُ حتَّى جئتهُ زائراً … ثمَّ تعنَّيتُ ولم أدأبِ
ما انشقَّتِ الفتنة ُ عن مثلهِ … في مشرقِ الأرضِ ولا مغربِ
أطبَّ للدِّينِ إذا رنَّقت … عيناهُ من طاغية ٍ مجربِ
ألقى إليهِ “عمرٌ” شيمة ً … كَانَتْ مَوَارِيثَ أبٍ عَنْ أبِ
قوْدَ الْمَطَايَا بِعَمَى مَارِقٍ … عوتبَ في الله فلم يُعتبِ
إنَّ يزيداً فادنُ من بابهِ … في الضيقِ إن كانَ أو المرحبِ
أجْدَى عَلَى النَّاسِ إِذَا أمْحَلُوا … يوماً وأكفى للثأى المنصبِ
دعامة ُ الأرضِ إذا ما وهت … سماؤهُ عن لاقحٍ مقربِ
الْجَالِبُ الأُسْدَ وأشْبَالَهَا … يزرنَ من دورينِ في المجلبِ
بِعَسْكَرٍ ظَلَّتْ عَنَاجِيجُهُ … في الْقودِ مِنْ طِرْفٍ ومِنْ سَلْهَبِ
مجنوبة َ العصرينِ أو عصرها … بسيرِ لا وانٍ ولا متعبِ
يتبعنَ مخذولاً وأشياعهُ … بالْعَيْنِ فالرَّوْحَاء فالْمَرْقَبِ
حَتَّى إِذَا اسْتَيْقَنَ مِن كَبْوَة ٍ … وكُنَّ مِنْهُ لَيْلَة الْمِذَّبِ
خَرَجْنَ من سَوْدَاءَ في غِرِّة ٍ … يردينَ أمثالَ القنا الشُّرَّبِ
لَمَّا رَأوْا أعْناقَهَا شُرَّعاً … بالموتِ دونَ العلقِ الأغلبِ
كانوا فريقينِ فمن هاربٍ … ومقعسٍ بالطّعنِ لم يهربِ
مثل الفزاريِّ الَّذي لم يزل … جَدَاهُ يَكْفِي غَيْبَة َ الْغُيَّبِ
أنزلنَ عبدَ الله من حصنهِ … إذ جئنهُ من حيثُ لم يرهبِ
وانْصَعْنَ لِلْمَخْدُوع عَنْ نَفْسِهِ … يَذُقْنَ ما ذَاقَ فَلَمْ يُصْلَبِ
وَلَوْ تَرَى الأَزْدِيَّ فِي جَمْعِهِ … كانَ كضلِّيلِ بني تغلبِ
أيَّامَ يهززنَ إليه الرَّدى … بكُلِّ مَاضِي النَّصلِ والثَّعْلَبِ
حتَّى إذا قرَّبهُ حينهُ … منها ولولاَ الحينُ لم يقربِ
خاضَ ابنُ جمهورٍ ولو رامها … مطاعن الأسدِ على المشربِ
وزرنَ شيبانَ فنامت بهِ … عَيْنٌ ولَمْ تَأرَقْ عَلَى مُذْنِبِ
أجْلَى عَنِ الْمَوْصِلِ مِنْ وَقْعِهَا … أو خرَّ من حُثحُوثها المطنبِ
هُنَاكَ عَادَ الدِّينُ مُسْتَقْبَلاً … وانتصبَ الدّينُ على المنصبِ
وَعَاقِدُ التَّاجِ عَلَى رَأسِهِ … يبرقُ والبيضة ُ كالكوكبِ
لا يضعُ الَّلأمة َ عن جلدهِ … وَمِحْمَلَ السَّيْفِ عَنِ الْمَنْكِبِ
جلاَّبُ أتلادٍ بأشياعهِ … قلتُ لهُ قولاً ولم أخطبِ
لَوْ حَلَبَ الأَرْضَ بأخْلاَفِهَا … دَرَّتْ لَكَ الْحَرْبُ دَماً فَاحْلُبِ
يا أيها النَّازي بسلطانهِ … أدللتَ بالحربِ على محربِ
الْغِيُّ يُعْدِي فاجْتَنِبْ قُرْبَهُ … واحْذَرْ بُغَى مُعْتَزَلِ الأَجْرَبِ
أنهاكَ عن عاصٍ عدا طورهُ … وألهبَ القصدَ على الملهبِ
لاَ تَعْجَلِ الْحَرْبَ لَهَا رَحْبَة ٌ … تغضبُ أقواماً ولم تغضبِ
إن سرَّكَ الموتُ لها عاجلاً … فاستعجلِ الموتَ ولا ترقبِ
مَا أُحْرِمَتْ عَنْكَ خَطَاطِيفُهُ … فَارْقَ عَلَى ظَلْعِكَ أوْ قَبْقِبِ
إِنَّ الأُلَى كَانُوا عَلَى سُخْطِهِ … من بينِ مندوبٍ ومستندبِ
لمَّا دنا منزلهُ أطرقوا … إِطْراقَة َ الطَّيْرِ لذِي الْمِخْلَبِ