سوى الحب لا تشفي الفؤاد المكلما … ولا يهنيء المضني وإن كان مؤلما
هو الدهر كالتيار يكتسح الورى … بليل من الحداث أعكر أهيما
فما أجدر القلبين فيه تلاقيا … على سقوه أن يسلوها وينعما
كما يتلاقى في طريق مخوفة … غريبان نالت شقة السير منهما
وكم عاشق يسلو رزاياه بالهوى … وقد يجتلي وجه النعيم توهما
كسالك وعر راقه حسن كوكب … فأرجله تدمى وعيناه في السما
فإن ناله في الحب خطب فإنه … ليقضي خليقا أن يموت فيسلما
عفا الله عن صب شهيد غرامه … أصاب جراحا حيثما ظن مرهما
فتى كان ذا جاه وعلم وفطنة … كريم السجايا مستحبا مكرما
ولكن لكل حيث جلت سعوده … شقاء يوافيه أجل وأعظما
سبت لبه أسماء منذ احتلامه … فكان الهوى ينمو به كلما نما
تعلقها حورية حضرية … يكاد يكون النور منها تبسما
تراءت معانيها بمرآة قلبه … فثبتها فيه الغرام وأحكما
لها شعر كالليل يجلو سواده … بياض نهار يبهر المتوسما
وعينان كالنجمين في حلك الدجى … هما نعمة الدنيا وشقوتا معا
وأهداب أجفان تخال أشعة … مصففة غراء تعكس عنهما
ومنفرج من خالص العاج مارن … كأن الهوى قد بث فيما تنسما
تبالغ فيه الحاسدات وشاية … وما حجة الواشي إذا الحق أفحما
فرب سوي عد عيبا بموضع … وفي غيره للحسن كان متمما
ورب غريب في الملامح زانها … وكان بها من محكم الوضع أوسما
وثغر كما شفت عن الراح كأسها … يتوجها رد الحباب منظما
وخصر إليه ينتهي رحب صدرها … وقد دق حتى خيل بالثوب مرما
فإن أقبلت فالغصن أثقله الجنى … فمال قليلا واستوى متقوما
تلعقها غرا لعوبا من الصبا … فما شب إلا راح ولهان مغرما
ولازمه كالظل غير مفارق … مشوقا على كر الليالي متيما
وكانت على الأيام تزداد بهجة … ويزداد إعجابا بها وتهيما
وكان على جهل يعيش بحبها … وبالأمل المدفون فيه تكتما
يسر سرور الطفل بالم إن دنت … ويبكي إذا بانت كطفل تيتما ولم تدنه غض الشباب فيشتفي ولم تقصه قبل الشباب فيفطما
فكاتبها يشكو غليها عذابة … ويرجو ذليلا أن ترق وترحما
ولكن جفت فاندك معقل صبره … وأعياه دفع اليأس عنه فسلما
لأي الملوك الصيد صرح ممرد … كبرج وما الأبراج منه بأفخما
تمنطق من أنواره بعاقئق … وقلد فوق الراس درا وأنجما
نعم هو دار للملوك عتيقة … ولكن غدت للفحش دارا وبئسما
حباها أمير غاشم لأسافل … بعرض تولاه ورد مثلما
كذا يفعل الطاغي المطاع فإنه … ليفتك محمودا ويسلب منعما
بناء بمال الناس قام جباية … ولو ذوبوا تذهيبه لجرى دما
هنالك أنوار شواتم للدجى … روام بها مدحورة كل مرتمي
جواعل أيام الذي هن ليله … نهارا طويلا لا يرى متقسما
يعظمنه عن أن يمر زمانه … منارا كحكم الله والبعض مظلما
إذا خشي الجاني لقاء ضميره … أدال من الليل المصابيح واحتمى
مصابيح يستعدي بها من يضيئها … على ظلمات الليل أو تتجرما
ومن ماؤه دمع وخمرته دم … ويفترس المسكين لحما وأعظما
هنالك جمهور تخال رجالهم … نساء محلاة ونسوتهم دمى
يميلون من فرط المسرة نشوة … وينشد كل منهم مترنما
فيا أيهاالعافي الملم بدارهم … رويدك لا تغب غنيا مذمما
أيغبط من جادت يداه بعرضه … لما أنه أثرى بذاك فأكرما
ومن يلتمس رزقا وهذا سبيله … فأخلق به أن يستهان ويرجما
هنيئا لك الاعسار والعرض سالم … وكن ما يشاء الله جوعان معدما
ترقب عقاب الله فيهم هنيهة … تجد عيدهم هذا تحول مأتما
كلوا واشربوا ما لذكم وحلالكم … وفضوا زجاج السلسبيل المختما
وطوفوا سكارى راقصين وأنشدوا … ولا تسمعوا صوت الضمير مؤثما
فما هي غلا لحظة ثم تنقضي … فسروا بهام اتستطيعون ريثما
ومن أمكنته فرصة غير عالم … بما بعدها فلينهب الصفو مغنما
وأغوي عباد الله أسماء وباذلي … لحاظك آلاء وإن كن أسهما
محبوك كثر والأبر معاقب … ومن بر بالحسناء عوقب مجرما
يحبك حتى أنت معنى حياته … إذن هو أولى أن يساء ويظلما
ومهما يجد الوجد فيه فبالغي … بهزلك حتى تقتليه تهكما
فلما رأى أن الرجاء مضيع … وأن منار السعد بان وأعتما
مضى يتمشى في الحديقة مغضبا … يكاد الأسى فيه يثير جهنما
يروح ويغدو خائفا ثم راجيا … ويبكي حزينا آسفا متوجما
تشاك بمرأى ذلك الروض عينه … ويحسب فيه سائغ الماء علقما
في العقاب الفرع والأصل قد جنى … ليغدو أنكى ما يكون وأصرما
يقول أسيفا ليتني كنت مدقعا … من الفر لم أملك رداء ومطعما
ويا ليتني أقضي نهاري متبا … واحسد في الليل الأصحاء نوما
ويا ليتني شيخ ضئيل محدب … اسيف على عهد حبيب تقدما
إذن كان هذا العيش كأسا مسوغة … بصبري أحليه وإن يك علقما
أنيفعني جاهي وعلمي وفطنتي … وهل عصمت قبلي سواي فأعصما
ولكن أرى أن المذاهب ضقن بي … وأن مماتي قد غدا متحتما
وإن يرمني بالجبن قوم فإنني … رأيت اتقاء الضيم بالموت أحزما
وإنرزح الحمال من وقر حمله … أيلقيه عنه أم يطاوع لوما
فلما انتهى أورى الزناد مسددا … إلى قلبه فانحط يخبط بالدما
كأن بناء راسخا في مكانه … هوى بشهاب محرق وتهدما
كأ الجماد الناضح الدم لم يكن … سميعا بصيرا مدركا متكلما
كأ لم يكن علم هناك ولا نهى … ولم يك فضل يستفاد ميمما
كأن لم يكن حب فصد حبيبة … فيأس كبركان يثر تضرما
فموت بريء حيثما بات جده … أثيما بأموال العباد منعما