زارَتْ وقَدْ صَرَفَ العِنانَ الغَيْهَبُ … والصُّبْحُ يُنشر منه بَنْدٌ مُذْهَبُ
والزَّهْرُ في نَهْر المجرَّة ِ بعضها … يطْفو بِصِفْحَتِها وبعضٌ يَرْسُبُ
وكأنما الفَلَكُ المُكَوْكَبُ غادة ٌ … زُفَّت وحَلَّ لها الحُلِيّ المَغْرِبُ
والدَّوْحُ صلَّى بالتَّحيات التي … ألْقَى بمَسْمَعِهِ النَّسيمُ الطَّيب
والطَّيرُ قد نَفَضَ الجناحَ مُؤذّنا … والوُرْقُ تَتْلُو والبلابِلُ تَخْطُب
بِكْرٌ من الحيّ الحلال ببابل … تُنْمَى إلى هارُوتِهِ إذْ تُنْسَب
محْجوبَة ٌ في خَدْرِ طِرْسٍ دُونها … للحُسْنِ من غُرِّ المعاني مَرْكَبُ
ممْنوعَة ُ الأبياتِ بالبيضِ الظّبا … فالنّجْمُ للطُّرَّاقِ منها أقْرَب
ألباب ربّاتُ الحِجالِ بلِ الحِجا … كيف اهْتَدَيْتَ وما اسْتبانَ المذْهبُ
قد كُنْتُ أقْنَعُ منك في سِنة ِ الكَرى … بالطَّيفِ فضلا عن مزارِ يَقْرُب
ويئسْتُ إذ عاقَتْكَ أحراسُ العِدا … عن زَوْرتي وتألَّفوا وتألَّبوا
تالله لو أرسلتَ طيفَكَ لانْثَنى … خَوْفَ القواطِعِ خائفا يترقَّبُ
فأبيْتَ إلا أن تُبَرِّدَ غُلّة ً … لو عُلِّلَتْ بالبحْرِ كانت تَلْهَبُ
فَرَغَ الإلاهُ عن الحُظوظِ فَعَدِّ عن … حظٍ تَكِدُّ له فحظُّك يطلبُ
قسماً بِمُهْديك الذي أنوارُه … كالشمسِ إلا أنها لا تَغْربُ
لنَعَشت مني مُهْجة ً مَطْلُولة ً … وأنلْتني فوقَ الذي أنا أطلبُ
إيهٍ أبا حسَنٍ بأي عبارة … أثْنِي على عُلْياكَ عَزَّ المطلبُ
طَوَّقتني منها قِلادَة مَفْخرٍ … في مثلها باغي المكارِمِ يَرْغَبُ
هذا وكم لك منْ يدٍ مَشفُوعة ٍ … لا يسْتَقلُّ بحمْلِها لي مَنْكِبُ
وإليكَها كالبَحْر قِيسَ بمذْنَبٍ … والشمسُ نازَعَها الضِّياءَ الكَوْكَبُ
وتوَخَّني بالعُذْرِ إنَّ قريحتي … كالضَّرْع جفَّ وشحَّ مما يُحْلبُ
أمَّا دُعاؤكَ لي فعِلْمي أنَّه … ما إنْ له إلا العِنايَة َ مُوجِب
والوقْتُ فيه للقَبُولِ مَظِنَّة ٌ … وبِساطُ حالِ الوقتِ عنه يُعْربُ
هذا جنًى غَرَسَتْه كفُّ رِضاكَ لي … فهَصَرْتُه وهو الكثيرُ الأطْيَبُ
ونَتِجَة ٌ قَدَّمْتُ عند قِياسها … ما يوجب الإحسانَ لا ما يَسْلُبُ
لكنْ غَدَوْت برغم أنفي قاعِدا … والدّمعُ من عيني يفيضُ ويَسْكُبُ
وتنازعَ القَصْدانِ عَزْمي عندها … فالضّعفُ يُمْسك والتَّشوُّقَ يَجْذبُ
والعزْمُ بين المقصِدَين مُرَدَّدٌ … والقلبُ بين الحالتينِ مُذَبْذَبُ
ولو أنني ألْفيَتُ طِرْفاً يُرْتَضى … للفَرِّ والتأويلُ فيه يُجَنَّبُ
وإذا تَبَيَّنَتِ المقاصِدُ لم يكن … فيها أخو جِدٍّ كمن هو يلْعبُ
لبذلتُ فيه كلّ ما مَلكَتْ يدي … وحثَثْتُه للحرْبِ فيما أحْسِبُ
وهزَزْتُ فيه كلّ أسمَرَ ذابلٍ … يشْقَى بطَعْنتِه العدُوُّ الأصهَبُ
ما بِنْتُ عنه لفَرْطِ جبنٍ فاضِحٍ … كلا فما قلبي لذُعْرٍ يَنْحَبُ
والحتْفُ غاية ُ من يرُوحُ ويغتدي … فإذا فررْتَ إليه منه المهْرَبُ
وحَذَرْتَ لي عُقْبى القطيعة جاهداً … وهي الطَّريقة ُ والسَّبيلُ الأصْوبُ
لكن لديَّ فراسة ٌ معضْودَة ٌ … فإذا ظَننْتُ فإنها لا تكْذِبُ
والشّرْعُ يعتبرُ الظُّنونَ وسيما … ظنٌّ يكادٌ الحقُّ فيه يَغْلبُ
كِلْني لعلمي في صحابي إنني … بهِمُ خبيرٌ ماهرٌ ومُجَرِّبُ
لك ظاهِرٌ منهم حَكَمْتَ به ولي … منهُم بواطِنٌ عن عِيانِك غُيَّبُ
سِيانِ منهم واصلٌ أو هاجِرٌ … أو عاذِرٌ أو عاذِلٌ ومُؤنِّبُ
مهما جفاني صاحِبٌ في الناس لي … سَعة ٌ وفي عرْضِ البسيطة ِ مَذْهبُ
لا تسْتَقِرُّ على التّنافُس صُحْبَة ٌ … وموَدّة ُ الأكفاءِ أمرٌ يَصْعُب
والماءُ إن ألف الثَّواء تغيَّرتْ … أوصافُه وعلا عليه الطُّحْلُبُ
إنّ الصّداقة َ لفْظة ٌ مدْلُولها … في الدّهْرِ كالعنْقاءِ بل هو أغْربُ
كم فضّة ٍ فُضَّتْ وكم من ضَيْعة ٍ … ضاعت وكم ذهبٍ رأينا يَذْهبُ
إلا الصداقَة َ فهي ذُخْرٌ خالدٌ … أسْمى وأسْنى ما اكْتَسَبْتَ وتَكْسِبُ
وإذا رَضِيَت وقد رَضِيتَ فليس لي … عِلْمٌ بمن يرضى ومن يغْضَب
وإذا بَقيتَ فلستُ أبكي مَنْ مَضَى … لم لا وأنت الأهلُ عِنْدي والأبُ
أمحلَ والدي الذي لجَنابِه … آوي وفي مَرْضاتِهِ أتَقَلَّبُ
خيَّرتَني بين المُقام أو السُّرى … والأمرُ يُفْصِحُ بالمسير ويُعْرِب
فترجَّحَ العزْمُ الحثيثُ وساقِطٌ … حُكْمُ الإباحة ِ ما اسْتبانَ الأوجب
ووعَدَت بالعذْرِ الجميلِ وإنني … لأخافُ من يَبْغي عليَّ ويَعْتِبُ
نَبهَت لمَّا نِمْتُ عنك مُؤمَّلا … يُرْدِي الأعادي منك ماضٍ مُقْضِب
فامدُدْ لها كُفّا بُنَيَّة ساعة ٍ … لكن أبوها دونَ فَخْرٍ مُنْجِب
وإذا أتَتْكَ عشية ً فامْدُدْ لها … عَرَضْتَ لنا أصلا فقلنا الرَّبرب