ردوا غمراتها في الواردينا … وسيروا في الممالك فاتحينا
لكم ما استعمر الأعداء منها … وما استلبت أكف الغاصبينا
لها خلق الصواعق حين تغفى … فما يمسكن حتى يرتمينا
تبيت على مضاجعها المنايا … مولهة تظن بها الظنونا
تقر فتفزع الدنيا وتأبى … ممالكها الهوادة والسكونا
وتبعثها الوغى فيسيل منها … عباب الموت يطوي المعتدينا
يطوح بالكتائب والسرايا … ويلتهم المعاقل والحصونا
سل البونان كيف طغى عليهم … أما كانوا الطغاة القاهرينا
إذا طلبوا النجاة تلقفتهم … يدا عزريل في المتلقفينا
يشق الموج إن فزعوا إليهم … ويزجي من مخالبه سفينا
خطوب زلزلت أزمير منها … وزالت عن مواقعها أثينا
إذا ما ساق قسطنطين جيشا … رمى الغازي فساق له المنونا
وما بجنود قسطنطين نكر … إذا كر الغزاة مكبرينا
يردون السيوف بلا قتال … ويلوون الأعنة معرضينا
إذا نظموا الهزائم أحسنوها … وزفوها روائع يزدهينا
وما تخفي فنون الحرب يوما … على الشعب الذي ورث الفنونا
تولوا كالرياح تهب نكبا … وطاروا كالنعام مشردينا
تكاد الأرض تنكرهم إذا ما … تولوا في الأباطح مدبرينا
تكاد بلادها ترتاب فيهم … إذا مروا بهن مدمرينا
فذلك بأسهم والبأس عجز … إذا رحم الضعاف العاجزينا
وتلك سبيلهم لا عيب فيها … وإن زهقت نفوس اللائمينا
ومن زعم المذابح منكرات … فقد زعم الملائك مجرمينا
كساهن الشحوب بلى عبوس … وكان الحسن مما يكتسينا
سل الأطلال من سفع وسود … أهن إلى النواعب ينتمينا
أتيح لهن من ظلم طلاء … كلون القار هن به طلينا
ديار عمومتي وبلاد قومي … متى درست رسومك خبرينا
أثار عليك من فيزوف سخط … أم اخترمتك أيدي الساخطينا
تفجر فيك طوفان جحيم … هوى بك موجه في المغرقينا
لئن جاش العباب فذبت فيه … لقد ذابت نفوس الساكنينا
جرين على غواربه حيارى … دوائب يفترقن ويلتقينا
تظل النار تأكلهم ألوفا … وليسوا بالعصاة المذنبينا
تصيب المذعنين فتحتويهم … وتعصف في وجوه الجافلينا
وتغشى كل منزلة ومثوى … فيذهب كيدها باللاجئينا
إذا مال السبيل بها فحارت … هدتها صيحة المستصرخينا
وناعمة الشبيبة ذات طفل … يضيء وسامة ويرف لينا
تلوذ بمهده وتضم منه … رياحين الرياض إذا ندينا
دهاها الخطب أحمر في نفوس … لبسن الموت أسود إذ دهينا
فعاد الثدي في فمه لهيبا … وعاد المهد في يدها أتونا
تثور فلا تريد سوى طعام … ولا يفنى القرى في المطعمي
تسيل أكفهم كرما وبرا … إذا جمدت أكف الباخلي
تباروا في السماح فجاوزوه … وفاتوا فيه شأو السابقين
بني الإغريق سدتم كل قوم … وزدتم في الكرام المنعمين
ترامي ذكركم في كل أرض … فجاب سهولها وطوى الحزونا
ذهبتم بالصنائع والأيادي … وجاء الأدعياء مقلدين
تظل النار ملء الأفق تعلو … وتقذف بالحيارى الذاهلينا
تريد حمى النسور فتتقيها … وتطلب في السحاب لها وكونا
فلولا الجو يمنع جانبيه … ملائكة السماء مرفرفينا
هوى القمران من فزع وألقى … حمى المريخ بالمستضعفينا
هضاب قمن من لهب عليها … دخان كالجبال إذا رئينا
بقايا الظلم من حمر وسود … يفارقن البلاد وينقضينا
تطلعت السماوات ارتياعا … وألقت نظرة تصف الشجونا
ترى الأرضين كيف عنا بنوها … لآلهة عليها قائمينا
فتلك قيامة الأحياء قامت … ولما يأت وعد السالفينا
وتلك النار تلقي الناس فيها … بأرض الترك أيدي المضرمينا
رأوا أن يطفئوا نارا بنار … فهل بردت قلوب الحاقدينا
أبادت قومنا إلا بقايا … أقاموا بالعراء معذبينا
نفوس ما سقين به شرابا … سوى الأسف المذيب ولا غذينا
نظرن الموت ثم نظرن أخرى … أتدركهن أيدي الراحمينا
تضج الأمهات مفجعات … وينتحب البنون مفجعينا
حنانك ربنا ماذا لقينا … أيجزى الصالحون كما جزينا
أقاموها لأنفسهم شفاء … فما صدقوا ولا شفت الجنونا
لئن ظنوا بجالينوس شرا … لقد عرفوا النطاسي الأمينا
متى يلمس مكان السوء منهم … يمته وينزع الداء الدفينا
مسيح من بني عثمان سمح … يرينا الحق أسطع واليقينا
أعز الله دولته وأحيا … به أمم المشارق أجمعينا
وهد ببأسه أمما شدادا … نهيب بها وتأبى أن تلينا
بنى هامانها للبغي صرحا … تهاب قواه أيدي الهادمينا
رمى الغازي فزلزل جانبيه … ودمر ركنه الضخم المكينا
تطير العاصفات به شعاعا … وتنفضه على الدنيا طحينا
ترى هبواته في كل أفق … يرحن على الجواء ويغتدينا
يرعن مسابح العقبان فيه … ويفزعن الغياهب والدجونا
حوالك لو جمعن لكن ليلا … يخاف صباحه أن يستبينا
إذا ما الظلم ذو الزلزال أمسى … يهز الأرض بالمستضعفينا
فحسب المؤمنين دفاع رام … يداه يدا أمير المؤمنينا
تطلع والهلال يميل غربا … وأعلام الخلافة ينطوينا
فأشرف يستقيم على يديه … وعدن به خوافق يعتلينا
يظللن الممالك شاخصات … يصلن به الجوانح والعيونا
يرف رجاؤهن على رجاء … يناشد يثرب العهد المصونا
إلى الحرمين مفزعه وفيه … حمى الدنيا ومحيا العالمينا
بني عثمان من يك ذا امتراء … فإن نفوسنا لا يمترينا
ومن يرع الذمام لكم فيصدق … فإن الله مولى الصادقينا
نصون العهد إلا ما نسينا … وكيف يضيع حق الله فينا
أفي عرض الخلافة وهو بسل … تجول مطامع المتألبينا
ومن أبطالها وهم الضواري … تنال مخالب المتنمرينا
رموا بجنودهم من كل فج … وجاءوا بالسفائن مهطعينا
وضجوا بالوعيد دما ونارا … وما يغني ضجيج الموعدينا
هو البأس المصمم لا نكوص … ولو ملأوا الفجاج مناجزينا
نسوا بالدردنيل لهم قبورا … تفيض لها دموع الذاكرينا
ترى الأسطول يفزع حين يمشي … بساحتها ويخشع مستكينا
وما وادي الجحيم بمستطاع … وإن عزبت حلوم الغافلينا
لئن جحدوا المصارع داميات … لقد شهدت منايا الهالكينا
لبئس القوم كالقطعان سيقوا … إليه وبئس مرعى المصطلينا
أطاعوا الآمرين فأنزلوهم … بأرض لا تحب النازلينا
تدور بهم جوانبها وتهوي … وتصعد في مطار الصاعدينا
تطاردهم إذا ذهبوا شمالا … وتطلبهم إذا انقلبوا يمينا
تثور فتملأ الآفاق رعبا … إذا ملأوا الفضاء محلقينا
إذا انطوت الجنود بها رمتها … فراعنة الشعوب بآخرينا
كأن بها إلى المهجات يمضي … بها عزريل شوقا أو حنينا
فما تضع السلاح وإن تشكى … ولا تدع النفوس وإن عيينا
عباب دم يقل سنين حمرا … طوى الأجيال فيها والقرونا
هوى صرح الدهور فذاب فيه … كما ذابت جهود المبتنينا
وما فضل الشعود إذا أضاعت … أواخرها تراث الأولينا
رموا باسم الصليب فما أصابوا … ولا وجدوا الصليب لهم معينا
وما يرضى المسيح إذا استباحت … دم الضعفاء أيدي الآثمينا
ولا العذراء حين ترى العذارى … جوازع ينتحبن ويشتكينا
رأى جللا من الأحداث نكرا … هراق العين واعتصر الجبينا
رأت حور الجنان مصرعات … يقربن النفوس ويفتدينا
يقلن لها حنانك أدركينا … فقد أزرى بنا ما تعلمينا
أقومك أم ذئاب عاديات … وأمر يسوع أم ما تأمرينا
أقاموها على الخلطاء حربا … تدك مزاعم المتحضرينا
جنوها ظالمين وغاب عنها … أعز أولي الحفيظة غائبينا
فما هابوا الفتى والشيخ فيها … ولا رحموا الرضيع ولا الجنينا
ولا تركوا بناتك ناجيات … ولا خفروا ذمامك مجملينا
إذا ضج الدم المهراق ضجت … شعوبك رحمة للمهرقينا
وتأخذنا الخطوب فإن صبرنا … تداعوا في الكنائس جازعينا
رمونا بالتعصب فاشهديه … وكوني حجة المتعصبينا
ذريهم إذ عصوك ولم يثوبوا … إلى الوحي المنزل أو ذرينا
همو جعلوا الصليب أذى وبغيا … عليك صلاة ربك أنصفينا
سما الغازي المجاهد في جنود … لربك ما لهم من غالبينا
وجاء الفتح أسطع ما يوارى … وطار الذعر بالمتقهقرينا
تمر الخيل بالأبطال رهوا … وتمضي في مواكبها ثبينا
يرددن الصهيل مبشرات … ويتلون الكتاب مبشرينا
مشى جبريل يدعو القوم شتى … فلبوه وخروا ساجدينا
ونادى القائد الأعلى فجاءوا … إليه مكبرين مهللينا
وهب الشعب ملء الأرض يجزي … يد الغازي ويلقى الوافدينا
مواكب من يغب في الدهر عنها … فما شهد الملوك متوجينا
ولا عرف الهلال يسير فخما … ولا نظر السهى يمشي رصينا
مشاهد خانت الأنباء فيها … وضاق بها بيان الواصفينا
يظل الكاتب العربي فيها … يجور به لسان الأعجمينا
قنعنا بالرواية وانكفأنا … نهيب بقومنا في القاعدينا
يهيجنا الحديث وتعترينا … خيالات يلحن ويختفينا
ربى أزمير ماذا تنظرينا … وأي عطاء ربك تشكرينا
صبرت على الأذى فجزاك نصرا … وساق إليك عقبى الصابرينا
ورد عليك قومك بعد يأس … فمن غادين فيك ورائحينا
أتوك مسلمين فما شجاهم … سوى خبب العداة مودعينا
تود سيوفهم أن لو أقاموا … وإن أخذوا الأعنة زاهدينا
بقية مفسدين عتوا فأمسوا … حصيدا في المصارع خامدينا
رمت أيدي التباب بهم فبانوا … وما تأبى البقية أن تبينا
أتوا أزمير يستعلون عزا … ويستبقونها متخايلينا
يهزون السيوف بها اغترارا … ويزجون الجياد مخدعينا
نشاوى يحسبون الأسد تغضي … إذا أجماتها يوما غشينا
وأقرب ما يكون الذئب حتفا … إذا هاج الضراغم مستهينا
نزوها نزوة لم يعرفوها … وكانوا قبل ذلك جاهلينا
أشادوا بالفتوح محجلات … وصاحوا صيحة المتبجحينا
فكان حماتهم حربا عليها … وكانوا الفاتحين الكاذبينا
أتوا غرقين في صلف وكبر … وعادوا بالهوان مخيبينا
ألا بعدت ديار الظاعنينا … ولا عطفوا الركائب راجعينا
تظل الأرض تقذفهم سراعا … فما ندري أخلقا أم كرينا
تطاير جمعهم فرقا وزالوا … عصائب كالجراد مطردينا
إذا بلغوا الديار تجهمتهم … فساروا في البلاد مباعدينا
خلائق ما يقاربها حساب … وإن بعد المدى بالحاسبينا
تراموا في السفائن واستمروا … يجوبون البقاع مولهينا
فضج البحر من فزع بكاء … وماج البر من جزع أنينا
جناية معشر طلبوا محالا … فهموا بالشعوب مغررينا
أبادوا الناس شعبا بعد شعب … وقاموا في المآتم ساخرينا
تنفست المشارق حين صاحوا … بأبطال الخلافة بارزينا
لتلك أحب ما تهب الأماني … من النعمى وأبهج ما ترينا
إلى أيامنا في الدهر بيضا … نخوض غياهب الأحداث جونا
وما للقوم كالهيجاء ورد … إذا وردوا الحتوف مسالمينا
وما في الأرض أعدل من حسام … إذا جمح الهوى بالحاكمينا
وما حق الحياة لنا بحق … إذا خفنا وعيد المبطلينا
ولولا البأس ما وفت الأماني … ولا نهضت جدود العاثرينا
أمن جعل الهوان له حليفا … كمن جعل العنان له قرينا
ولولا النقع ينهض مكفهرا … لما نهضت عروش المالكينا
بني عثمان من يضرب بسيف … فما زلتم سيوف الضاربينا
ومن يعبث به نزق الأماني … تعده سيوفكم ثبتا رزينا
وما لذوي الجهالة من عذير … إذا ركبوا الحتوف مجربينا
إذا ما النصح لم يك ذا غناء … فإن السيف خير الناصحينا
خلقتم للجلاد وأرضعتكم … ثدي الأمهات مدربينا
وما للقوم في الهيجاء كفء … إذا ولدوا فوارس معلمينا
سموتهم في الشعوب بمنجبات … يفئن إلى غطارف منجبينا
مطهرة البطون مباركات … يربين الرجال مباركينا
نمتهن المنابت ممرعات … يطيب بها غراس المنبتينا
فإن يجهل بني عثمان قوم … فما عرفوا الأبوة والبنينا
أولئك أفضل الأقوام خلقا … وأصدق أمة الفرقان دينا
يحلون الكتاب حمى نفوس … حللن من السماء بحيث شينا
أهاب بهم رسول الله هبوا … فهبوا بالسيوف مجاهدينا
ينادون الخلافة لا تراعي … فلن نرضى لتاجك أن يهونا
إذا بات العرين بغير حام … وريع حمى الخلائف فاذكرينا
لك المهجات نبذلها فداء … ولسنا في الفداء بمسرفينا
أمانة ربنا صينت لدينا … وكنا للأمانة حافظينا
دعوت فأقسم الجيش اليمينا … وحسبك أن يبيد الظالمينا
نجاهد وحدنا ونراه حقا … وإن نكصت شعوب المسلمينا
ونحن القوم لا نخشى المنايا … ولا نتهيب الحرب الزبونا
علينا أن نجيب إذا دعينا … ونصدق في الوغى من يبتلينا
نذم القائلين ولا حياة … لمن يأبى سبيل العاملينا
إذا الخطباء للتعليم هبوا … خطبنا بالسيوف معلمينا
ونكتب في الملاحم ما أردنا … إذا التحمت صفوف الكاتبينا
وأضعف ما يكون القوم جندا … إذا حشدوا الصحائف صائحينا
تجادل بينات البأس عنا … إذا ضج الرجال مجادلينا
لنا الحجج التي لا ريب فيها … إذا ارتابت قلوب المنكرينا
لنصرك ربنا خضنا المنايا … وفيك وفي رسولك ما لقينا
دعوت إلى الجهاد ونحن صرعى … فما أبت السيوف ولا عصينا
نهضنا تخذل الأوصال منا … مناكب يستقمن ويلتوينا
ننوء من الجراح بما حملنا … ونمشي للكفاح مصفدينا
نضج مكبرين إذا رمينا … ونستبق الجنان إذا رمينا
إذا لم نملإ الدنيا سلاما … فلسنا للسيوف بمغمدينا
نقاذف عن ذوي الأرحام طرا … ويقذفنا العدى ببني أبينا
ونعلم أنهم قوم ضعاف … شقوا بالغاصبين كما شقينا
يسامون الهوان أذى وبغيا … ويأتون الدنية صاغرينا
إذا انبعثت قذائفهم غضبنا … فإن بعثوا القلوب لنا رضينا
تبيت صفوفهم تهفو إلينا … وإن مضت الطلائع تتقينا
يريدون الحياة ككل شعب … وتقتلهم قوى المستعبدينا
أولئك قومنا اللهم فافتح … لنا ولقومنا الفتح المبينا
أروني سيف خالدة وعدوا … مناقبها العلى للمعجبينا
أروه ممالك الدنيا وقصوا … على الأمم الحديث مفاخرينا
لئن جهل التفوق مدعوه … فتلك مراتب المتفوقينا
وما للعبقرية في سواكم … سوى الذكرى ودعوى المرجفينا
عهدنا الغيد يؤثرن الحشايا … ويغلين القلائد والبرينا
فما بال التي جعلت حلاها … حديد الهند في المتلبسينا
رمت بالسابحات تسح ركضا … إلى الغمرات تلقى الدارعينا
تحط قناعها وتخوض فيها … فوارس بالحديد مقنعينا
وتلبس من دم الأبطال مرطا … تفيض له نفوس اللابسينا
تزين جفونها بالنقع فرحى … إذا ما زين الكحل الجفونا
وما تضع السلاح بنات قومي … ولا تدع الحمى للواغلينا
حرائر ما شغلن بمستحب … سوى الشرف الرفيع ولا عنينا
نمتهن المناسب مشرقات … سللن من القواضب وانتضينا
إذا ما الخيل سرن نفرن بيضا … يبادرن الرعال وينبرينا
يغرن فيستلبن الجيش ضخما … إذا استلب العقائل أو سبينا
فمن يشهد حماة الملك يشهد … خلال النقع آسادا وعينا
يعاجلن الصفوف مغامرات … ويغشون الحتوف مغامرينا
فيا لك سؤددا وطراز مجد … يروع جلاله المتأنقينا
تدفق رونق الإسلام يسقي … جوانبه ويستسقي المتونا
وجال الوحي ذو الإشراق فيه … فسال على أكف القابسينا
أكنتم أمة خلقت سيوفا … تعالى الله خير الخالقينا
تخوض الحرب شبانا وشيبا … وتغشى القتل أبكارا وعونا
لكم نور الفتوح يضيء فيها … إذا هزته أيدي المصلتينا
سنا عثمان ذي النورين فيه … وسر الله للمتوسمينا
طوى الأجيال ما واراه غمد … ولا عرف الصياقل والقيونا
تجلت غمرة اليونان عنكم … وجاءت غمرة المتحالفينا
بني عثمان أعنقت المطايا … وجد الجد بالمترددينا
خذوا سبل العلى ركضا وسيروا … ميامين الركاب موفقينا
لعمر الجامحين لقد أردتم … فألقوا بالأعنة مذعنينا
إذا خفضوا الجناح لكم رضيتم … أعزاء المعاطس كابرينا
وإن طلبوا العوان بعثتموها … وسرتم باللواء مظفرينا
تحبون الهوادة ما استقاموا … ولستم للقتال بكارهينا دار الخلافة ومقدونيا
حماة الملك هل للملك ذخر … سوى بأس الحماة الباسلينا
وما تنأى فروق إذا هممتم … ولا تأبى أدرنة أن تدينا
قبور الفاتحين ترف شوقا … وتسأل ما وقوف القادمينا
مضاجع للخلائف شيقات … تحن إلى نوازع شيقينا
لكم مقدونيا شرقا وغربا … فزوروا داركم وصلوا القطينا
صلوا إخوانكم وبني أبيكم … وإن كرهت نفوس الكاشحينا
أقاموا بالديار مروعات … ينادون الحماة مروعينا
ديار هوى هلكن أسى فلما … أتاهن البشير ضحى حيينا
يكدن من الحنين يجئن ركبا … يحيين اللواء ويحتفينا
مللتم ما يمض الحر منهم … وما ملوا الدعابة والمجونا
تواصوا بالهوادة وهي زور … ونادوا بالسلام مضللينا
رأوا عزما يطم على العوادي … ويغمر حدة المتمردينا
فباءوا بالتي لا ظلم فيها … وجاءوا بالقضاة محكمينا
فما اسطاعوا لحكم الليث ردا … ولا وجدوا لهم من ناصرينا
رضوا بعد التوثب واستكانوا … لأغلب يصرع المتوثبينا
إذا نفر الحفاظ به تناهوا … يغضون النواظر خاشعينا
يضن بحقه والحق عرض … إذا انتهكته أيدي الطامعينا
أصم العزم ما وجدوه إلا … كركن الطود ممتنعا ركينا
يريد الأمر لا يبغي كفيلا … سوى البأس الشديد ولا ضمينا
أرادوا ظلمنا فأبى عليهم … وعلمهم سجايا الأكرمينا
فعادوا بالمهانة في ذويهم … وعدنا بالكرامة في ذوينا
يشاور سيفه والسيف أجدى … إذا لم يجد لغو القائلينا
يرد الذاهلين إلى نهاهم … ويكشف حيرة المتعسفينا
دعوا أسطولهم فاهتاج ذعرا … وبات جنودهم متفزعينا
لئن أخذوا السبيل إلى فروق … لقد أخذوا سبيل الذاهبينا
وإن شقوا الخنادق في جناق … فقد شقوا القبور مموهينا
تهللت الخلافة إذ نعوها … وجاءوها بسيفر وارثينا
تولوا عن مغانمها خزايا … وعادوا بالحقائب محفقينا
وما لعهود سيفر من بقاء … إذا دلف الكماة مدججينا
وما خطط الدهاة بمغنيات … إذا خطط بأنقرة قضينا
مهب الحادثات إذا ترامت … بها الأقدار حمرا يلتظينا
يدعن رواكد الأقطار ولهى … وما يدرين ماذا ينتوينا
إذا بلغ المطار بهن أرضا … بلغن من العدى ما يشتهينا
يزرن مساقط الآجال هيما … يردن بها النجيع فيرتوينا
منازل فتية فزعوا إليها … بآمال العناة المرهقينا
يعدون الخطى ينقصن حينا … ويستوفونها متلفتينا
يخافون الكلام فإن تناجوا … تناجوا بينهم متخافتينا
أصابوا غرة فمشوا دبيبا … وساروا خفية متسللينا
يهال الغيب ذو الأهوال منهم … بمستخفين فيه وساربينا
رأوها نكبة هوجاء تأتي … زلازلها على المستسلمينا
وروعت الخلافة في حماها … وضج بنو الخلافة نادبينا
فباعوا الله أنفسهم وهبوا … كأصحاب النبي مهاجرينا
هم ابتدروا العرين فأنقذوه … وهم كانوا الحماة المانعينا
سيوف الله ليس له سواه … ورايات الهداة الملهمينا
ترى القواد والوزراء صرعى … على عاري الصعيد مجندلينا
يلاقون الحتوف وما أساءوا … ولا كانوا الجناة الخائنينا
وما من حيلة في الترك تجدي … إذا ذعروا المقانب مقدمينا
وهل في طاقة القواد شيء … إذا دهموا الجيوش مطوفينا
هم امتلكوا النفوس فأخضعوها … وجاءوا بعد ذلك خاضعينا
وهم ساقوا الكتائب ثم سيقوا … كأمثال العقائر موثقينا
ألح الأسرب المسموم يفري … جماجمهم فخروا هامدينا
يشق لهم عيون الصدق تمحو … حقائقها ظنون الزاعمينا
ترى عقبى الأذى فتفيض غما … وتقذف بالنفوس دما سخينا
تتابع من يد الغازي عليهم … وإن قذفته أيدي القاتلينا
مثقب كل معتصم وحصن … رماهم في القبور مثقبينا
كذلك وعد ربك حين يأتي … ومن ذا يعصم المستهترينا
تظل دموع قسطنطين تهمي … لقتلى بالدماء مضرجينا
تولى خوف مصرعه حثيثا … وخابت حيلة المتربصينا
يذم العرش والتاج المحلى … ويلعن قومه في اللاعنينا
يعيبون الفرار عليه ظلما … وأي الناس يرضى العائبينا
أما كانوا حديث الدهر لولا … شرائعه العلى للهاربينا
يجود بعرضه ويصون منهم … بقايا العار للمتسهزئينا
لئن جحدوا مناقبه وكانوا … يقيمون المواكب شاكرينا
فما جحدت بلا ريسا الروابي … ولا الشم الفوارع من ملونا
إذا جد النزال ارتد يعدو … وأقبل بالفوارس راكضينا
فجاءوا بالنفوس محصنات … وقروا في البيوت معسكرينا
فوارس لا يرون الجبن عارا … إذا غنموا النفوس متاركينا
فما تجنى هزائمهم عليهم … وإن زانت سيوف الهازمينا
ولا تمضي مغانمهم إذا ما … مضت أسلابهم في الغانمينا
أقسطنطين مت وما أرانا … على حب البقاء بخالدينا
كفى بالموت صحوا للسكارى … وشكرا للصحاة المدركينا
لعلك كنت تطمع في حياة … يسرك طولها في المنظرينا
ولو أوتيت سؤلك لم تنلها … مطامع تصرع المتطاولينا
بنو عثمان أحداث الليالي … وملك الترك دهر الداهرينا
يزول القوم بعدك من موال … وأحلاف وليسوا زائلينا
فإن تك قد سبقت ذويك فردا … فموعدهم غدا في اللاحقينا
حماة الشرق بوركت المواضي … وطوبى للحماة الذائدينا
أقمتم للألى ظلموا وجاروا … مآتم تملأ الدنيا رنينا
وصنتم مجدكم عن كل عاد … بكل غضنفر يحمي العرينا
أرادوا شأوه العالي فكنتم … مواليهم وكانوا الأسفلينا
لكم نصر الألى في يوم بدر … أمدوا بالملائك مردفينا
مضى الحكم الذي قضت المواضي … فتلك مصارع المتجبرينا
سلوا أمم المشارق ما دهاها … وكونوا للمشارق منقذينا
تؤمل أن يصان بكم حماها … ويوشك ما تؤمل أن يكونا
هو الميثاق ذو الحرمات لستم … طوال الدهر عنه بحائدينا
تنزل من بقايا الوحي نورا … يضيء النهج للمترسمينا
وما نفع النفوس ولا هداها … كنور الله خير المنزلينا
أرونا البطشة الكبرى سراعا … فإن لكم لبطش القادرينا
هم اتخذوا الشعوب لهم عبيدا … وعاثوا في الممالك مفسدينا
أقيموا الحق ليس له سواكم … وسوسوا الناس أجمع والشؤونا
فذلك عهدكم لله فيه … وللمختار عهد الراشدينا
قضيتم بالكتاب فهل رأيتم … كآيات الكتاب حمى حصينا
وهل نفذت قوى الطاغين فيه … ونالت منه أيدي الماكرينا
أحصن الله يوعد كل رام … ويطمع أن يكون له مهينا
وما زجر الحصون الشم إلا … حففن به يطفن ويحتمينا
سبيل المجد إيمان وحق … وسيف يردع المتهجمينا
يعف عن المظالم والدنايا … ويرفق بالضعاف الوادعينا
ويجتنب المناهل مترعات … تطيب نطافها للناهلينا
يرى حر الغليل وإن تمادى … أحب موارد المتعففينا
تهيب ربه فازداد مجدا … وكان بكل مكرمة قمينا
يشير فتفزع الغبراء منه … ويفزع من شكاة العاتبينا
ويوهن حادثات الدهر رعبا … ويخشى أن يصيب الواهنينا
سلاح الحق يقطع كل عضب … ويصدع قوة المتهورينا
وما الإيمان للأقوام إلا … سبيل الله يهدي السالكينا
إذا لم يرفع البنيان عدل … هوت جنباته بالرافعينا
وإن ضاع التعاون في أناس … عفت آثارهم في الضائعينا
بني عثمان رد الله فيكم … خلائفه وأحيا التابعينا
فذلك عهدهم لا الأمر فوضى … ولا الدنيا بأيدي اللاعبينا
وتلك شرائع الإسلام عادت … تجب شرائع المستعمرينا
رفعتم من حضارته منارا … يفيض شعاعه للمدلجينا
فأين السبل بالركبان حيرى … وأين حضارة المتوحشينا
أبالتاج المعظم كل يوم … يراءون الممالك مقسمينا
وما للتاج في الدنيا قرار … إذا صدق الألى عقدوا اليمينا
يكفر من كبائرهم ويعفو … وإن أبوا الإنابة عامدينا
يرى المستغفرين أشد ذنبا … ويجعل رجزه للتائبينا
هو الإلحاد إن جنحوا إليه … فقد علموا جزاء الملحدينا
ولن ترضى الجلالة عن أناس … تراهم في الضلالة سادرينا
تهين الأنبياء إذا استباحوا … محارمها وتنفي المرسلينا
لها في كل مملكة وشعب … شرائع تعجب المتعبيدينا
إذا حملت إليها الشمس غنما … فلا طلعت على المتذمرينا
ترى الدنيا لها ملكا مباحا … ومن فيها عبادا طائعينا
عروش الأرض إرث في يديها … وتيجان الملوك الأقدمينا
تروع بعرش عثمان الدراري … وتستهوي الشموس بتاج مينا
كذلك تخدع القوم الأماني … وتكذب ترهات المدعينا
أرادوا بالخلافة ما أردوا … وردوا المسلمين ممزقينا
يقيمون الممالك واهيات … يملن مع الرياح وينثنينا
بنوها أربعا ولو استطاعوا … لشقوها ممالك أربعينا
يدبون الضراء لنا وما هم … وإن خدعوا الصغار بضائرينا
إذا دأب القضاء يريد أمرا … تقاصر عنه سقي الدائبينا
تكشفت الأمور لنا فلسنا … عن السنن السوي بناكبينا
وفي لوزان إذ فزعوا إليها … وجاءوا بالوفود مكاثرينا
رأوا نارا يطير لها شواظ … تطير له نفوس الموقدينا
إذا هاجوا الأسود فأفزعوهم … أهابوا بالممالك غاضبينا
وقالوا أمة سكرى وشعب … يريد بنا الهوان ويزدرينا
يرى الدنيا العريضة في يديه … ويعتد الشعوب له قطينا
لعمر الكاشحين لقد رجعنا … على الأمر المدبر مجمعينا
فيا لك صخرة صماء تأبى … جوانبها على المتمرسينا
تمادوا في الوعيد وسيروها … دعاوى تضحك المتأملينا
فما سمع الأسود لهم عواء … ولا خاف الذباب لهم طنينا
يسد وقار عصمت مسمعيه … إذا عكفوا عليه مهولينا
إذا ما الصمت أعجبه تولى … به صلف يهول السائلينا
فلا صيحات فنزيلوس تجدي … ولا كرزون يطمع أن يبينا
أتوا متفائلين لهم ضجيج … فرد جموعهم متطيرينا
إذا راضوه أعجزهم شماس … يطيل ضراعه المتكبرينا
أما والراقصات لقد طربنا … لأنباء الحماة الراقصينا
أساطين الممالك حيث كانوا … وسادات الشعوب البائسينا
شرائع للحضارة نزدريها … وإن فتن الغواة بها فتونا
إذا شربوا الكؤوس رمى إليهم … بكأس مرة للشاربينا
وإن شدت القيان أجال صوتا … يشق مرائر المتطربينا
مقاوم تترك الألباب حيرى … وتعجز حيلة المتحيلينا
تبسم ضاحكا والأرض تعلو … وتسفل بالدهاة العابسينا
فقالوا حادث جلل وخطب … ينازعنا القرار ويزدهينا
وطار البرق ينبئ كل شعب … ويخشى أن يزل وأن يمينا
يجوب الأرض مرتابا مروعا … ويلقى الناس متهما ظنينا
وحسبك روعة نظرات عين … ترى عزريل بين الضاحكينا
سعوا بالروس يلتمسون أمرا … ومن ذا يتبع الرأى الغبينا
أرادوا بالنمائم أن يؤوبوا … بأسلاب الضراغم فائزينا
فما ملكوا لعصمت من قياد … ولا ملك الدهاة تشتشرينا
هم الأحلاف نقبل ما رضوه … وننقم ما أبوا في الناقمينا
تولى ملك قيصر والتقينا … على أطلاله متأنقينا
هي الدنيا الجديدة نرتضيها … على العهد الجديد وترتضينا
لكل من شعوب الأرض حق … فما بال الجفاة الجاحدينا
سنحمي الناس من عنت وظلم … ونكفى الأرض شر العابثينا
أمن يبغي السوية في بنيها … كمن يبغي الشعوب مسخرينا
أقاموا عصبة الأمم احتيالا … وجاءوا بالشعوب مخاصمينا
حلفت بمن أضاع العدل فيهم … لتلك عصابة المتلصصينا
لئن زعموا الأذى والبغي عدلا … فما خفي الصواب ولا عمينا
أخا الأسطول ما للترك حق … ولا بك ريبة في المنصفينا
يريدون الحياة على ومجدا … وتلك مطالب المتطرفينا
حددت القوم إذ وفدوا سكارى … وهموا بالوفود معربدينا
فإن لكم لعقبى الخير فيهم … وإن لهم لعقبى الزائغينا
تورطت الممالك في الخطايا … ونيط بكم جزاء الخاطئينا
أيكفر بعضها فيفيض زيتا … ويطغى بعضها ماء وطينا
دع الأسطول يهد الناس وابعث … جنودك في المشارق واعظينا
أخا الأسطول بورك من مسيح … وبورك في ذويك الصالحينا
كأن الله ربكم اصطفاكم … وأنشأكم طهارى طيبينا
وأفسح في السماء لكم فكنتم … ملائكة إليه مقربينا
وهبتم للممالك ما تمنت … وقمتم في الشعوب مهذبينا
لكم أمم الزمان دما ومالا … وأنتم سادة المترفقينا
إذا التيجان عاث الفقر فيها … أتيتم أهلها متصدقينا
ملكتم من عطاء الله فيهم … مقاود تملك الشعب الحرونا
فسودوا في الممالك واستبدوا … بتيجان الملوك المعوزينا
بكم تحمي الخلافة جانبيها … وتدفع غارة المتحفزينا
وميراث النبي لكم وأنتم … ولاة البيت غير مكذبينا
خذوا آثاره من غاصبيها … ولا تثقوا بقول المفترينا
خذوها للمتاحف واجعلوها … بلندن عرضة للناظرينا
لكم شرف المناسب في قريش … وإن جهلت ثقات الناسبينا
وما ينسى أبو لهب بنيه … ولا يأبى ذويه الأقربينا
سليل التاج والدنيا جزاء … وعقبى الأمر للمتدبرينا
وما تبقي الشعوب على ملوك … مشائيم العهود مبغضينا
مصيرك للنفوس أجل ذكرى … وخطبك سلوة للمؤتسينا
أكنت ترى الخلافة جحر ضب … غداة تطيع أمر المجحرينا
تذل وما على الغبراء عز … كعزك لو رأوك به ضنينا
وتذعن للتحكم فوق عرش … تدين له قوى المتحكمينا
وتقضي الأمر مفسدة وشرا … ومثلك لا يطيع الآمرينا
أمن يحمي الخلافة خارجي … لبئس الحكم حكم القاسطينا
لفنزيلوس إن صدقوا فتاها … ومولى حقها في الطالبينا
أعز حماتها إن ناب خطب … وخير كفاتها المتخيرينا
وماذا للخوارج إن أقاموا … لها كيرزون أو هارنجتونا
مضى بك خاطف القرصان يعدو … فلا رجعتك أيدي الخاطفينا
أكنت خليفة أم كنت شاة … تولت تتبع الذئب اللعينا
نسائل عارفات الطير عنه … ألا أين الخليفة نبئينا
تفيأ ظلهم فمضوا سراعا … بظل الله للمتفيئينا
فما خدعوا الخليفة بالأماني … ولكن غرهم في الخادعينا
يعدون الملوك لغير شيء … ويلقون الرواية هازلينا
أرادوا عندهم نفعا وليسوا … ولو بلغوا المئين بنافعينا
لئن جهل الألى نكثوا وخانوا … لقد علموا جزاء الناكثينا
كأني بالصوافن عاديات … ينلن حمى الملوك ويحتوينا
يدسن معاقد التيجان شتى … وينزعن العصائب يحتذينا
ويطوين الجلالة في جلال … نهين لها الجباه معظمينا
وما للمجرمين إذا رأوها … يثور غبارها من شافعينا
طريد الله هل لك من مجير … تلوذ بركنه في اللائذينا
أخوف غال نفسك أم رجاء … رمى بك في الفريق المصحرينا
إذا ما جئت مكة فانأ عنها … مناسك لا تحب الغادرينا
ولا تزر البنية واجتنيها … إذا ازدلفت وفود الزائرينا
ودع طه بيثرب لا ترعها … وقوما في البقيع موسدينا
ولا تلمم بزمزم إن فيها … لك المهل الذي يشوي البطونا
ولا تلمس كتاب الله واخسأ … إذا رفعته أيدي اللامسينا
وإن طمح الرجال إلى حياة … فغض الطرف بين الطامحينا
وحسبك بالحسين خدين صدق … إذا استصفيت في الدنيا خدينا
هوى الإسلام بينكما صريعا … وطاح بنوه حولكما عزينا
رماه بطعنة صدعت قواه … وجئت فنال مقدمك الطعينا
يد عصفت بهامته فمالت … وأخرى استأصلت منه الوتينا
عفا المهد الأنيق فصار لحدا … وغودر في غيابته رهينا
به انبرت القوابل فانتضته … وفيه طوته أيدي الدافنينا
حنانك ربنا وهداك إنا … برئنا من ذوينا الصابئينا
ديار الوحي يزجي الروح منه … كصوب المزن مدرارا هتونا
يجود رباك مونقة حسانا … ويجري فيك سلسالا معينا
تضيء به الشعاب إذا ادلهمت … وتكرعه النفوس إذا صدينا
إذا لم يرتع الأقوام فيه … فما عرفوا ربيع المسنتينا
لعبد اللات أكرم فيك عهدا … وعبد يغوث ممن تحملينا
وحيد الدين ضج الدين منها … جرائر جاوزت منك المئينا
إذا ما الرأي ثاب إليك فاذكر … ذنوبك وابكها في النادمينا
ودعها فتنة عمياء واصبر … لحكم الله واعص الموعزينا
أمير المؤمنين طلعت يمنا … وكنت الخير للمتيمنينا
وما بلغ الجلال وإن تناهى … جلالك في الهداة الطالعينا
لو أن البيت سار إلى إمام … لجاءك بالوفود مهنئينا
أتى جبريل يشهد حين حيا … رسول الله خير الشاهدينا
لعمر المنكرين لقد توالت … بسدتك الملائك طائفينا
لئن جحدوا الذي لك من ولاء … فقد بلغ الصفا وأتى الحجونا
عقدنا العهد إيمانا ومجدا … كذلك عهدنا في العاقدينا
نطيع من الخليفة كل أمر … ونعمل للخلافة مخلصينا
ولسنا ما دعا الداعي لشيء … سوى الحق المبين بمؤثرينا
يضج المسلمون بكل أرض … يحيون الإمام مبايعينا
وما عبد المجيد بذي خفاء … ولا هو ريبة المتوهمينا
نمته السابقات من الأيادي … وجربه الثقات مبالغينا
فما وجدوه إلا الخير محضا … ولا اختاروه إلا موقنينا
أقروا الملك فاستعلت ذراه … وهموا بالخلافة ناهضينا
وسنوا للخلائف ما علمنا … فصين الدين والدنيا وزينا
سبيل محمد وذوي هداه … حماة الحق خير المرشدينا
تباعد عهدهم فمشوا إليه … على نور الكتاب مسددينا
لربك حكمه والأمر شورى … وتلك حكومة المتحفظينا
إذا طغت السياسة في بلاد … فتلك سياسة المستأثرينا
وإن زعموا لحكم الفرد معنى … فتلك خرافه المتألهينا
بني عثمان أنتم إن دعونا … ذوي الأرحام خير العاطفينا
فويحي للأسود إذا استباحت … حمى الحرمين أيدي الناهبينا
أعينوا مصر إن لمصر فيكم … رجاء تستعز به متينا
نقوم بنصرها ونكون فيها … لأنصار الحماية خاذلينا
أضاعوا حقها وجنوا عليها … وساموها الهوان مساومينا
فيا لك خطة شططا ورأيا … يقض مضاجع المتبصرينا
إذا جعلوا العقوق لها جزاء … أبينا أن نعق وأن نخونا
نخاف الواحد القهار فيها … ونرقب وعده حتى يحينا
ذكرتم مصر ما نقعت صداها … بذكر من بنيها الناعقينا
أغيثوا أهلها وتداركوهم … ولما يذهبوا في الغابرينا
أغيثوا أمة فزعت إليكم … تهز حماتها المستبسلينا
أعيدوا النيل سيرته وردوا … إلى استقلاله الشعب الحزينا
أمن شرف الخلافة أن تروه … أسيرا في الأداهم أو سجينا
هو الذخر الثمين ولن تصيبوا … كمصر وشعبها ذخرا ثمينا
إذا طرقتكم الأحداث بتنا … قياما في المضاجع مشفقينا
نثبت من جوانحنا وتهفو … بهن زلازل ما يرعوينا
أهاب الموعدون بنا رويدا … فما نفع الوعيد ولا خشينا
نهين الناكثين ونجتويهم … ونرفض خطة المتقلبينا
إذا استعر التناحر وارتمينا … مشوا بين الصفوف مذبذبينا
تدور قلوبهم فإذا ظفرتم … تباروا بالأكف مصفقينا
وإن ينزل بكم خطب تولوا … يضج عواتهم في الشامتينا
أولئك مستقر الداء منا … متى تتلمسوا الداء الكمينا
جعلنا حبكم نسكا وزلفى … وبعض الحب زلفى الناسكينا
ولسنا بالتجار نريد ربحا … فيذهب سعينا في الخاسرينا
لنا الأخلاق نجعلها عتادا … نقيه من الغوائل ما يقينا
فما نخشى الخطوب وإن ألحت … ولا يفنى العتاد وإن فنينا
إذا عمر الخزائن أشعبي … فتلك خزائن المتورعينا
ونكتم ما نقول فإن فعلنا … فخير بني الكنانة فاعلينا
وأبعدهم نفوسا عن رياء … وأصبرهم إذا ملوا السنينا
يضج الأكثرون إذا صمتنا … وتلك خلائق المتبرجينا
عرفنا حقكم وطغى أناس … فما عرفوا الحقوق ولا الديونا
ولا حفظوا لمصر سوى نفوس … دأبن على الأذى ما يأتلينا
يرين ذهابها خطبا يسيرا … إذا نلن السلامة أو بقينا
وما قوم يكون الأمر فيهم … لسادة دنشواي بسالمينا
سلوا شهداءكم وتذكروها … مصارع تفزع المتذكرينا
سلوا أين الألى هتفوا لمصر … أفي الأحياء أم في البائدينا
سلوا الأحياء والموتى جميعا … سلوا الثاوين والمتغربينا
سلوا الدنيا العريضة أو سلوهم … متى ساسوا الممالك مصلحينا
عتوا في الأرض والتهموا بنيها … فكانوا وحشها الجشع البطينا
ولولا ما جنى السفهاء فيها … لما ملكوا الشعوب مسيطرينا
إذا نزل البريطاني أرضا … فقد نزل الردى بالآمنينا
لنا الميثاق نحفظه ونمضي … على منهاجه في الناهجينا
رضينا حكمه الأعلى فلسنا … إلى حكم سواه بنازعينا
نبيد حوادث الأيام صبرا … ونعصف بالشوامخ ثابتينا
ونأبى أن نغير ما عقدنا … إذا انقلب الدعاة مغيرينا
نراقب حق مصر إذا أمرنا … ونصدقها الولاء إذا نهينا
إذا وجدت شفاء الغيظ فينا … فزاد الله غيظ المحنقينا
نصون حمى البلاد وإن أصبنا … ونثبت في الجهاد وإن محينا
فذلك عهدنا الأوفى لمصر … وتلك سبيلنا للمقتدينا
أهاب المؤمنون به دعاء … تلقته الجموع مؤمنينا
يضم كتابه دنيا المعالي … ودين المجد للمتمسكينا
يثير الهامدين وهم رفات … وينهض بالجذوع الجامدينا
كأن الكيمياء تسل منه … عجائب سرها للعارفينا
تبور مذاهب الزعماء إلا … إذا جاءوا الروائع معجزينا
وإن وهن الحماة أو استكانوا … فليسوا في الجهاد بمفلحينا
ولن تلد الحياة الخلد إلا … لمن ولدوا نوابغ نابهينا
أتوا لوزان يلتمسون فيها … دعاة الحق في المتآمرينا
فما رأوا الدعاة أولي وفاء … ولا وجدوا القضاة بسامعينا
إذا جد النضال أبوا عليهم … ومالوا بالمناكب هازلينا
أقاموا دولة للظلم أخرى … وراحوا بالضعاف موكلينا
فيا لك معرضا ما فاز فيه … سوى كرزون شيخ العارضينا
تناهت عبقريته وتمت … براعة قومه المتفننينا
يضن بحق مصر على بنيها … وما ضنت على المتطفلينا
ويغضب أن يكون لها لسان … يذيع شكاتها في المشتكينا
ويعجبب أن يرى منها رجالا … يجوبون البلاد مناضلينا
فريسة قومه عكفوا عليها … وصدوا عن بنيها الصارخينا
أما والموجعين لقد أصابوا … بأنقرة شفاء الموجعينا
تولوا بالجراح تفيض سما … وما شعرت نفوس الجارحينا
يؤمون المثابة لو أقاموا … شعائرها لساروا محرمينا
مقدسة المسالك والنواحي … تضيء بمشرقين مقدسينا
تولوا بالكرامة حزب مصر … وشدوا أزرها متطوعينا
حفاوة قومنا وقرى ذوينا … وعطف الأخوة المتوددينا
نحل ديارهم فنزور منهم … مساميح النفوس محببينا
وننأى والقلوب هوى وشوقا … قلوب الجيرة المتزاورينا
وحسبك نجدة ودفاع خطب … إذا عقدوا اليمين معاهدينا
نجيء ببينات الحق تترى … ويأبى باطل المتخرصينا
سيعلم قومنا أنا وفينا … وأنا قد كفينا ما يلينا
حفظنا العهد غير مذممينا … وأدينا الأمانة محسنينا
إذا استبق الرجال السبل شتى … فإن لنا سبيل المهتدينا
ومن يعمل لأجر يبتغيه … فعند الله أجر المتقينا