رؤية أربت على الرؤيا بما … لم يكن يوما بظن ليمرا
دار فيها طرب مختلف … تارك في مسمع الأحقاب وقرا
تركض الأم تغني هلعا … وبنوها حولها يبكون ذعرا
ويهد الكهل هد الفحل في … غرق والوقد لا يألوه هدرا
كاد رحب الجو من حشرجة … وحوافيه الربى يشبه قدرا
في اختلاط مرهق سماعه … واختلال مزهق حشدا وحشرا
سرحات قصفت محضأة … بين منكوسة إكليل وعقرى
رجبة من عوسج محتدم … فنيت ضربن لألاء ووغرا
ضبغ تعوي وذئب ضابح … وصدى يزقو مهيجا مزبئرا
ضيغم من سورة الحمى ومن … ثورة الحمي به يزأر زأرا
طالما زمجر يشكو أسره … فهو يشكو أنه لم يقض أسرا
ثعلب يضغو وفهد ضاغب … وغراب ناغب عشرا فعشرا
ومن الأكلب حامي بركة … مس بعد القر بالحر فهرا
ما سموم نفختها سقر … تنسف الدوح وتذوي العشب صقرا
خافتت آنا وآنا عزفت … وتوالى هزقها عزما وفترا
عندما في مارج من لاعج … بثه بثا وقد ضويق حصرا
ما اصطخاب اللج في حيرته … بين تيار ودردور ومجرى
كاصطخاب من وطيس هادم … لم يصن تاجا ولم يستثن جذرا
ذاك يا نيرون لحن زاده … طربا مزهرك الرائع نبرا
جمع الضدين لم يجتمعا … في مزاج يفطر الأكباد فطرا
بين أصوات على نكرتها … جعلت وفقهما خفضا وجهرا
هيكل يسقط في قعقعة … وذماء من حشى يصعد زفرا
هكذا التصوير أحيا ما يرى … هكذا التطريب مؤتا أو أحرا
هز بالإيقاع أفلاكا ولم … يصحب العود به طبلا وزمرا
هكذا الشعر بلا قافية … خف وزنا وجرى بالدم بحرا
عظمت فتنته من فرط ما … رق فالناس أرقاء وأسرى
لا كنايات ولا تورية … إنما العاجز من كنى وورى
من كنيرون أتى بالرسم لم … يستعر صبغا له أو يجر حبرا
مثبتا في ليلة مبصرة … آية يمحو بها قوما ومصرا
بينما تنظر ربعا أهله … ملء هذا الكون إذ تلفيه صفرا
يا لها غر فنون بهرت … ظرفاء الوقت بالإبداع بهرا
أين منها شأن مفني عمره … يتقرى الخلق أو يقرأ سفرا
ليراه بعد جهد محسنا … إن شدا أو متقنا إن خط سطرا
دمرت حاضرة الدنيا ولم … يجد الناجون في ذلك نكرا
أوشكوا أن يجمعوا رأيا على … أن في الغيب لذاك الهول سرا
لست محزونا على القوم وهل … كبد تلقى على الأنذال حرى
غير أني لي على إبداعه … عتب فن وهو بالإبداع أدرى
فلقد أغرق في إيقاعه … وغلا رسما وزاد النظم نثرا
ولعل الهفوة الأخرى له … أنه لم يعتدل نقشا وحفرا
ذاك همي ليس همي بلدا … باد خنقا أو توى حرقا وثبرا
ما علينا من غريم غارم … إن أزرى الخلق شعب مات صبرا
ليس بالكفؤ لعيش طيب … كل من شق عليه العيش حرا
إن روما جعلت نيرونها … وهو شر القوم مما كان شرا
بلغته الملك عفوا فبغى … كل ملك جاء عفوا راح هدرا
يقدر الشيء معاني كسبه … فإذا ما هان كسبا هان خسرا
عاث فيها مستبدا مسرفا … دائب الإجرام عوادا مصرا
وهو لا يمنحها من باله … غير هم الخطر المكسوب قمرا
ليس في تشنيعه من بدعة … إن للخامل عند الذكر ثأرا
لا ولا في ظلمه من عجب … إن للظالم عند العدل وترا
بم غر القوم حتى غفروا … ذلك الذنب له ما شاء غفرا
بل قضوا أن يمحنوه حمدهم … حيث لا يجدر أن يبلغ عذرا
ذاك أن أتهم ظلما منهم … معشرا مستضعف الجانب نزرا
فرمى ملة عيسى بالذي … كان منه ملحقا الوزر وزرا
زاعما أن النصارى قارفو … ذنبه ما كان أنآهم وأبرا
والنصارى فئة يومئذ … لم تكن فيهم من المعشار عشرا
ما بها حول ولا طول ولا … تقتني جاها ولا تملك وفرا
لا تبالي دون من تعبده … جهد ما تمنى به خسفا وعسرا
دينها في فجره والسحب قد … تحجب النور ولا تعتاق فجرا
عن للغاشم أن يطعمها … لجياع الوحش في الملعب جهرا
وبهذا يترضى شعبه … فرط ما الشعب بذاك اللهو مغزى
فيظل البطل فيه عاليا … ويظل الحق عنه مستسرا
أمر الطاغي بها فاحتشدت … في مقام زاخر بالخلق زخرا
ورماهم بالضواري قرمت … فارتمت مجنونة وثبا وجأرا
فتلقاها النصارى وهم … لم يضق إيمانهم بالضيم حجرا
سجد شادون سام طرفهم … ضاحكو الآمال ما الخطب اكفهرا
بربرت تلك الضواري دونهم … ثم شدت وهي لا ترحم شفرا
هشمت وانتهشت وافترست … ما اشتهت نهمتها علما وهبرا
ثم كلت شبعا وافترقت … في الزوايا تتوخى مستقرا
سكر الأشهاد إعجابا بها … وهوت مملوءة بالدم سكرا
ذاك ما رام به نيرون أن … يتلافى إثمه الأول سترا
وإذا ما أسعد الجهل غلا … آثم في الإثم لا يرهب عزرا
شيمة الموغل في إجرامه … كلما ازداد انطلاقا زاد حضرا
شاد للإلهاء ذاك المنتدى … قبل أن يبني للإيواء جدرا
والأولى زالت مغانيهم بما … شيد للألعاب محبورون حبرا
بطء يوم فيه إيداء بهم … وهو يقضي في بناء اللهو شهرا
خاب من خال النصارى هلكوا … حين راح الموت فيهم مستحرا
فالذي أولده الفتك بهم … أنهم قل غدوا بالقتل كثرا
ثم أضحى ملك روما ملكهم … ومولاهم على الأحبار حبرا
هكذا الفكرة من أرهقها … كمنت ثم علت وثبا فطفرا
درت الأمة من ظالمها … كلما جر عليها الظلم دفرا
وعلى ذاك تغابت مرة … بعد أخرى وتمادى مستشرا
لو أراد القسط لم يكفؤ له … أو تصدى للوغى لم يحم ثغرا
فاته في نفسه السر الذي … يمنح الدائل مجدا مستمرا
فتوخى الفخر من سخرية … مثل الدهر بها هزءا وهزرا
لاهيا بالناس قتالا لمن … شاء فعالا لما استحسن جبرا
لاعبا حتى إذا ضاق به … ملعب الدنيا تخطاه ومرا
فقضى حين اقتضى منتحرا … بيدي مستأجر أوسع برا
راكبا متن النوى لما نوى … ضاربا بين غد والأمس سترا
ملقيا جسما إلى أمته … خشيت حرمانه دفنا وقبرا
سرفا في الذل حتى إنها … لم تكن تدري لما تفعل قدرا
من يلم نيرون إني لائم … أمة لو كهرته ارتد كهرا
أمة لو ناهضته ساعة … لانتهى عنها وشيكا واثبجرا
فاز بالأولى عليها وله … دونها معذرة التاريخ أخرى
كل قوم خالقو نيرونهم … قيصر قيل له أم قيل كسرى