دَنِفٌ ذو مِهجة ٍ في الحبّ تَصْدا … كُلّما زِيدَ ملاماً زاد وَحْدا
أمطرت أدمعه وبلَ الحيا … وهو يشكو من لظى الأشواق وقدا
مغرمٌ أخفى الهوى عن عاذل … في الهوى العذري ما أخفى وأبدى
فتكتْ أعْيُنُها الغيد به … وَرَمَتْه أسهُم الألحاظ عَمْدا
كيف يسطيعُ اصطباراً وهوَ لا … يجدُ اليوم من الأشواق بدا
لا تلمني فصابات الهوى … جعلت بيني وبين اللوم سَدّا
عَبرة أهرقتها من أعين … ألِفَتْ في هجرها الغمض سهدا
وبما قاسيتُ من حرِّ الجوى … في غرام مدّ سيل الدمع مدا
أنْحَلَ الحبُّ ذويه فاغتدتْ … من معاناة الضنى عظماً وجلدا
كُلَّما يقرب منّي عاذلٌ … فَتقبَّلْ ما إليك العبد أهدى
ربَّ ليلٍ أطبقت ظلماؤه … تحسب الشهب عيوناً فيه رمدا
… وأواري عَبرتي أنْ تتبدى
أذكر الأغصان من بان النقا … كلّما أذكر من هيفاء قدا
ومع السرب الذي مرَّ بنا … رشأٌ يصرع بالألحاظ أسدا
مَن معيدٌ لي أياماً مضت … كان فيها الغيُّ لو انصفت رشدا
أهْصِرُ الغصن إذا ما كان قدّاً … وأشمُّ الوردَ إذا ما كان خدّا
كم أهاج الشوق من وجد بها … كلما جدَّده الذكر استجدا
وجرى دمعي من الوجد فما … يملك الطرف لجاري الدمع ردا
خبّراني بعد عرفاتي بها … كيف أقوت دار سعدى بعد سعدى
أينَ قِطانُك في عهد الصبا … يا مراحاً كان للهو مغدى
يوم سارت عنك للركب بهم … مشمعلاّت تقدّ السير قدّا
قد ذكرنا عهدكم من بعدكم … هل ذكرتم بعدنا للودّ عهدا
وقصارى مُنية الصبِّ بكم … مطلبٌ جدَّ به الوجدُ فأكدى
فسقاكم وسقى أربُعَكم … من قطار حامل برقاً ورعدا
وإذا مرّت بكم ريحُ صباً … حملت ريح الصبا شيحاً ورندا
زارني الطيف فما أشكوى جوى ً … من حشا الصادي ولا نوّل رفدا
ما عليه لو ترشَّفْتُ لمى ً … مزجت ريقته خراً وشهدا
نسب التشبيب في الحب إلى … ذلك الحسن فكان الهزل جداً
وإلى عبد الحميد انتسَبَتْ، … غرر الشعر له شكراً وحمدا
عالم البصرة قاضيها الذي … لا ترى فيها له في الناس ندا
قوله الفصل وفي أحكامه … يجحض الباطل والخصم الأدا
إذ يريك الحقَّ يبدو ظاهراً … لازماً في حكمه لا يتعدى
أوجب الشكر علينا فضله … فمن الواجد عندي أن يؤدى
سيّدٌ إحسانه في برّه … لم يزل منه العافين يسدى
وبأمر الله قاضٍ إنْ قضى … كان أمضى من شفير السيف حدا
ثابت الجأش شديد ركته … إذ تخر الراسيات الشمّ هدّا
سيّدٌ من سيّدٍ إذ ينتمي … أكرم الناس أباً فيهم وحدا
آل بيت لبسوا ثوب التقى … تلبس الفخر نزاراً ومعداً
هم أغاظوا بالذي يرضونه … زمناً تشقى به الأحرار وغدا
ذلّلووا الصَّعب وقادوا للعلى … حيث ما انقادت لهم قوداً وجردا
هل ترى أبعد منه منظراً … أو ترى يومئذٍ أثقب زندا
باسطٌ أيديه لما خلقت … ديماً ما برحت بالجود تندى
عدّدا لي نعمة الله به … أنا لا أُحصي له النّعماء عدا
… تركت بالبر حرّ القوم عبدا
حبذا البصرة في أيامه … لا أراها الله من علياه فقدا
وجميل الذكر من أخلاقه … سار في أقطارها غوراً ونجدا
توأم المجد فريد في الحجى … جامع الفضل براه الله فردا
بيمين الحقّ سيف صارم … يجعل الباطل في غريبه غمدا
طالما ألقت إليه كَلِماً … أورثت ما لم يرثه لنثر خلدا
وكفاني صولة الهمّ امرؤ … جاعل بيني وبين الهم سدا
رغد العيش لمن في ظلِّه … عاش طول الدهر بالأفراح رغدا
كلّما يلحظني ناظره … عكس الأمر فكان النحس سعدا
بأبي أفديه من قاضٍ به … صرت في رأفته ممن يفدّى
إنَّ من أخلص فيكم وُدَّه … مخلص في حبّه الأمجاد ودا
ناظمٌ فيكم على طول المدى … مدحاً ترفع لي بالفخر مجدا
فهو مهديها إليكم عبدكم … فتقبَّل ما إليك البعد أهدى